شبكة بحوث وتقارير ومعلومات
تجربة هيدر2
اليوم: السبت 27 ابريل 2024 , الساعة: 11:14 م


اخر المشاهدات
الأكثر قراءة
اعلانات

مرحبا بكم في شبكة بحوث وتقارير ومعلومات


عزيزي زائر شبكة بحوث وتقارير ومعلومات.. تم إعداد وإختيار هذا الموضوع [ تعرٌف على ] عبد الملك بن مروان # اخر تحديث اليوم 2024-04-27 فإن كان لديك ملاحظة او توجيه يمكنك مراسلتنا من خلال الخيارات الموجودة بالموضوع.. وكذلك يمكنك زيارة القسم , وهنا نبذه عنها وتصفح المواضيع المتنوعه... آخر تحديث للمعلومات بتاريخ اليوم 10/11/2023

اعلانات

[ تعرٌف على ] عبد الملك بن مروان # اخر تحديث اليوم 2024-04-27

آخر تحديث منذ 5 شهر و 19 يوم
1 مشاهدة

تم النشر اليوم 2024-04-27 | عبد الملك بن مروان

توطيد الاستقرار الداخلي


القضاء على المعارضة العلوية
تخطيط اسم الحسين بن علي، الذي تسبب مقتله باندلاع العديد من الثورات ضد الأمويين
كان مروان بن الحكم قد جهز قبل وفاته جيشًا بقيادة عبيد الله بن زياد لإخضاع زفر بن الحارث في منطقة الجزيرة، وعينه أميرًا على كل ما يفتحه، فلما كان في الجزيرة أتاه نعي مروان، وكتاب عبد الملك يستعمله على ما استعمله والده ويحثه على المسير إلى العراق. كان العراق إقليما مليئاً بالأحداث السياسية، فالكوفة كانت مركزًا للمعارضة السياسية، وكان أنصار العلويين يشعرون بالتقصير والذنب بعد معركة كربلاء، لكنهم اضطروا للتهدئة طيلة حكم عبيد الله بن زياد، لكن عندما عم الاضطراب أنحاء بلاد العالم الإسلامي بعد موت يزيد بن معاوية وفرار ابن زياد، أخذ أنصار الحسين بن علي يتصلون ببعضهم البعض لوضع خطة للثأر لدم الحسين، وبدأوا يعقدون الاجتماعات برئاسة سليمان بن صرد الخزاعي لدراسة الموقف، وانتهت الاجتماعات بقولهم: «أنه لا يغسل عنهم ذلك الجرم إلا قتل من قتله أو القتل فيه»، وغلب عليهم اسم التوابين وكان شعارهم الثأر للحسين. كتب سليمان بن صرد إلى سعد بن حذيفة بن اليمان أمير المدائن يدعوه للانضمام لدعوتهم فاستجاب له، وقَبِل الدخول معه في ثورته ودعوته، فزاد ذلك الأمر التوابين قوة وعزمًا ونشاطًا، ثم إنهم أرادوا استعجال الخروج ولكن سليمان ثبطهم حتى لا يكشف أمرهم. في هذا الوقت أَخرج أهل الكوفة عامل ابن زياد عليهم واستقبلوا عامل ابن الزبير حيث أن ابن الزبير قد استفحل أمره ودانت له كل البلاد عدا الشام. أثناء الإعداد للثورة ظهرت على مسرح الأحداث شخصية أثرت بشدة على مجرى الأحداث وهو المختار بن أبي عبيد الثقفي، وكان عند ابن الزبير، ولكنه ما لبث أن اختلف معه ثم خرج من مكة متوجهًا للكوفة وبدأ يدعو لخلافة محمد بن الحنفية ولقبه بالمهدي، وأدى ذلك لتفرق صف أنصار الحسين وصاروا فرقتين: جمهورهم مع سليمان بن صرد للأخذ بثأر الحسين، والباقي مع المختار، وهذا الاختلاف وصلت أخباره لوالي الكوفة من قبل ابن الزبير فحذرهم من محاولة الخروج على الأمويين، لكن هذا التحذير أدى لاستعجال خروج سليمان ومن معه لقتال أهل الشام. لوحة لمعركة كربلاء في متحف بروكلين. كان مقتل الحسين السبب الرئيس والوحيد لقيام ثورة التوابين ضد بني أمية
كان تاريخ خروج ثورة التوابين في 5 ربيع الثاني 65 هـ من معسكرهم في النخيلة، قام والي الكوفة من قبل ابن الزبير عبد الله بن يزيد ومن معه من أشراف أهل الكوفة بلقاء سليمان وجيشه قبل خروجهم لمحاولة إقناعهم بتأجيل فكرة الخروج حتى يجتمع عندهم الناس ويكثر عددهم وتقوى جيوشهم، وتؤمن لهم مؤونة كافية للحرب، لأن أهل الشام خرجوا في جيش ضخم لحربهم، ولكن سليمان رفض الفكرة وأصر على الخروج. خرج جيش التوابين إلى الجزيرة للقاء أهل الشام، ومروا بطريقهم على قبر الحسين وظلوا يترحمون عليه ويستغفرون له، ثم واصلوا سيرهم، ومر جيش التوابين ببلدة هيت على الفرات، ثم صعد مع النهر إلى أن وصل إلى قرقيساء، وكانت هذه المدينة أبعد المناطق في اتجاه الشام التي اعترفت ببيعة ابن الزبير. فخرج لهم في الطريق زفر بن الحارث وكان واليًا على مدينة قرقيسياء وعرض عليه أن يقاتلوا أهل الشام على حد باب مدينته تحسبًا لحدوث هزيمة فيدخلوا في أمانه، وأن يتأنوا حتى تتوحد صفوفهم مع صفوف ابن الزبير، لكن سليمان بن صرد رفض هذه العرض وأصر على مواصلة السير للقتال، واكتفوا بالتزود بما يحتاجون إليه من المدينة. سار جيش التوابين حتى نزل عند منطقة عين الوردة من أرض الجزيرة إلى الشمال الغربي من صفين، وخطب سليمان في جيشه ووعظهم وذكرهم بالآخرة والنية الصالحة، وأقبل جيش الشام وكان تعداده في أربعين ألفًا، وجيش التوابين أربعة آلاف، ودارت رحى حرب طاحنة لمدة ثلاثة أيام، ولكثرة جند الشام فقد أحاطوا بجيش التوابين من كل مكان ثم رشقوهم بالنبال والرماح حتى قتل قائدهم سليمان بن صرد وعدد من قادته، وفي جنح الليل من اليوم الثالث للمعركة انسحب جيش التوابين بقيادة رفاعة بن شداد إلى الكوفة. أدت هذه الثورة لظهور حركة المختار الثقفي، حيث قام بأمر شيعة العراق بعد وفاة سليمان بن صرد. وقد علق الذهبي على سليمان بن صرد زعيم جيش التوابين بقوله: «كان ديِّناً عابداً، خرج في جيش تابوا إلى الله من خذلانهم الحسين الشهيد، وساروا للطلب بدمه، وسُمُّوا جيش التوابين»، وقال ابن كثير في وصف جيش التوابين: «لو كان هذا العزم والاجتماع قبل وصول الحسين إلى تلك المنزلة لكان أنفع له وأنصر من اجتماعهم لنصرته بعد أربع سنين، وكان عمر سليمان بن صرد رضي الله عنه يوم قتل ثلاثاً وتسعين سنة».
