شبكة بحوث وتقارير ومعلومات
تجربة هيدر2
اليوم: الجمعة 29 مارس 2024 , الساعة: 2:01 ص


اخر المشاهدات
الأكثر قراءة
اعلانات

مرحبا بكم في شبكة بحوث وتقارير ومعلومات


عزيزي زائر شبكة بحوث وتقارير ومعلومات.. تم إعداد وإختيار هذا الموضوع الشعر الأندلسي في الغزل # اخر تحديث اليوم 2024-03-29 فإن كان لديك ملاحظة او توجيه يمكنك مراسلتنا من خلال الخيارات الموجودة بالموضوع.. وكذلك يمكنك زيارة القسم , وهنا نبذه عنها وتصفح المواضيع المتنوعه... آخر تحديث للمعلومات بتاريخ اليوم 23/10/2023

اعلانات

الشعر الأندلسي في الغزل # اخر تحديث اليوم 2024-03-29

آخر تحديث منذ 5 شهر و 7 يوم
1 مشاهدة

الغزل الأندلسي


كيف ظهر الغزل في الأندلس؟

لقد كان المجتمع الأندلسي مزيجًا كبيرًا من الناس، فقد ضمّ العرب والعجم تحت لوائه، وكانت اللغة الرئيسة للجميع هي اللّغة العربيّة، وقد تمتّعتْ الأندلس بانتشار مجالس الغناء والغنى والتّرف، ومجرّد نظرة إلى طبيعة الأندلس ستظهرُ أنّها كانت طبيعة جميلة معتدلة، وهذا ما طبع الشّعر الأندلسي عامةً بذكر الطّبيعة والاستعانة بها في الوصف وفي ذكر الغرض المراد، وكذلك قد أسهم في سيطرة الجمال على عقول الشّعراء وقلوبهم، ممّا أدى إلى انطباع أشعارهم بهذه السّمة.


أمّا الغزل فقد كان له ذكرٌ واضحٌ في الشّعر الأندلسي؛ إذ إنّ الشّاعر الأندلسي قد خصّص حيزًا كبيرًا من شعره في ذكر محبوبته، ومن أوضح الأمثلة التي جاءت في الغزل ما كان بين ولّادة وابن زيدون، فيُذكر أنّها كتبت لابن زيدون:
ترقّبْ إذا جنَّ الظّلامُ زيارتي

فإنّي رأيتُ الليلَ أكتمَ للسرِ
وبي منكَ ما لو كانَ بالبدرِ ما بدا

وباللّيل ما أدجى وبالنجم لم يسرِ

في حين عندما ينتظر ابن زيدون لقاء المحبوبة يقول:
أَبرَزَ الجيدَ في غَلائِلَ بيضٍ

وَجَلا الخَدَّ في مَجاسِدَ حُمرِ
وَتَثَنَّت بِعِطفِهِ إِذ تَهادى

خَطرَةٌ تَمزُجُ الدَلالَ بِكِبرِ
زارَني بَعدَ هَجعَةٍ وَالثُرَيّا

راحَةٌ تَقدِرُ الظَلامَ بِشِبرِ
فَرَشَفتُ الرُضابَ أَعذَبَ رَشفٍ

وَهَصرتُ القَضيبَ أَلطَفَ هَصرِ
يا لَها لَيلَةً تَجَلّى دُجاها

مِن سَنا وَجنَتَيهِ عَن ضَوءِ فَجرِ

يمكن أن يُعدّ الغزل الغرض الأشهر الذي عمد إليه الشّعراء، فيُرى الشّاعر مترددًا بين الوصل والهجر، والحب والصّد، فتتراوح مشاعره بين حزنٍ وفرحٍ وخوف وما إلى ذلك من اضطرابات، ولمّا كان الشّعر يعبّر به عن نفسه، ويسرد به أسرارها فقد لجأ إليه الشّاعر معبرًا عن تلك المشاعر العظيمة، ومن ذلك ما جاء في قول الحكم الربضي في جوار له كُنّ قد هجرنه:
قُضُبُ من البانِ ماسَتْ فوقَ كُثبانِ

