شبكة بحوث وتقارير ومعلومات
تجربة هيدر2
اليوم: الخميس 28 مارس 2024 , الساعة: 1:04 م


اخر المشاهدات
الأكثر قراءة
اعلانات

مرحبا بكم في شبكة بحوث وتقارير ومعلومات


عزيزي زائر شبكة بحوث وتقارير ومعلومات.. تم إعداد وإختيار هذا الموضوع [بحث] الجنة والنار - ملخصات وتقارير جاهزة للطباعة # اخر تحديث اليوم 2024-03-28 فإن كان لديك ملاحظة او توجيه يمكنك مراسلتنا من خلال الخيارات الموجودة بالموضوع.. وكذلك يمكنك زيارة القسم , وهنا نبذه عنها وتصفح المواضيع المتنوعه... آخر تحديث للمعلومات بتاريخ اليوم 24/03/2024

اعلانات

[بحث] الجنة والنار - ملخصات وتقارير جاهزة للطباعة # اخر تحديث اليوم 2024-03-28

آخر تحديث منذ 3 يوم و 15 ساعة
6 مشاهدة




































































































السلام عليكم ورحمة الله وبركاته








آسف على الطول و لكنة موضوع مهم








الجنة والنار








العقيدة في ضوء الكتاب والسنة

















الجنة والنار

















الدكتور عمر سليمان الأشقر



































الجنة تعريف وبيان

















الجنة هي الجزاء العظيم ، والثواب الجزيل، الذي أعده الله لأوليائه وأهل طاعته ،وهي نعيم كامل لا يشوبه نقص، ولا يعكر صفوه كدر، وما حدثنا الله به عنها، وما أخبرنا به الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحير العقل ويذهله ، لأن تصور عظمة ذلك النعيم يعجز العقل عن إدراكه واستيعابه.

















استمع إلى قوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ،ولا خطر على قلب بشر" ثم قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " اقرؤوا إن شئتم ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) [السجدة:17]". (1)

















وتظهر عظمة النعيم بمقارنته بمتاع الدنيا ، فإن متاع الدنيا بجانب نعيم الآخرة تافه حقير، لا يساوي شيئاً. ففي صحيح البخاري عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ". (2)

















ولذا كان دخول الجنة والنجاة من النار في حكم الله وتقديره هو الفلاح العظيم ، والفوز الكبير، والنجاة العظمى قال تعالى: ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) [ آل عمران:185]، وقال: ( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ) [ التوبة:72]، وقال أيضا : ( ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ) [ النساء:13].

















--------------------------------

















(1) رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة في كتاب: بدء الخلق ، باب: ما جاء في صفة النار. فتح الباري: (6/318).ورقم الحديث : 3244.

















(2) صحيح البخاري: 3250.

















الجنة والنار مخلوقتان

















(1/1)


























قال الطحاوي في العقيدة السلفية التي تنسب إليه المعروفة بالعقيدة الطحاوية : " والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبداً ولا تبيدان، فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلاً، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه، وكل يعمل لما قد فرغ له، وصائر إلى ما خلق له، والخير والشر مقدران على العباد ".

















وقال محمد بن محمد بن أبي العز الحنفي شارح الطحاوية في شرحه لهذا النص:

















" أما قوله : "إن الجنة والنار مخلوقتان"، فاتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ولم يزل أهل السنة على ذلك، حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية، فأنكرت ذلك، وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة. وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله، وأنه ينبغي أن يفعل كذا، ولا ينبغي له أن يفعل كذا. وقاسوه على خلقه في أفعالهم، فهم مشبهة في الأفعال، ودخل التجهم فيهم، فصاروا مع ذلك معطلة. وقالوا: خلق الجنة قبل الجزاء عبث، لأنها تصير معطلة مدداً متطاولة . فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب تعالى، وحرفوا النصوص عن مواضعها، وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم".

