تبعت حركة التوابين حركة أخرى نسبت إلى المختار بن أبي عبيد الثقفي، وعرفت بالمختارية، تميزت هذه الحركة بمناهضتها للحكم الأموي ورفع شعار التشيع العلوي، وساهمت إلى حد كبير في تطور الشيعة كفرقة دينية وسياسية. ظهر المختار في ميدان السياسة عام 64 هـ، حيث توجه إلى مكة قادمًا من الكوفة بعد مقتل الحسين، واتصل بابن الزبير، ونسق معه العمل ضد الأمويين على أساس شروطٍ ثلاث: أن لا يقضي أمرًا دونه، وأن يكون أول من يأذن له، وإذا استعان به على أفضل أعماله. لكن الأمور لم تكن حسنة بين الطرفين ما أدى لعودة المختار إلى الكوفة في الخامس والعشرين من شهر رمضان عام 64 هـ. في الوقت الذي خرج فيه جيش التوابين إلى عين الوردة، كان المختار وراء قضبان السجن بفعل نشاطه المعادي لابن الزبير، لكنه لم يلبث أن غادر السجن، وقاد حركةً سياسية دينية بالمطالبة بدم الحسين وبمناداته بالمهدية بشخص محمد بن الحنفية وأطلق عليه لقب المهدي. خارطة لنفوذ المختار الثقفي ومناطق صراعه مع ابن المروان.
استطاع المختار ضم بقايا جيش التوابين، بالإضافة لبعض القبائل اليمنية ولا سيما قبيلة نخع وزعيمها إبراهيم بن الأشتر النخعي. استطاع المختار الاستيلاء على الكوفة بعد أن هزم جيش واليها عبد الله بن مطيع، ثم راح يرسل الولاة إلى إمارات أرمينيا وأذربيجان والموصل ليحكموا باسمه. حاول المختار حصر ابن الزبير في الحجاز بالاستيلاء على البصرة، حتى يتفرغ لابن مروان وجيشه في الشام، لكنه فشل لما اضطرت فرقته العسكرية التي أرسلها للتصدي لابن زياد في الموصل من الانسحاب رغم انتصارها في المعركة، ترتب على هذا الانسحاب قيام انتفاضة ضد حكمه في الكوفة من قبل الأشراف، إلا أنه قمعها بسرعة، ثم بدأ مهمته بالثأر من قتلة الحسين. في العاشر من شهر محرم عام 68 هـ أرسل المختار جيشًا بقيادة إبراهيم بن الأشتر لوقف زحف الجيش الأموي المرسل من قبل ابن مروان نحو العراق، واستطاع الأشتر الانتصار على الأمويين في معركة جرت عند نهر الخازر؛ نتج عن المعركة مقتل عبيد الله بن زياد ومعه الحصين بن نمير السكوني. ومع تعاظم نفوذ المختار بعد هذا الانتصار، سيطر على شمالي العراق والجزيرة، ثم أعد جيشًا لقتال مصعب بن الزبير لانتزاع البصرة منه، لكن انضمام قائده ابن الأشتر إلى الأشراف في البصرة أثر على قواه وعدته وأصيب بخسارة فادحة في معركة المذار مع جيش مصعب، ولم يتمكن من الصمود داخل الكوفة بعد أن شدد مصعب الحصار عليه، فخاض معركة غير متكافئة انتهت بمقتله واستيلاء مصعب على الكوفة. القضاء على خلافة ابن الزبير
كانت الأجواء السياسية في المدينة غير مستقرة ويشوبها الكثير من المعارضة والسخط على بني أمية، كان مُبتدأ الخلاف بين أهل المدينة وبني أمية عندما قام معاوية بن أبي سفيان بأخذ البيعة لابنه يزيد، فقد عارض الكثير من أبناء الصحابة هذه البيعة لإحساسهم بانتهاء العهد الراشدي المبني على الشورى، وزاد الأمر سوءًا مقتل الحسين بن علي في كربلاء. قام بعد ذلك وفد من أهل المدينة بزيارة ليزيد بن معاوية، وعلى الرغم من أنهم قدموا عليه ولم يسألوه حاجة إلا قضاها، إلا أنهم رجعوا المدينة ذامين له، مجمعين على خلعه. عندما وصل خبر مقتل الحسين إلى الحجاز أعلن عبد الله بن الزبير خلع يزيد، وبدأ بأخذ البيعة لنفسه من الناس في مكة، وبعد أن كَثُر الحديث في المدينة عن يزيد، أرسل يزيد النعمان بن بشير إلى المدينة يحذرهم الفتنة والخروج عن الطاعة، ويذكرهم الطاعة، فأبوا عليه، ثم أعلنوا خلع يزيد، وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل، ووثبوا على عثمان بن محمد بن أبي سفيان والي يزيد، ثم حاصروا بني أمية في دار مروان بن الحكم، وكان عددهم حوالي الألف شخص. فلما علم يزيد بن معاوية بذلك أرسل إليهم جيشًا عليه مسلم بن عقبة المري، وأوصى إن حدث له حدث فالأمير من بعده الحصين بن نمير السكوني، وأقبل مسلم بن عقبة بالجيش حتى وصل إلى المدينة فأمهل أهلها ثلاثة أيام فأبوا إلا القتال، وكان عليهم: عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري، وعبد الله بن مطيع، ومعقل بن سنان الأشجعي، وعبد الرحمن بن زهير بن عوف الزهري ابن أخ عبد الرحمن بن عوف، وكان مجيء مسلم عن طريق الحرة الشرقية، ووقعت معركة بين الجيشين سميت وقعة الحرة وكانت في أواخر ذي الحجة من سنة 63 هـ، قتل في هذه الوقعة أكثر سادة أهل المدينة من الصحابة وأبناء الصحابة، واستحلت المدينة