أعرضْنَ عنّي وقد أزمعْنَ هجراني
مَلَكْنَني مِلْكَ من ذلّت عزائمه

للحبّ ذُلّ أسيرٍ موثقٍ عانِ

أيضًا قد ظهر لونٌ جديدٌ من ألوان الغزل وهو غزل الشاعرات الأندلسيات، فاشتهرتْ مجموعة من الشّاعرات بالشّعر عامةً وبالغزل على وجه الخصوص، فقد عُني المجتمع الأندلسي بتعليم المرأة وتثقيفها مما جعلها تبرع في الأدب والشّعر، وممّن برع في هذا اللّون من الشّعر الأميرة والشاعرة المشهورة ولّادة بنت الخليفة المستكفي حبيبة الشاعر ابن زيدون.

كان لشعر الغزل العذري في الأدب الأندلسي حضور ومكان وإن لم يكن ذلك معروفًا ومشهورًا، ومن شعراء الغزل العذري في الأدب الأندلسي الشاعر والفارس والقائد سعيد بن سليمان بن جودي الذي قد أحبّ جارية سمعها تغني في حضرة أحد الأمراء، فممّا قاله فيها:
سَمعي أَبى أَن يَكونَ الرّوحُ في بَدَني

فَاعتاضَ قَلبي مِنهُ لَوعَةَ الحزَنِ
أعـطيت جيجانَ روحي عَـن تَذَكُّرِها

هَـذا وَلَم أَرَها يَومًا وَلَم تَرَني
فَقُل لِجيجانَ يا سولي وَيا أَمَلي

استَوصي خَيرًا بِروحٍ زالَ عَن بَدَنِ
كَأَنَّني وَاسمُها وَالدَّمعُ مُنسَكِبٌ

مِن مُقلَتي راهِبٌ صَلّى إِلى وَثَنِ

الشّعر الأندلسي في وصف المرأة


كيف تجلّت صورة المرأة في أشعار الأندلسيين؟

لقد استطاع الأندلسيون أن يتحرّروا إلى حدٍّ بعيدٍ من الصّورة التقليديّة في الغزل، وقد كان لاختلاف العصر وسماته الخاصّة به دورٌ واضحٌ في هذا التّغيير، فقد وجد الشاعر الأندلسي نفسه في بيئة جميلة، تتمتّع بطبيعة خلّابة، فكان لا بدّ من أن يصطبغ شعره بتلك الصبغة الجمالية، وكان قد أحاط به واقعٌ اجتماعي وحضاري جديد بما يحمله من تحرّر وانفتاح كان له أثره في الشّعر والشّاعر معًا.

لقد تحرّر الشّعراء الأندلسيون من الطّريقة التّقليديّة في الغزل، ونهجوا نهجًا جديدًا، فلم تعدْ المعاني الغزليّة تقوم على شفاهٍ كالعسل، وخدودٍ كالورد، وأسنانٍ كاللؤلؤ، وشعرٍ كاللّيل، فقد هجر الشّاعر الأندلسي هذه المعاني التّقليديّة إلى معانٍ جديدة، وقد استمدّ الشّاعر معاني الغزل في الشّعر الأندلسي من طبيعة بلادهم الجميلة، فاستعانوا بها في إبراز جمال محبوباتهم، كما استخدموا أيضًا جمال المحبوبة للتّعبير عن جمال الطّبيعة، ومن ذلك قول المتلمّس في وصفه للطّير:
ألا ربّما سلّيتُ نفسي فردّها