ثم ساق الأدلة من الكتاب والسنة التي تدل على أنهما مخلوقتان، "فمن نصوص الكتاب: قوله تعالى عن الجنة : ) أعدت للمتقين ( [آل عمران: 133]، ) أعدت للذين ءامنوا بالله ورسله ( [الحديد: 21]، وعن النار ) أعدت للكافرين ) [ آل عمران : 131]، ( إن جهنم كانت مرصاداً * للطغين مئاباً ) [ النبأ: 21 – 22]. وقال تعالى: ( ولقد رءاه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى ) [ النجم: 13– 15] .

















(1/2)


























وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - سدرة المنتهي، ورأى عندها جنة المأوى. كما في "الصحيحين"، من حديث أنس رضي الله عنه، في قصة الإسراء، وفي آخره: " ثم انطلق بي جبرائيل، حتى أتى سدرة المنتهى، فغشيها ألوان لا أدري ما هي، قال : ثم دخلت الجنة، فإذا هي جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك ".

















وفي "الصحيحين" من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة ". (1)

















وحديث البراء بن عازب وفيه : " ينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي ، فأفرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة ، قال: فيأتيه من روحها وطيبها ".

















وفي "صحيح مسلم" ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكرت الحديث، وفيه: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم، حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفاً من الجنة حين رأيتموني جعلت أقدم. ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضاً حين رأيتموني تأخرت ". (2)

















وفي " الصحيحين " واللفظ للبخاري، عن عبد الله بن عباس، قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر الحديث ، وفيه : فقالوا : يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك ، ثم رأيناك كعكعت ؟ فقال: " أني رأيت الجنة، فتناولت عنقوداً ، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار، فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء " ، قالوا: بم ، يا رسول الله ؟ قال : "بكفرهن" قيل : يكفرن بالله ؟ قال: " يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت خيراً قط " . (3)

















(1/3)


























وفي "صحيح مسلم" من حديث عائشة السابق أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته بعد الصلاة: " لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ، ولضحكتم قليلاً ". (4)

















وفي "الموطأ والسنن" ، من حديث كعب بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنما نسمة المؤمن طيرٌ تعلق في شجر الجنة، حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة " . (5) وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة.

















وفي "صحيح مسلم والسنن والمسند" ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لما خلق الله الجنة والنار، أرسل جبرائيل إلى الجنة، فقال: اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فذهب فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، فرجع فقال: وعزتك، لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بالجنة، فحفت بالمكاره، فقال: ارجع فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها. قال: فنظر إليها، ثم رجع فقال :وعزتك، لقد خشيت أن لا يدخلها أحد .

















قال: ثم أرسله إلى النار، قال: اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فنظر إليها، فإذا هي يركب بعضها بعضاً ، ثم رجع فقال: وعزتك، لا يدخلها أحد سمع بها، فأمر بها فحفت بالشهوات، ثم قال: اذهب فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، فذهب فنظر إليها، فرجع فقال: وعزتك، لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها ". ونظائر ذلك في السنة كثيرة . (6)

















(1/4)


























وقد عقد البخاري في صحيحه باباً قال فيه : "باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (7) وساق في هذا الباب أحاديث كثيرة تدل على أن الجنة مخلوقة، منها الحديث الذي ينص على أن الله يُري الميت عندما يوضع في قبره مقعده من الجنة والنار، وحديث إطلاع الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الجنة والنار، وحديث رؤية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لقصر عمر بن الخطاب في الجنة، وغير ذلك من الأحاديث، وقد كان ابن حجر مصيباً عندما قال: " وأصرح مما ذكره البخاري في ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد قوي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لما خلق الله الجنة، قال لجبريل: اذهب فانظر إليها ". (8)

















شبهة من قال النار لم تخلق بعد :

















وقد ناقش شارح الطحاوية شبهة الذين قالوا : لم تخلق النار بعد ، ورد عليها فقال:

