من قبل الجيش الأموي ثلاثة أيام. عندما انتهى مسلم بن عقبة المري من المدينة اتجه بجنده نحو مكة يريد عبد الله بن الزبير، وخلف على المدينة روح بن زنباع الجذامي، لم يقطع مسلم مسافة بعيدة عن المدينة حتى مات، فتولى أمر الجند بعده الحصين بن النمير السكوني حسب وصية يزيد بن معاوية فسار إلى مكة، فقاومه ابن الزبير، واستمر القتال شهري محرم وصفر من سنة 64 هـ وفي أوائل ربيع الأول رميت الكعبة بالمنجنيق، ثم جاءهم نعي يزيد في 14 من ربيع الأول سنة 64 هـ، انصرف على أثره جيش الشام إلى بلدهم تاركين الحجاز لولاية ابن الزبير. بعد وفاة يزيد دان الحجاز لعبد الله بن الزبير، ثم دعا لنفسه بالخلافة، ثم أخذ يتوسع حتى ضم إليه بلاد المسلمين كلها إلا دمشق وجزءًا من الأردن، وبايعه في أول الأمر رؤوس الخوارج، وكذلك بايعه المختار الثقفي، وأُخرج بنو أمية من المدينة إلى الشام، فاجتمعو إلى مروان بن الحكم بعد موت معاوية بن يزيد، ودُعي لابن الحكم بالخلافة فبايعه أهل دمشق، ثم توسع من دمشق فضم أرجاء بلاد الشام ومصر. تخطيط اسم أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير، تولى الخلافة مدة تسع سنوات قبل أن يقتل في مكة عام 73 هـ
أدى زوال خطر المختار الثقفي من الميدان السياسي إلى انحصار المنافسة على زعامة العالم الإسلامي بين عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير. أدرك عبد الملك أن قوة ابن الزبير تكمن في العراق وأن القضاء عليه في هذا الإقليم سيؤدي حكمًا إلى إسقاط النظام الزبيري كاملًا، لذلك خرج عبد الملك على رأس جيش كبير إلى العراق، وكان ذلك بعد أربع سنين من القضاء على المختار. وكان عبد الملك قد أشار عليه بعض أمرائه أن يقيم بالشام، وأن يبعث إلى مصعب جيشا فأبى، وقال: «لعلي أبعث رجلا شجاعا لا رأي له، أو من له رأي ولا شجاعة له، وإني أجد من نفسي بصرًا بالحرب وشجاعة، وإن مصعبا في بيت شجاعة، أبوه أشجع قريش، وأخوه لا تجهل شجاعته، وهو شجاع، لا علم له بالحرب، وهو يحب الدعة والخفض، ومعه من يخالفه، ومعي من ينصح لي». فسار بنفسه حتى نزل بلدة مسكن، وجعل على مقدمة جيشه أخاه محمد بن مروان بن الحكم، وعلى ميمنته عبد الله بن يزيد بن معاوية، وعلى ميسرته خالد بن يزيد بن معاوية، وزحف مصعب نحو باجميرا وعلى مقدمة جيشه إبراهيم بن الأشتر النخعي، ثم بدأ عبد الملك يكاتب زعماء أهل العراق من جيش مصعب يعدهم ويمنيهم، وقد قبلوا التخلي عن مصعب والانضمام إلى عبد الملك. كان عبد الملك يسعى لإيجاد مخرج من قتال مصعب، فأرسل إليه رجلاً من كلب وقال له: «أقرئ ابن أختك السلام - وكانت أم مصعب كلبية - وقل له: يدع دعاءه إلى أخيه، وأدَعُ دعائي إلى نفسي، ويجْعَل الأمر شورى». لكن مصعب رد عليه بقول: «السيف بيننا». ثم حاول عبد الملك محاولة أخرى: فأرسل إليه أخاه محمد بن مروان ليقول له: «إن ابن عمك يعطيك الأمان». فقال مصعب: «إن مثلي لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلا غالبًا أو مغلوبًا». ثم وقعة المعركة وأمد مصعب قائده إبراهيم بن الأشتر بعتاب بن ورقاء الرياحي، وهو من الذين كاتبوا عبد الملك، فاستاء إبراهيم من ذلك وقال: قد قلت له لا تمدني بعتاب وضربائه، إنا لله وإنا إليه راجعون، فانهزم عتاب بالناس، فلما انهزم ثبت ابن الأشتر فقتل، ثم تخلى أهل العراق عن مصعب حتى لم يبق معه سوى سبعة رجال، وجعل يتأمل من معه فلا يجدهم يقاومون أعداءه، فاستقتل وطمن نفسه وقال: «لي بالحسين بن علي أسوة حين امتنع من إلقائه يده، ومن الذلة لعبيد الله بن زياد». وظل يقاتل حتى قتله عبيد الله بن زياد بن ظبيان، وكان مقتله في المكان الذي دارت فيه المعركة على قصر دجيل عند دير الجاثليق في شهر جمادى الآخرة سنة 72 هـ، فلما بلغ عبد الملك مقتله قال: «واروه فقد والله كانت الحرمة بيننا قديمة، ولكن هذا المُلْك عقيم». وبمقتل مصعب عادت العراق إلى حظيرة الدولة الأموية، وعين عبد الملك أخاه بشرا واليًا عليها، وقبل أن يغادرها أَعَدَّ جيشًا للقضاء على عبد الله بن الزبير في مكة. النفوذ السياسي بين الخليفتين ابن الزبير وابن مروان عام 65 هـ الموافق 685م، ويظهر أيضًا تحركات نشطة للخوارج في العراق.