إلى الذكر ورقٌ في الغصونِ شوادِ
يرجعنَ تحنينَ الرنين كأنّما

لهنّ كود قُطّعت بكبادِ
ويبرزنَ في زيّ الثكالى كأنّما

عليهن من وجدٍ ثيابُ حِدادِ

قد تنوّعتْ الأغراض التي تناولها الشّعراء الأندلسيّون، ومن تلك الأغراض ما كان قد عني بوصف المرأة وذكرها، ابتداءً من المرأة الأم التي تكون سببًا في استمرار البشريّة وبقائها، وانتهاءً بالمحبوبة التي يعيش الشّاعر بسببها أعذب المشاعر وأرقّها؛ فقد كان للمرأة قيمة عالية عند الشّاعر الأندلسي، وقد تعدّد ذكر المرأة في الأشعار الأندلسية وتنوّع، فذكر الشّاعر الأم والابنة والزوجة وصولًا إلى المحبوبة، فمثلًا ابن حمديس يصف أمّه معتمدًا على آيِ القرآن الكريم فيقول:
لو بكى ناظري بِصَوْبِ دماءٍ

ما وَفَى الأسى بحسرةِ أُمَّي
مَنْ تَوَسّدْتُ في حشايا حشاها

وارتدى اللحمَ فيه والجلدَ عظمي
وضعتْني كَرْهًا كما حملتني

وجرى ثديُها بشربي وَطُعمي
شرَحَ الله صَدرَها لي فأشْهَى

ما إليها إحصانُ جسمي وضمّي

يشير في البيت قبل الأخير إلى قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} ، وكذلك ثمّة أبيات تصوّر زوجة المعتمد بن عباد الثكلى على ابنيها هي وبناتها يصوّرهنّ المعتمد في قوله:
معي الأخواتُ الهالكاتُ عليكُما

وأمكما الثكلى المضرّمة الصدرِ
تبكي بدمعٍ ليس للغيثِ مثله

وتزجرها التقوى فتُصغي إلى الزجرِ
تذلّلها الذكرى فتفزع للبُكا

وتصبر في الأحيانِ شحًّا على الأجرِ
أبا خالدٍ أورثتني البثّ خالدًا

أبا النصرِ مذ ودعتَ ودّعني نصري
وقبلكما ما أودع القلب حسرةً

تجدد طول الدهر: ثكل أبي عمرِو

قد يستعين الشّاعر للتّعبير عن جمال المرأة بالاستهانة بتفاصيل الطّبيعة، فتجده يشبّه عينيها بالغزالة أو النرجس، وطلّتها بالشمس المشرقة، ورضابها بالعسل المصفّى، وشفاهها بالثّمار اليانعة، وخدودها بالورود أو بالخمر المتوقّد، وما إلى ذلك من أوصاف تتّصل بالطّبيعة، وممّا جاء في استعانة الشّعراء بمعاني الطّبيعة في وصف المرأة قول ابن الزقاق:
تضوّعْنَ أنفاسًا وأشرقْنَ أوجُهًا

فهنَّ منيراتُ الصّباح بواسمُ
لئن كُنَّ زُهْرًا فالجوانحُ أبرجُ

وإنْ كُنَّ زهرًا فالقلوبُ كمائمُ

قد شبّه الشّعراء أيضًا وجه المرأة بالقمر، ومن ذلك قول يوسف بن هارون:
يكادُ وجهُ الّذي يراهُ

يُكسى بياضًا من الضّياءِ
كأنّهُ فيكَ بدرُ تمٍّ

يَقطعُ في رزْقةِ السّماء

ممّا جاء أيضًا في وصف المرأة قول ابن حمديس:
فالقوامُ الغُصْنُ والرِّدفُ النَّقَا

والأقاحُ الثَّغرُ والطّلُّ الرُّضابْ

وقد يجمع الشّاعر في غزله بين الخمرة والمرأة والطّبيعة، وهذا ما جاء في قول ابن عبد ربه:
اشربْ على منْظَرِ أنيقِ

وامزُجْ بريقِ الحبيبِ ريقي

لقد كانت المرأة في العهد الأندلسي موازية للرجل، تتمتّع بما يتمتّع به، ويُسمح لها بكل ما يسمح للرجل به، فقد كانت تشارك الرجال في كلّ صغيرةٍ وكبيرة، ومن هنا بالغ الأندلسيون بذكر المرأة في أشعارهم فنجد من جعلها ترفع شأن المرء معها وتضعه، ومن ذلك ما جاء في مقطوعة من شعر الغزل عند ابن زيدون؛ إذ يقول مخاطبًا ولّادة:
أرْخصْتِنِي من بَعدِ ما أغْلَيْتِني