"وأما شبهة من قال: إنها لم تخلق بعد، وهي: أنها لو كانت مخلوقة الآن لوجب اضطراراً أن تفنى يوم القيامة وأن يهلك كل من فيها ويموت، لقوله تعالى: ( كل شيء هالك إلا وجهه( [ القصص : 88] ، و ( كل نفس ذائقة الموت ) [ آل عمران:185]، وقد روى الترمذي في جامعه، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقيت إبراهيم ليلة أسري بي ، فقال : يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر " (9) . قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود. وفيه أيضاً من حديث أبي الزبير، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال: " من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة " (10) ، قال فيه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

















قالوا: فلو كانت مخلوقة مفروغاً منها لم تكن قيعاناً، ولم يكن لهذا الغراس معنى . قالوا: وكذا قوله تعالى عن امرأة فرعون أنها قالت:

















(1/5)


























( رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ) [ التحريم : 11].

















فالجواب : إنكم إن أردتم بقولكم إنها الآن معدومة بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور، فهذا باطل، يرده ما تقدم من الأدلة وأمثالها مما لم يذكر، وإن أردتم أنها لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها، وأنها لا يزال الله يُحدث فيها شيئاً يعد شيء ، وإذا دخلها المؤمنون أحدث فيها عند دخولهم أموراً أخر – فهذا حق لا يمكن رده، وأدلتكم هذه إنما تدل على هذا القدر.

















وأما احتجاجكم بقوله تعالى: ( كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88] ، فأتيتم من سوء فهمكم معنى الآية، واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن – نظير احتجاج إخوانكم على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما!! فلم توفقوا أنتم ولا إخوانكم لفهم معنى الآية، وإنما وفق لذلك أئمة الإسلام. فمن كلامهم : أن المراد ( كل شيء ) مما كتب الله عليه الفناء والهلاك ( هالك ) ، والجنة والنار خُلِقتا للبقاء لا للفناء، وكذلك العرش، فإنه سقف الجنة.

















وقيل : المراد إلا مُلْكَه. وقيل : إلا ما أريد به وجهه. وقيل : إن الله تعالى أنزل: ( كل من عليها فان ) [ الرحمن : 26]، فقالت الملائكة : هلك أهل الأرض ، وطمعوا في البقاء، فأخبر تعالى عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون، فقال: ( كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88] لأنه حي لا يموت، فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت. وإنما قالوا ذلك توفيقاً بينها وبين النصوص المحكمة، الدالة على بقاء الجنة، وعلى بقاء النار أيضاً، على ما يُذْكَر عن قريب، إن شاء الله تعالى" . (11)

















--------------------------------

















(1) صحيح البخاري 1379. وصحيح مسلم : 2866.

















(2) صحيح مسلم : 901.

















(3) صحيح البخاري: 1052، 5197. وصحيح مسلم : 907.

















(4) صحيح مسلم : 901

















(5) قال الألباني في تحقيقه للطحاوية: صحيح .

















(6) شرح الطحاوية : 476 – 478 .

















(7) في كتاب بدء الخلق، انظر فتح الباري : (6/317)

















(1/6)


























(8) فتح الباري 6/320).

















(9) سنن الترمذي : 3462. وقال الشيخ ناصر في تعليقه على شرح الطحاوية ص : 106 وهو مخرج في الصحيحة.

















(10) وقال أيضاً في هذا الحديث: صحيح، وهو مخرج في المصدر السابق : 64. وهو في سنن الترمذي برقم : 3464.

















(11) شرح الطحاوية: ص 479/ وراجع في هذه الموضوع: (بقظة أولى الاعتبار لصديق حسن خان ص : 37، وعقيدة السفاريني : (2/230).

















دخول الجنة

















لا شك أن سعادة المؤمنين لا تعادلها سعادة عندما يساقون معززين مكرمين زمراً إلى جنات النعيم ، حتى إذا ما وصلوا إليها فتحت أبوابها ، واستقبلتهم الملائكة الكرام يهنئونهم بسلامة الوصول، بعدما عانوه من الكربات ، وشاهدوه من الأهوال ( وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ) [ الزمر:73]، أي طابت أعمالكم وأقوالكم وعقائدكم، فأصبحت نفوسكم زاكية ، وقلوبكم طاهرة، فبذلك استحققتم الجنات.

