لم يتريث عبد الملك كثيرًا وأسرع بإرسال جيش إلى الحجاز بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي لمواجهة عبد الله بن الزبير، وكان سبب تعيين الحجاج دون غيره أن عبد الملك لما أراد الرجوع إلى الشام قام إليه الحجاج بن يوسف فقال: «يا أمير المؤمنين إني رأيت في منامي أني أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته فابعثني إليه وولني قتاله». فحاصر الحجاج مكة في عشرين ألفًا من جند الشام، فنصب المنجنيق على مكة ليحصر أهلها حتى يخرجوا إلى الأمان والطاعة لعبد الملك، وكان مع الحجاج قوم قدموا عليه من أرض الحبشة، فجعلوا يرمون بالمنجنيق، فقتلوا كثيراً من أهل مكة، وكان معه خمس مجانيق، فألح عليها بالرمي من كل مكان، وحبس عنهم الميرة فجاعوا، وكانوا يشربون من ماء زمزم، وأخذت الحجارة تقع في الكعبة، وكانت الحرب سجالًا يكر جيش الشام على ابن الزبير، فيشد عليهم، وكان ابن الزبير يقول في القتال: «خذها وأنا ابن الحواري»، وقيل لابن الزبير: ألا تكلمهم في الصلح، فقال: «والله لو وجدوكم في جوف الكعبة لذبحوكم جميعا، والله لا أسألهم صلحا أبدا». لما اشتد الحصار أخذ أهل مكة يخرجون إلى الحجاج بالأمان ويتركون ابن الزبير، حتى خرج إليه قريب من عشرة آلاف، فأمنهم، وقل أصحاب ابن الزبير، حتى خرج إلى الحجاج حمزة وخبيب ابنا عبد الله ابن الزبير فأخذا لأنفسهما أمانًا من الحجاج فأمنهما، ودخل عبد الله بن الزبير على أمه أسماء بنت أبي بكر فشكا إليها خذلان الناس له، وخروجهم إلى الحجاج حتى أولاده وأهله، وأنه لم يبق معه إلا اليسير، ولم يبق لهم صبر ساعة، فما رأيك، فقالت: «يا بني، أنت أعلم بنفسك إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق فاصبر عليه، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك، يلعب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك، وإن كنت على حق فما وهن الدين، وإلى كم خلودكم في الدنيا، القتل أحسن». فدنا منها وقبل رأسها، وقال: هذا والله رأيي، ثم قال: «فانظري يا أماه، فإني مقتول من يومي هذا، فلا يشتد حزنك، وسلمي لأمر الله، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر، ولا عمل بفاحشة قط، ولم يجر في حكم الله، ولم يغدر في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يبلغني ظلم عن عامل فرضيته بل أنكرته، ولم يكن عندي آثر من رضا ربي عز وجل، اللهم إني لا أقول هذا تزكية لنفسي، اللهم أنت أعلم بي مني ومن غيري، ولكني أقول ذلك تعزية لأمي لتسلو عني». فقالت أمه: اخرج يا بني حتى أنظر ما يصير إليه أمرك. انتهى الحصار الذي استمر ستة أشهر وسبعة عشر يومًا، بمقتل عبد الله بن الزبير ودخول الحجاج مكة وفرض سيادة بني أمية على الحجاز في السابع عشر من جمادى الأولى عام 73 هـ الموافق 692م. وبهذا انتهت خلافة ابن الزبير التي استمرت تسع سنوات، وتوحد العالم الإسلامي تحت طاعة عبد الملك بن مروان الذي أضحى الخليفة الشرعي الوحيد للمسلمين. التغلب على الخوارج
. هذا ابن عمي في دمشق خليفةلو شِئتُ ساقكم إلي قطينا فلما سمعه عبد الملك قال: ما زاد على أن جعلني شرطيًا، والله لو قال لو شاء لسقتهم إليه قطينا. ومنها: قال عبد الملك بن مروان لعبد الله بن قيس الرقيات ويحك يا ابن قيس أما اتقيت الله حين تقول لابن جعفر: تزورُ امرأً قد يعلم اللهُ أنهتَجودُ له كفُّ قليلٌ غِرارُها ألا قلت قد يعلم الناس ولم تقل قد يعلم الله فقال ابن قيس: قد والله علمه الله وعلمته أنت وعلمته أنا وعلمه الناس. ومنها أن عبد الملك كان يقول للشعراء: يا معشر الشعراء تشبهوننا مرة بالأسد الأبخر، ومرة بالبازي، ومرة بالجبل الأوعر، مرة بالبحر الأجاج ألا قلتم كما قال أيمن بن خريم في بني هاشم: نَهارُكُمُ مُكَابَدَةٌ وَصَوْمٌوَلَيْلُكُمُ صلاَةٌ وَاقْتِرَاءُ وَلِيتُمْ بِالْقُرآنِ وَبِالتَّزَكِّيفَأسْرَعَ فِيكُمُ ذَاكَ البَلاَءُ
العمارة والبناء
بناء الكعبة
عندما قتل جيش بني أمية ابن الزبير عام 73 هـ، كتب الحجاج بن يوسف الثقفي إلى الخليفة عبد الملك بن مروان يخبره بذلك، ويعلمه بما فعل ابن الزبير في بناء الكعبة، فكتب إليه عبد الملك أن يقر طول الكعبة على ما فعله ابن الزبير، وأن يعيد الحجر كما كان في عهد النبي، فنقض الحجاج الكعبة وأعاد بناءها كما طلب منه عبد الملك بن مروان. روى مسلم عن حديث عطاء قال: «فلما قتل ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة فكتب إليه عبد الملك إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء، أما ما زاد في طوله فأقره، وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه وسد الباب الذي فتحه، فنقضه وأعاده إلى بنائه». ثم إن عبد الملك صح له حديث عائشة فندم على ما فعل، فقد ورد في صحيح مسلم عن أبي قزعة: «أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين يقول سمعتها تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحجر فإن قومك قصروا في البناء، فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا، قال لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير». بناء قبة الصخرة
الزخرفة الداخلية لمسجد قبة الصخرة