وحَطَطْتِني ولطالما أعْلَيْتِني
كُنْتِ المُنى فأذقْتِني غُصَصَ الأذى

يا لَيْتَنِي ما فُهْتُ فيكِ بِلَيْتَني

لم يفرّق الأندلسون في أشعارهم بين المرأة الحرّة والمرأة الجارية، فقد منحوا المرأة حقّها في الغزل والحب والتكريم والعشق دون النظر إلى هذه الأمور، وهنا تتجلّى النظرة الإنسانيّة التي كانت سائدة في ذلك العصر وتذوب مظاهر الرق والعبودية، فقد عمد الشّعراء إلى الغزل بالجواري حيث كان لهنّ دورٌ كبير في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية في الأندلس، ومن ذلك ما جاء في قول ابن حزم يصف جاريته حيث يقول:
خريدةٌ صاغَها الرحمنُ من نورِ

جلَّتْ ملاحتُها عن كلّ تقدير
لو جاءني عَملي في حُسن صورتها

يومَ الحسابِ ويومَ النفخ في الصّورِ
لكنتُ أحضى عباد الله كلّهم

بالجنّتينِ وقُرب الخُرّدِ الحورِ

تكرّر في أشعارهم ما كان في العصور السابقة من الجرأة في ممارسة الحب والاعتراف به والتّعبير عنه دون الخوف من الأعراف والتّقاليد أو القيود الدّينيّة والخلقيّة، وقد تجلّى ذلك واضحًا عند حفصة الركونية مع أبي جعفر بن سعيد، وقد كان بعض الشّعراء قد لجؤوا إلى الغزل العفيف وجعلوه منهجًا لهم، فكان امتدادًا لما عرف من الغزل العذري في العصور السّابقة، حيث يتغنّى به الشّاعر بالمكارم التي تتمتّع بها محبوبته فيصفها وصفًا معنويًا لا وصفًا مادّيًا، ويظهر معاناته وتذلّله لذلك الحب، ومن ذلك ما جاء في ذكر حياء المحبوبة وعفّتها في قول ابن حمديس:
وغَيْداءَ لا تَرْضى بِلَثْمي خدَّها

إذا لَمْ أُلاطفُ عِزَّها بتذلّلِ
لها حُمْرَةُ الياقوتِ في خدِّ مُخجَلٍ

وقسْوَتُهُ مِنْها بِقَلبٍ مُدَلَّلِ

وقد نهج فريقٌ آخر من الشّعراء نهج التّهتّك والانحلال والغزل المادي، وقد بالغ بعضهم في ذلك الغزل حتّى وصلوا حد الفحش، فقد كانت المرأة التي صوّروها جريئة عابثة، طالبة لا مطلوبة تعطي محبوبها ما يريد بسخاء دون ورعٍ أو خجل، وأيضًا فقد عمد الشّعراء إلى تشخيص المعنويّات لإضفاء الحركة لها، ومن ذلك ما جاء عند ابن عبد ربه إذ يقول:

رشا سجدَ الجمالُ لوجنتيهِ

كما سجدَ النصار للصّليبِ
عليهِ من محاسنِهِ شهود

تؤدّيها العيونُ إلى القلوبِ
فممّا سبق يظهر أنّ الشّاعر الأندلسي قد نظر إلى المرأة نظرةً جديدة خاصّة فرضتْها عليه الحياة الجديدة وما سيطر عليها من جمال، فالشّاعر الأندلسي كان عاشقًا للجمال لا للمرأة.