المبحث الأول

















الشفاعة في دخول الجنة

















ثبت في الأحاديث الصحيحة أن المؤمنين عندما يطول عليهم الموقف في يوم الجزاء يطلبون من الأنبياء أن يستفتحوا لهم باب الجنة ، فكلهم يمتنع ويتأبى ، ويقول: لست لها حتى يبلغ الأمر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فيشفع في ذلك ، فيُشفّع ، ففي صحيح مسلم عن حذيفة بن اليمان وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يجمع الله تبارك وتعالى الناس ، فيقوم المؤمنون، حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم، فيقولون : يا أبانا ، استفتح لنا الجنة ، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم ، لست بصاحب ذلك.. ". الحديث. (1)

















وذكر فيه تدافع الأنبياء لها ، حتى يأتون محمداً - صلى الله عليه وسلم -، فيؤذن لهم.

















--------------------------------

















(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان ، باب أدنى أهل الجنة منزلة4/186)، ورقمه:195.

















تهذيب المؤمنين وتنقيتهم قبل الدخول

















(1/7)


























بعد أن يجتاز المؤمنون الصراط يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، ثم يهذبون وينقون، وذلك بأن يقتص لبعضهم من بعض إذا كانت بينهم مظالم في الدنيا، حتى إذا دخلوا الجنة كانوا أطهاراً أبراراً ، ليس لأحد عند الآخر مظلمة ، ولا يطلب بعضهم بعضاً بشيء.

















روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ، فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزلة في الجنة منه بمنزلة كان في الدنيا ". (1)

















ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - هو أول من يستفتح الجنة بعد أن يأبى أبو البشر آدم وأولوا العزم من الرسل التعرض لهذه المهمة.

















--------------------------------

















(1) صحيح البخاري ، كتاب الرقاق ، باب القصاص يوم القيامة ، فتح الباري: (11/395).

















الأوائل في دخول الجنة

















أول البشر دخولاً الجنة على الإطلاق هو رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأول الأمم دخولاً الجنة أمته ، وأول من يدخل الجنة من هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

















وقد ساق ابن كثير الأحاديث الواردة في ذلك (1) . فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أنا أول من يقرع " أي : باب الجنة. وفيه أيضاً: " أنا أول شفيع في الجنة ". (2)

















وروى مسلم عن أنس أيضاً ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " آتي باب الجنة فأستفتح ، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد ، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك ". (3)

















وثبت في الصحيحين وسنن النسائي، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة ". (4)

















(1/8)


























وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أتاني جبريل ، فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي " فقال أبو بكر: يا رسول الله ، وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي ". (5)

















--------------------------------

















(1) النهاية لابن كثير: (2/213).

















(2) صحيح مسلم: 197.

















(3) صحيح مسلم : 197.

















(4) رواه البخاري في مواضع من صحيحه: 238 ، 876 ، 896 ،2956 . ومسلم : 855.

















(5) سنن أبي داود: 4652. وأورده الألباني في ضعيف أبي داود.

















الذين يدخلون الجنة بغير حساب

















أول زمرة تدخل من هذه الأمة الجنة هي القمم الشامخة في الإيمان والتقى والعمل الصالح والاستقامة على الدين الحق ، يدخلون الجنة صفاً واحداً، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، صورهم على صورة القمر ليلة البدر.

















روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ، ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب ، أمشاطهم من الذهب والفضة ، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك ، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرة وعشياً ". (1)

















وروى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً أو سبعمائة ألف – لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر". (2)

















(1/9)


























وقد صح أن الله أعطى رسوله - صلى الله عليه وسلم - مع كل واحد من السبعين هؤلاء سبعين ألفاً ، ففي مسند أحمد بإسناد صحيح عن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أعطيت سبعين ألفاً من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب ، وجوههم كالقمر ليلة البدر ، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي عز وجل ، فزادني مع كل واحد سبعين ألفاً ". (3)

















وفي مسند أحمد وسنن الترمذي وصحيح ابن حبان عن أبي أمامة بإسناد صحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بلا حساب عليهم ولا عذاب ، مع كل ألف سبعون ، وثلاث حثيات من حثيات ربي ". (4) فذكر هذا الحديث زياد ثلاث حثيات.

