قام عبد الملك بن مروان ببناء قبة الصخرة، حيث بدأ العمل في بنائها سنة 66 هـ / 685م، وتم الفراغ منها سنة 72 هـ / 691م. وقد أشرف على بنائها المهندسان العربيان هما: رجاء بن حيوة وهو من بيسان فلسطين، وكان المسؤول عن التصميم والشكل العام للبناء، ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان وهو من القدس، وكان المسؤول عن النواحي العملية في هندسة العمارة. فكر عبد الملك بن مروان أن يغطي الصخرة المقدسة بنوع من البناء يتناسب وقباب المدينة المرتفعة، وقيل إن عبد الملك بن مروان حين فكر في بناء قبة عالية تغطي الصخرة رصد لبنائها خراج مصر لسبع سنين، وحين أنفقت هذه الأموال على البناء بقي منها مائة ألف دينار، فأمر عبد الملك بن مراون بها جائزة للرجلين المشرفين على البناء وهما رجاء بن حيوة الكندي ويزيد سلام فرفضا قائلين: «نحن أولى أن نزيد من حلي نسائنا فضلاً عن أموالنا فاصرفه في أحب الأشياء إليك»، فأمر عبد الملك بأن يصنع منها صفائح ذهبية تكسى بها القبة من الخارج. ذكر بعض المؤرخين أن عبد الملك لما أمر ببناء القبة أقاموا له قبة صغيرة لطيفة كنموذج لقبة الصخرة، ولها أحد عشر ضلعًا من الخارج، وستة أضلاع تحمي القبة الصغيرة، والمعروفة بقبة السلسلة قرب قبة الصخرة، فلما انتهت زارها وقال: «ابنوا قبة أكبر من هذه باثني عشر ضعفًا وانقصوا من الأضلاع»، فتم تجهيز وإعداد الشكل لقبة الصخرة بأضلاعها الثمانية، ثم بدء العمل بها، وقد كانت قبة السلسلة بعد بنائها المكان الرئيسي للإشراف على بناء قبة الصخرة. يأخذ تخطيط قبة الصخرة شكلا مثمَّنا خارجيا، به أربعة مداخل محورية يتقدم كلاً منها سقيفة محمولة على أعمدة، يليها مثمن داخلي مكون من دعائم رئيسة، وبين كل دعامتين عمودان يكونان ثلاثة عقود تكون في مجموعها أربعة وعشرين عقدًا داخل التثمينة، ودائرة من الأعمدة والأكتاف مكونة من أربعة دعائم كبيرة بين كل دعامة وأخرى ثلاثة أعمدة تحمل ستة عشر عقدًا مدببًا، وقد صنعت القبة من الخشب وغطيت من الخارج بطبقة من الرصاص، ويوجد بالرقبة 16 نافذة، وقد أحاطت الدائرة بالصخرة حتى يمكن الطواف حولها. وصف ابن كثير في كتابه البداية والنهاية مدى جمالية المسجد بقوله: «ولم يكن يومئذ على وجه الأرض بناء أحسن ولا أبهى من قبة صخرة بيت المقدس، بحيث أن الناس التهوا بها عن الكعبة والحج، وبحيث كانوا لا يلتفتون في موسم الحج وغيره إلى غير المسير إلى بيت المقدس، وافتتن الناس بذلك افتتانا عظيما، وأتوه من كل مكان، وقد عملوا فيه من الإشارات والعلامات المكذوبة شيئا كثيرا مما في الآخرة، فصوروا فيه صورة الصراط وباب الجنة، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووادي جهنم، وكذلك في أبوابه ومواضع منه، فاغتر الناس بذلك، وإلى زماننا، وبالجملة أن صخرة بيت المقدس لما فرغ من بنائها لم يكن لها نظير على وجه الأرض بهجة ومنظرا، وقد كان فيها من الفصوص والجواهر والفسيفساء وغير ذلك شيء كثير، وأنواع باهرة». بناء واسط
عندما عيَّن عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي أميرًا علي العراق سنة 75 هـ الموافق 694م، اضطر الحجاج للتنقل كثيرًا بين المصرين الكوفة والبصرة، حسبما تقتضيه الظروف الحربية والسياسية آنذاك، وكان ذلك أحد الأسباب التي دعت الحجاج إلى التفكير في بناء مدينة تكون مقرًا لإدارة ولايته الواسعة يطمئن بها على نفسه وأعوانه، ويجمع فيها العناصر الموالية له وفي مقدمها العناصر الشامية، ليتمكن من إخماد كل ثورة تقوم عليه في المستقبل، وقد ذكر أبو الحسن بَحْشَل سبب بناء المدينة بقوله: «وليّ عبد الملك بن مروان الحجاج العراق فأقام بها سنة فقال: أتخذ مدينة بين المصرين أكون بالقرب منهما، أخاف أن يحدث في أحد المصرين حدث وأنا في المصر الآخر فمر بواسط القصب فأعجبته، فقال: هذا وسط المصرين». وذكر الطبري سببًا آخر لبناء مدينة واسط يتمثل في رغبة الحجاج تجنب الاحتكاك بين جند الشام وسكان المدن العراقية البصرة والكوفة. جاء اختيار موقع مدينة واسط بعد بحث وتدقيق واسعين في الأرض الواقعة بين المصرين، ذكر ياقوت الحموي: «أن الحجاج قال لرجل ممن يثق بعقله: امض وابتغ لي موضعًا في كرش من الأرض أبني فيها مدينة وليكن على نهر جار، فأقبل ملتمسًا ذلك حتى سار إلى قرية فوق واسط بقليل يقال لها واسط القصب، فبات بها واستطاب ليلها واستعذب أنهارها، واستمرأ طعامها وشرابها فكتب إلى الحجاج بالخبر ومدح له الموضع، فكتب اليه: اشتر لي موضعًا أبني فيه مدينة، واشترى الحجاج موقع المدينة من صاحبها وهو أحد دهاقين الفرس من داوردان بعشرة الآف درهم، ووعد بأن يرعى جواره ويقضي ذمامه ويحسن اليه». موقع المدينة يقع على نهر دجلة، ويتوسط بين مدن الكوفة والبصرة والمدائن والأحواز، ويقع على طرق التجارة النهرية والطرق البرية. أما سبب تسميتها بهذا الاسم، فهو لأن الموضع الذي اختاره الحجاج لبناء مدينته كان يسمى واسط القصب فسميت نسبة لذلك، وهذا مايذكره ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ، كما ذكر أن أرضها كانت أرض قصب لذلك سميت واسط القصب. اختلفت المصادر في تحديد سنة بناء المدينة، إلا إأن معظمها يجمع علي أن عملية البناء تمت بين الأعوام (83 هـ - 86 هـ / 702 - 705) أي في أواخر حكم عبد الملك بن مروان الذي استأذنه الحجاج في إنشاء المدينة. بعض الباحثين يرجح بناء مدينة واسط سنة 83 هـ الموافق 702م