خصائص الشعر الأندلسي في الغزل


كيف ابتدع الأندلسيّون قصائدهم الغزليّة الخاصة بهم؟

تعدّدت خصائص الشعر في ذاك العصر، منها ما يأتي:


التحرر من المعاني البدوية القديمة
لقد كانت معاني الشّعر الأندلسي تتماشى مع البيئة المتحضّرة التي سادت في العصر الأندلسي وكذلك مع مظاهر التّرف والغنى التي عاشها المسلمون في ديار الأندلس، ولكن مع ذلك فإنّ هذه السّمة -أي التحرر من المعاني البدوية- لم تشمل جميع أشعار الغزل الأندلسي فبعضها قد لجأ إلى المعاني البدويّة في التّعبير عن حبّه، يقول ابن زيدون:
سرى ينافحهُ نيلوفرٌ عبقٌ

وسنانُ نبّهَ منهُ الصبحث أحداقا
لو شاء حملي نسيمُ الصبحِ حينَ سرى

وافاكمُ بفتًى أضناهُ ما لاقى

رقة الألفاظ وخفة التراكيب والأوزان
إنّ شعر الغزل عادة يكون أرقّ من باقي الأغراض الشعرية الأخرى المعروفة عند العرب؛ فكان الشاعر ينتقي ألفاظه بعناية إذا ما أراد أن يقول غزلًا، فكيف بمن نشأ في بيئة رقيقة تحفّها الجنان والرياض من جوانبها كافّة، فجاء شعر الغزل في الأندلس رقيقًا رقّة نسيم جيّان، صافيًا كفاء مياه غرناطة وبنابيعها، ومن ذلك ما قاله ابن عبد ربّه يصف قلبه الذي بات أسيرًا للحبّ فيقول:
قيّدهُ الحبُّ كما

قيّدَ راعٍ جملا

تشخيص الظواهر الطبيعية
إنّ أنسنة الطبيعة -أي خلع صفات الإنسان وتصرّفاته عليها- هي عادة أثيرة في الشعر العربي وإن كان الأندلسيّون قد أجادوا فيها أيّما إجادة، ولكنّها امتداد لرحلة قديمة في الشعر العربي لم تقف عند الاندلسيّين، فلم يعد الشّاعر يتعامل مع الطبيعة كونها جمادات، بل بثّ فيها الحياة والحركة وصوّرها تصويرًا حيًّا ودقيقًا، ومن ذلك قول ابن سهل الإشبيلي:
الأرضُ قد لبسَت رداءً أخضرَا

والطلّ ينثرُ في رباها جوهرا
وكأنّ سوسَنها يصافحُ وردها

ثغرٌ يُقبّلُ منه خدًّا أحمرا

تصوير الطبيعة ومفاتنها
كان ذلك بما يخدم معاني الغزل التي تتّصف بها المحبوبة، فكان تارة يصوّر الطبيعة على أنّها تشبه المحبوبة بمفاتنها ومحاسنها، وتارة يصف مفاتن المحبوبة ومحاسنها مستعينًا بالطبيعة من أشجار وأزاهير وطيور وحيوانات وحشيّة أو أهليّة، كأن يشبّه عيون المحبوبة بالمها، وهي البقرة الوحشيّة، أو أن يشبّه قدّ المحبوبة بالشجرة فارعة الطول معتدلة الحجم، ومن ذلك قول ابن خفاجة:
وَصَقيلَةِ الأَنوارِ تَلوي عِطفَها

ريحٌ تَلُفُّ فُروعُها مِعطارُ
عاطى بِها الصَهباءَ أَحوى أَحوَرٌ

سَحّابُ أَذيالِ السُرى سَحّارُ
وَالنورُ عِقدٌ وَالغُصونُ سَوالِفٌ

وَالجِذعُ زَندٌ وَالخَليجُ سِوارُ

النزوع نحو الغزل العذري
لقد كان الشعر الأندلسي في الغزل يستمد معانيه من الثقافة الجديدة التي صار إليها بعد أن صار ابنًا لبيئة جديدة مختلفة عن بيئة المشرق، فكانت حياة اللهو غالبة على الأندلسيين، فكان غزلهم يميل إلى مذهب عمر بن أبي ربيعة ومن جاء بعده، ولكن ظهر لونٌ جديد عند بعض الشعراء جعل هذا التوجه يظهر في أشعارهم، وذلك من خلال التغزّل بمحبوبة واحدة وذكرها في أشعارهم، وذلك مثل ابن زيدون الذي كانتْ جلّ أشعاره في الغزل لمحبوبته ولّادة، ومنهم أيضًا ابن الحداد والمعتمد بن عباد وأبو جعفر بن سعيد، ومن شعر ابن حداد في نويرة قوله:

لعلّكَ بالوادي المقدّسِ شاطئٌ

فكالعنبر الهندي ما أنا واطئ
وإنّي في ريّاكَ واجدُ ريحِهم

فروحُ الهوى بين الجوانحِ ناشئُ
ولي في السّرى من نارهم ومنارهم

هداةٌ حداةٌ والنجومُ طوافئ

ومن ذلك الغزل ما يكتفي الشّاعر فيه بالأمور المعنوية عن وصل المحبوبة، وذلك كقول ابن حزم:
فَإِنْ تَنْأَ عنِّي بِالوِصَالِ فَإِنَّنِي

سَأَرْضَى بِلَحْظِ العَيْنِ إِنْ لَمْ يَكُنْ وَصْلُ
فَحَسْبِيَ أَنْ أَلْقَاكَ فِي اليَوْمِ مَرَّةً

وَمَا كُنْتُ أَرْضَى ضِعْفَ ذَا مِنْكَ لِي قَبْلُ
كَذَا هِمَّةُ الوَالِي تَكُونُ رَفِيعَةً

وَيَرْضَى خَلَاصَ النَّفْسِ إِنْ وَقَعَ العَزْلُ

وفي مقطوعة أخرى -ذكرها في كتابه طوق الحمامة- يرى ابن حزم أنّ وصل الروح ألطف من وصل الجسد فيقول:
فَرُوحِي إِنْ أَنَمْ بِكِ ذُو انْفِرَادٍ

مِنَ الأَعْضَاءِ مُسْتَتِرٌ وَمَخْفِي
وَوَصْلُ الرُّوحِ أَلْطَفُ فِيكِ وَقْعًا

مِنَ الجِسْمِ المُوَاصِلِ أَلْفَ ضِعْف

طغيان الوصف المادي للمحبوبة على الوصف الخلقي
لم يعد الشّاعر يُعنى كثيرًا بصفات المرأة من حياء وخلقٍ حسنٍ وغير ذلك، بل عمد إلى وصف محاسنها ومفاتنها، فصار الأندلسيّ يتغزّل بمفاتن المحبوبة الملموسة أكثر من غيرها من الصفات المعنوية، كوصفه للشفاه والفم والعيون والقدّ الممشوق المتثنّي بغنجٍ ونعومة والنهد البارز الممتلئ ونحو ذلك من مفات المرأة الملموسة، فيصوّر الشاعر نفسه وقد فاز من محبوبته بالوصال، وممّا جاء في هذا الوصف -الذي كان يصل أحيانًا إلى درجة التّهتّك- قول ابن زيدون:
فرشَفْتُ الرُّضَابَ أَعْذَبَ رَشْفٍ

وهَصَرْتُ القَضِيْبَ ألطَفَ هَصْرِ
ونَعِمْنا بِلَفِّ جِسْمٍ بِجِسْمٍ

للتّصافي وقرَعِ ثغرٍ بثغرِ

ومن هذا الشعر أيضًا ما جاء في تذكّر المحبوبة وتمنّي وصالها قول ابن حمديس:
وطيبةُ الأنفاسِ تحسَبُ وَصْلَها