معززين رأيهم بما وصلهم من مسكوكات فضية مضروبة بمدينة واسط، حيث تعد هذه المسكوكات وثائق أساسية، ويحتفظ المتحف العراقي بدرهم فضي مضروب بواسط سنة 83 هـ، كما ويحتفظ بدرهم آخر ضرب سنة 84 هـ، وهذا أحد أدلة أن بناء المدينة كان قبيل سنة 83 هجرية، وهي خامس مدينة تمصرت في الإسلام بعد البصرة والكوفة والفسطاط والقيروان وثالث مدينة في العراق بعد البصرة والكوفة. كانت واسط تقع على الجانب الغربي لنهر دجلة يقابلها علي الجانب الشرقي مدينة قديمة تسمى كسكر، وقد ربط المدينتين جسر على كل جانب من جانبي النهر، وكان يحيط بالمدينة سور وخندقان. بنى الحجاج في داخل المدينة قصره الذي اشتهر بقبته الخضراء العالية، وأقيم القصر فوق مساحة من الأرض مربعة الشكل أبعادها أربعمئة ذراع في أربعمئة ذراع، وكان له أربعة أبواب كل منها يفضي إلى طريق عرضه ثمانون ذراعًا. وإلى جانب القصر بُني المسجد الجامع، وكانت مساحته مائتي ذراع في مائتي ذراع، وجعل على مقربة من القصر سوقًا كبيرة، وكان في الجانب الغربي سجن الحجاج المعروف بالديماس. بلغت تكاليف بناء مدينة واسط مبالغ كبيرة، ذكر بحشل: «إن ما أنفقه الحجاج قد بلغ خراج العراق لمدة خمس سنين، وإن كان التقدير مبالغًا به إلا أنه يدل على أن بناء مدينة واسط قد كلف أموالا كثيرة»، في حين قال ياقوت الحموي: أنفق الحجاج على بناء قصره والجامع والخندقين والسور ثلاثة وأربعين ألف ألف درهم، فقال له كاتبه صالح بن عبد الرحمن: هذه نفقة كثيرة وإن احتسبها لك أمير المؤمنين وجد في نفسه. فقال فما نصنع، قال: الحرب لها أجمل، فاحتسب منها في الحروب بأربعة وثلاثين ألف ألف درهم، واحتسب في البناء تسعة آلاف ألف». بعد أن سكن الحجاج مدينته الجديدة، أسكن إلى جانب جنده الشامي مجموعات أخرى من السكان العرب من وجوه أهل البصرة والكوفة. كانت واسط في عهد عبد الملك والحجاج مركزًا لإدارة العراق والمشرق الإسلامي، وقام الحجاج وخلفاؤه من بعده بإنشاء دار لضرب المسكوكات والنقود. ظلت المدينة في توسع وازدهار حتى هُجرت وانتهت، بسبب تعرضها للغارات الخارجية وتحول مجرى نهر دجلة الغربي عنها إلى مجراه الشرقي الحالي في القرن الحادي عشر الهجري السابع عشر الميلادي، حيث هجرها سكانها وتحولت بعد ذلك إلى أنقاض وبقايا خرائب.[100] بناء تونس
باب البحر مدخل مدينة تونس العتيقة التي بناها حسان بن النعمان الغساني في عهد عبد الملك بن مروان
قام حسان بن النعمان الغساني عام 82 هـ ببناء مدينة تونس لتكون قاعدة عسكرية بحرية، ولتحول دون تكرار البيزنطيين الهجوم على قرطاجة الذي حدث عام 78 هـ. بنى حسان بن النعمان مدينة تونس على أنقاض قرية قديمة عرفت باسم ترشيش القديمة. اختط حسان تونس غربي البحر المتوسط بنحو عشرة أميال، فقام بحفر قناة تصل المدينة بالبحر لتكون ميناء بحريًا ومركزًا للأسطول الإسلامي بعد أن أنشأ فيها صناعة المراكب، واستعان بخبراء في هذه الصناعة زوده بها والي مصر عبد العزيز بن مروان بناءً على توجيه الخليفة عبد الملك. كان الهدف الرئيسي من بناء تونس وضع حد لاعتداءات الروم والمتمثلة بإغارتهم على ساحل إفريقية، وكان الحل المتاح أما المسلمين هو إيجاد قاعدة بحرية، وصناعة بحرية قادرة على إنشاء أسطول مهمته صد العدوان الرومي، فأوعز عبد الملك بن مروان لشقيقه والي مصر عبد العزيز بن مروان، لإرسال ألفي قبطي من المهرة الصناع لإقامة صناعة مراكب بحرية. سعى حسان عند بنائه المدينة لإيجاد حياة اجتماعية قادرة على خدمة الأفراد، فأقام في المدينة المسجد الجامع، ودار الإمارة، وثكنات للجند للمرابطة، وأخذ يقوم بتدوين الدواوين، وتنظيم الخراج والعناية بالدعوة الإسلامية بين البربر، فقام بإرسال الفقهاء ليعلموهم اللغة العربية والدين الإسلامي، وصارت المدينة معسكرًا حربيًا ومركز استيطان وإدارة لدعم الفتوحات.[101] خلال عهد الخلافة العباسية ازدهرت مدينة تونس وكانت جزءا من عدة دول إسلامية مستقلة تعاقبت على حكم المنطقة، من أهمها الأغالبة والفاطميون والمرابطون والموحدون، ثم أصبحت عاصمة للدولة الحفصية في القرن السابع الهجري، وكانت مركزا تجاريا مهمًا في المتوسط وأوروبا. في 1591 حكم العثمانيون تونس، ثم حكمها البايات (ولاة عسكريون) بطريقة شبه مستقلة عن العثمانيين، وفي تلك الفترة ازدهرت المدينة وشكلت ممرًا تجاريًا كبيرًا ومركزًا للتحكم في الملاحة البحرية وحماية السواحل.[102] أما عن قرطاجنة التي استعادها الروم سنة 78 هـ بعد حملة حسان بن النعمان الأولى، فقد سار إليها حسان، وطرد منها الحامية الرومية التي استقرت فيها بقيادة البطريق يوحنا، واستولى على المدينة عنوة وقام بتخريبها حتى صارت كأمس الغابر كما عبر المؤرخ ابن عذارى. ولم يعد لها بعد ذلك أثر يذكر، حتى جاء الفرنسيين عندما احتلوا تونس، فأحيوها من جديد في صورة ضاحية لمدينة تونس الحالية، وعرفت باسمها الفرنسي، وهو قرطاج وقد أصبحت الآن جزءا من مدينة تونس.[103]