ومن واصلتْهُ جنَّةَ المتنعّمِ

وأيضًا في قول ابن العطار:
رقَّتْ محاسِنُها ورقَّ نعيمُها

فكأنّما ماء الحياةِ أديمُها

قصائد من الغزل الأندلسي


ما أبرز المقطوعات التي عزفها شعراء الأندلس في الغزل؟

قصيدة: لمّا أبى الواشون لحمدونة بنت زياد المُؤدب:
ولمّا أبى الواشون إلّا فراقَنا

وما لَهُمُ عندي وعندكَ من ثأرِ
وشنُّوا على أسماعنا كلّ غارةٍ

وقلّ حُماتي عندَ ذاكَ وأنصَاري
غَزَوْتَهُم من مُقْلَتَيْكَ وأدمُعي

ومن نفسي بالسّيف السّيل والنار

قصيدة: ألا هلْ لنا بعدَ هذا التّفرّقِ لولادة بنت المستكفي:
ألا هلْ لنا بعدَ هذا التّفرّقِ

سبيلٌ فيشكو كلُّ صبٍ بما لقي
وقد كنتُ أوقاتَ التّزاور في الشّتا

أبيتُ على جمرٍ من الشّوقِ محرقِ
فكيفَ وقدْ أمسيتُ في حالِ قطعةٍ

بقدْ عجّل المقدورُ ما كنتُ أتّقي
سقى الله أرضًا قد غدتْ لكَ منزلًا

بكلّ سكوب هاطل الوبل مغدقِ

قصيدة: إنّي ذكرْتُكِ بالزّهراءِ للشاعر الوزير ابن زيدون:
إنّي ذكرْتُكِ بالزّهراءِ مُشتَاقًا

والأفقُ طلْقٌ ومَرْأى الأرضِ قد راقا
وللنَسيمِ اعتلالٌ في أصائِلِهِ

كأنّهُ رقَّ لي فاعتلَّ إشفاقا
يومٌ كأيّامِ لذاتٍ لنا انصرَمَتْ

بتْنا لها حينَ نامَ الدّهرُ سُرّاقا
نلهو بما يستميلَ العينَ من زهرٍ

جالَ الندى فيهِ حتّى مالَ أعناقا
كأنّ أعينَهُ إذا عاينَتْ أرقي

بكتْ لما بي فَجالَ الدَمعُ رَقراقا

قصيدة: يا صفوتي من البشر للشاعر الملك المعتمد بن عبّاد:
يا صَفوتي من البشرِ

يا كوكبًا بل يا قمرْ
أيا غُصنًا إذا مشى

يا رَشأ إذا نظرْ
يا نَفسَ الرَوضة قدْ

هَبَّتْ لها ريحُ سَحَرْ
يا رَبَةَ اللّحظِ الّذي

شدّ وثاقًا إذا فتَرْ
متى أداوي يا فَدا

كِ السّمعُ منّي والبصرْ
ما بفُؤادي من جوًى

بما بفيكِ من خصَرْ

قصيدة: لمّا التقينا وقد قيلَ المساءُ دنا لأحمد بن عبد الله المعروف بالأعمى التطيلي:
لمّا التقينا وقد قيلَ المساءُ دنا

وغابتْ الشّمسُ أو لاذَتْ ولم تغبِ
وأضلعي بينَ منقضٍ ومنقصفٍ

وأدمعي بينَ منهلٍ ومنسكبِ
وأمّلتني أمُّ المجدِ قائلةً

بمن أراكَ أسيرَ الوجدِ والطربِ؟
فقلتُ قلبي مسبيّ وإنّك لو

كتمتِ سرّي لم أكتمك كيف سُبِي

لقراءة المزيد، انظر هنا: شعر أندلسي عن الحب.

شعراء الغزل الأندلسي


من هم أبرز الذين قد خلّدوا اسمهم في دفاتر الغزل الأندلسي؟

لقد أنشد كثيرٌ من شعراء الأندلس في شعر الغزل، فكما سبق فإنّ الأندلس قد تمتّعتْ بطبيعة حسنة وجميلة جعلتْ شعراءها مرهفي الحسِّ تمتلئ صدورهم بمشاعر الحب، ومن أشهر الشّعراء الّذين تناولوا هذا الغرض:


حمدونة الأندلسيّة
هي حمدونة بنت زياد بن تقي العوفي، لم يذكروا لها تاريخ ولادة أو وفاة، ولكنّهم يقدّرون وفاتها بنحو عام 600 للهجرة ، وقد عاشت في القرن الثاني عشر في عصر ملوك الطوائف، وهي من بلدة وادي آش، وهي ابنة لأسرة مثقّفة، لُقّبتْ بخنساء العرب لأنّها قالتْ شعرًا في الرثاء فأجادتْ به، وقد اشتهرتْ بشعر الغزل.