الخلافة


بويع عبد الملك بن مروان بالخلافة في اليوم الذي توفي فيه والده في دمشق عام 65 هـ. بايع بنو أمية ابن مروان بالخلافة، لكن الوضع كان مختلفًا مع العلماء، فقد بايع بعض العلماء ابن مروان في الشام، وكانوا قلة لا يعدون شيئًا وكان هناك العلماء الذين بايعوا عبد الله بن الزبير، أو الذين اعتزلوا حتى تجتمع الأمة على خليفة. اختلف العلماء اختلافًا كبيرًا حول عبد الملك، فهناك من خرج عليه مثل عبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير، وهناك من ابتعد عنه والتزم بالبيعة كالحسن البصري، وهناك من كان قريبًا منه ناصحًا له كقبيصة بن ذؤيب. في بداية ولاية عبد الملك كان العالم الإسلامي منقسم بين أربع جماعات: فئة الأمويين الذين يسيطرون على الشام ومصر، وعبد الله بن الزبير الذي كان يسيطر على الحجاز والعراق، والحركة العلوية في العراق بقيادة المختار بن أبي عبيد الثقفي، وجماعة الخوارج. وأكبر ما يوضح هذا الانقسام في العالم الإسلامي أنه في موسم حج عام 68 هـ ارتفعت أربعة ألوية: لواء عبد الملك بن مروان، ولواء محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية، ولواء نجدة بن عامر زعيم خوارج اليمامة، ولواء ابن الزبير.