ولّادة بنت المستكفي
هي ولّادة بنت المستكفي (1001م -1091م)، أميرة أندلسيّة وشاعرة عربيّة، عُرفت بالعهد الأموي للأندلس وهي من بيت الخلافة، عُرفت بالفصاحة والشّعر، وقد كان لها مجلسٌ مشهود في قرطبة يؤمّه الأعيان والشّعراء ليتحدّثوا في شؤون الشّعر والأدب بعد سقوط الخلافة الأموية في الأندلس، وقد اشتهرت بحبّها لابن زيدون، قالوا إنّها قد كتبت على ثوبها بالذهب:
أنا واللهِ أصلُح للمعالي

وأمشي مشيتي وأتيه تيها
أُمكّن عاشقي من صحن خدّي

وأُعطي قبلتي من يشتهيها

ابن زيدون
هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون المخزومي (1003م - 1071م)، وزيرٌ وشاعرٌ وكاتب أندلسي، ولد في قرطبة لأسرة من الفقهاء يعود نسبهم إلى بني مخزوم، عُرف بحبّه لولّادة بنت المستكفي، وكان والده فقيهًا من أعلام المذهب المالكي في الأندلس، فهيّأ ذلك لابن خلدون تنشئة علميّة واسعة تركت أثرها في شعره ونثره، وكان لاسمه منزلة رفيعة واستفاد من مكانة أسرته العالية في مجتمعه بالإضافة إلى شعره العذب في التأثير في مجتمعه كما فعل يوم تولى بنو جهور الحكم في قرطبة.

المعتمد بن عبّاد
هو أبو القاسم المعتمد على الله بن عبّاد (1040م - 1095م)، آخر ملوك بني عبّاد في الأندلس، كان ملكًا لإشبيلية في عصر ملوك الطّوائف، وقد لقّب أيضًا بالظّافر والمؤيّد، تولى الحكم وعمره 29 عامًا خلفًا لوالده المعتضد، وكان فارسًا جوادًا سخيًّا كريمًا، لم يلهه الملك عن قول الشعر، وكان يكرم الشعراء ويغدق عليهم حتى أرهق خزينة الدولة، وقد اشتهر بحبه للجارية اعتماد المعروفة بالرميكيةن وقد كان لها دور بالغ في توجيه شؤون الحكم آنذاك.

ابن عبد ربّه
هو أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربّه (860م - 940م)، شاعر أندلسي وصاحب كتاب العقد الفريد، نشأ في قرطبة وامتاز بسعة الاطّلاع في العلم والشّعر والرواية، كان يتكسّب من الشّعر بمدحه للأمراء، درس الفقه في الأندلس وقرأ كتب المشارقة واهتمّ بالكتابة في الشعر والنثر، كان في بداية حياته مائلًا للهو والعبث، ولكنه حينما كبر فإنّه قد تنسّك وزهد وصار يقول من الشعر الذي يدل على أن الدنيا فانية وزائلة وأنّ البشر ضيوف فيها ونحو ذلك.
شاركنا رأيك

 
التعليقات

لم يعلق احد حتى الآن .. كن اول من يعلق بالضغط هنا

أقسام شبكة بحوث وتقارير ومعلومات عملت لخدمة الزائر ليسهل عليه تصفح الموقع بسلاسة وأخذ المعلومات تصفح هذا الموضوع الشعر الأندلسي في الغزل # اخر تحديث اليوم 2024-03-29 ويمكنك مراسلتنا في حال الملاحظات او التعديل او الإضافة او طلب حذف الموضوع ...آخر تعديل اليوم 23/10/2023


اعلاناتتجربة فوتر 1