سيرته قبل الخلافة


تخطيط اسم عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي الخامس
كان أول حادث سياسي شهده عبد الملك هو حادث مقتل عثمان بن عفان، وكان عمره حينها عشر سنوات. وكان أول منصب إداري تولاه في الدولة في عهد معاوية بن أبي سفيان، فقد عينه عاملًا على هجر، ثم تولى ديوان المدينة بعد وفاة زيد بن ثابت، وشارك في الجهاد على رأس حملة إلى أرض الروم سنة 42 هـ، وكان ضمن الجيش الذي غزا أفريقيا مع معاوية بن حديج، وكلفه بفتح جلولا في الشمال الإفريقي. في عهد يزيد بن معاوية كانت علاقته بالزبيريين تسير بشكل جيد، فكان يقول عن ابن الزبير: ما على الأرض اليوم خيرًا منه، وكانت علاقته بمصعب بن الزبير حسنة. بعد وفاة يزيد استلم سدة الحكم ابنه معاوية بن يزيد، الذي لم تدم فترة حكمه قبل موته عدة أشهر على قول، وأربعين يومًا على قولٍ آخر، في هذه الفترة بدأت الحركات المناوئة للأمويين تظهر على السطح، وبدأ الانقسام في العالم الإسلامي يستشري؛ ففي العراق ظهرت ثورة التوابين المطالبة بدم الحسين بن علي، وفي الحجاز أعلن عبد الله بن الزبير استقلاله بالخلافة عن تبعية بني أمية. كانت هذه الأحداث وتسارعها محركًا لاجتماع بني أمية في دمشق، بعد أن أحسوا أنهم أسرى القوى القبلية المتنافسة والمتصارعة سياسيًا وعسكريًا، فالحزب اليمني بقبيلته كلب النافذة في البلاط الأموي بزعامة حسان بن مالك الكلبي كانت متشددة بالحفاظ على امتيازاتها في ظل الدولة الأموية، وخشيت من انتقال الخلافة إلى الحجازيين. أما الحزب القيسي فقد كان مستاءً من محاربة يزيد لأهل المدينة، وقد وصل زعيمها الضحاك بن قيس الفهري إلى مكانة منحته الأحداث السياسية بعد وفاة معاوية الثاني مركزًا متقدمًا من خلال منصبه كأمير بلاد الشام حيث أتيحت له الفرصة أن يملأ الفراغ بصورة غير رسمية، كما وجد القيسيون في دعوة ابن الزبير فرصة تمكنهم من التغلب على الكلبيين وانتزاع القوة من أيديهم، وتفرقت كلمة الأمويين وتنافسوا على منصب الخلافة، فتوزعت آراؤهم بين ثلاثة مرشحين: فقد أيد حسان بن مالك خالد بن يزيد بن معاوية، ومال بعض القادة إلى مروان بن الحكم، وساند فريق ثالث عمرو بن سعيد. اتفق بني أمية على عقد مؤتمر في الجابية، ترأسه حسان بن مالك، ليتداولوا فيمن يولونه الخلافة، وكان مروان ابن الحكم الأوفر حظًا لشيخوخته وكبره وعظم تجربته. انتهى المؤتمر لمصلحة ابن الحكم حيث اختير بإجماع الحاضرين، وخرج الكلبيون ممن أيدوا خالد بن يزيد بترضية حيث اختير مرشحهم وليًا للعهد، على أن تكون الخلافة من بعده لعمرو بن سعيد. بذلك انتقل الملك والخلافة في البيت الأموي من الفرع السفياني إلى الفرع المرواني. استاء الضحاك بن قيس من خروج الأمر من يد ابن الزبير، فغادر دمشق إلى مرج راهط، وعسكر هناك وانضم إليه النعمان بن بشير والي حمص وزفر بن الحارث الكلابي أمير قنسرين. خرج مروان بن الحكم ومعه بني أميه وأنصاره لقتال القيسيين، وجرت بين الطرفين مفاوضات لتسوية الموقف، وعقد صلح بين الطرفين استمر عشرين يومًا، لكنه انهار لما وصلت أنباء استيلاء المروانيين على دمشق وإخراج عامل الضحاك منها وإعلان خلافة مروان بن الحكم فيها. في شهر ذي القعدة عام 64 هـ الموافق 684م التقى الجمعان في مرج راهط، وانتهت المعركة بهزيمة القيسيين وقتل زعيمهم الضحاك، وهروب زفر بن الحارث الكلابي بعد المعركة إلى قرقيساء وتحصن بها، فلما جاءت خيول بني أمية فر منها إلى العراق، واستتب الأمر لمروان في الشام وفلسطين. أما عن دور عبد الملك السياسي في عهد والده مروان بن الحكم، فقد تولى إمارة فلسطين، ولكنه كان يبعث نائبًا عنه وهو روح بن زنباع وذلك حتى يبقى في دمشق قريبًا من إدارة الدولة ولمساعدة والده هناك، حيث كانت الدولة في الفترة التي تولى فيها والده الحكم محاطة بالأعداء والخصوم من الداخل والخارج، ثم تولى إمارة دمشق عند ذهاب والده لفتح مصر. في شهر رمضان من عام 65 هـ توفي مروان بن الحكم ولم يحقق هدفه بإعادة الحجاز والعراق إلى الحكم الأموي، وكان ابن مروان قد عهد بالخلافة لابنيه عبد الملك وعبد العزيز بعد أن أقنع الكلبيين ممن ساندوا خالد بن يزيد بعدم قدرته على التصدي لابن الزبير، واعتبر ما تم في مؤتمر الجابية من العهد لخالد بن يزيد ومن بعد لعمرو بن سعيد ضرورة، وقد زالت الضرورة الآن.

أسرته


تزوج عبد الملك كلا من: ولادة بنت العباس بن جزء العبسي. فولدت له الوليد وسليمان ومروان الأكبر.
عاتكة بنت يزيد. فولدت له يزيد ومروان ومعاوية وأم كلثوم.
أم هشام بنت هشام بن إسماعيل. فولدت له هشام
عائشة بنت موسى بن طلحة. فولدت له أبوبكر واسمه بكار.
أم أيوب بنت عمرو بن عثمان. فولدت له الحكم.
ام المغيرة بنت المغيرة بن خالد المخزومي. فولدت له فاطمة.
شقراء بنت سلمة بن حليس الطائي.
ابنة لعلي بن أبي طالب.
أم أبيها بنت عبد الله بن جعفر.
وله أولاد من أمهات أولاد(1) وهم: عبد الله ومسلمة والمنذر وعنبسة ومحمد وسعيد الخير والحجاج.

شرح مبسط


يزيد، مروان، معاوية، أم كلثوم (عاتكة)
بكَّار (عائشة)
الحكم (أم أيوب)
فاطمة (أم المغيرة)
هشام (أم هشام)
شاركنا رأيك

 
التعليقات

لم يعلق احد حتى الآن .. كن اول من يعلق بالضغط هنا

أقسام شبكة بحوث وتقارير ومعلومات عملت لخدمة الزائر ليسهل عليه تصفح الموقع بسلاسة وأخذ المعلومات تصفح هذا الموضوع [ تعرٌف على ] عبد الملك بن مروان # اخر تحديث اليوم 2024-04-27 ويمكنك مراسلتنا في حال الملاحظات او التعديل او الإضافة او طلب حذف الموضوع ...آخر تعديل اليوم 10/11/2023


اعلانات العرب الآن