وقد وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - السبعين ألفاً الأوائل وبيَّن علاماتهم ، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " عُرضت عليّ الأمم، فأخذ النبي يمر معه الأمة ،والنبي يمر معه النفر، والنبي يمر معه العشرة، والنبي يمر معه الخمسة ، والنبي يمر وحده ، فنظرت فإذا سواد كثير ، قلت: يا جبريل، هؤلاء أمتي؟ قال : لا ، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد كثير . قال: هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفاً قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب، قلت : ولم ؟ قال: كانوا لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام إليه عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم . قال : اللهم اجعله منهم. ثم قال إليه رجل آخر فقال : ادع الله أن يجعلني منهم. قال: سبقك بها عكاشة ". (5)

















ولعل هؤلاء هم الذين سماهم الحق بالمقربين ، وهم السابقون ، ( والسابقون السابقون * أولئك المقربون * في جنات النعيم ) [الواقعة:10-12]، وهؤلاء ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ( ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين ) [ الواقعة: 13-14].

















--------------------------------

















(1/10)


























(1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق ، باب ما جاء في صفة الجنة ، فتح الباري 6/318) ، ورواه مسلم: 2834، والترمذي وغيرهما .

















(2) المصدر السابق ، فتح الباري : (6/319).

















(3) صحيح الجامع : (1/350) ،ورقمه 1068.

















(4) صحيح الجامع: (6/108)، ورقمه: 6988.

















(5) صحيح البخاري ، كتاب الرقاق، باب يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب، فتح الباري : (11/450).

















الفقراء يسبقون الأغنياء إلى الجنة

















روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة ٍإلى الجنة بأربعين خريفاً ". (1)

















وروى الترمذي عن أبي سعيد ، وأحمد والترمذي وابن حبان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة سنة ". (2)

















وقد بيّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في موضع آخر أن هؤلاء لم يكن عندهم شيء يحاسبون عليه ، هذا مع جهادهم وفضلهم، أخرج الحاكم في مستدركه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي؟ قلت: الله ورسوله أعلم، فقال: فقراء المهاجرين ، يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة، ويستفتحون، فيقول لهم الخزنة : أو قد حوسبتم ؟ فيقولون : بأي شيء نحاسب، وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك؟ قال: فيفتح لهم ، فيقيلون فيه أربعين عاماً قبل أن يدخلها الناس ". (3)

















وفي صحيح البخاري عن أسامة بن زيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار " (4) . وأصحاب الجد هم الأغنياء من المسلمين.

















(1/11)


























وقد وقع في الأحاديث السابقة أن الفقراء يسبقون الأغنياء بأربعين خريفاً ، وجاء في حديث آخر بخمسمائة عام ، ووجه التوفيق بين الحديثين أن الفقراء مختلفو الحال ، وكذلك الأغنياء – كما يقول القرطبي- (5) . فالفقراء متفاوتون في قوة إيمانهم وتقدمهم ، والأغنياء كذلك، فإذا كان الحساب باعتبار أول الفقراء دخولاً الجنة وآخر الأغنياء دخولاً الجنة فتكون المدة خمسمائة عام، أما إذا نظرت إلى آخر الفقراء دخولاً الجنة وأول الأغنياء دخولاً الجنة فتكون المدة أربعين خريفاً، باعتبار أول الفقراء وآخر الأغنياء والله أعلم". (6)

















--------------------------------

















(1) مشكاة المصابيح2/663)، ورقمه: 5235. وهو في مسلم برقم: 2979.

















(2) صحيح الجامع: (4/90) ورقمه:4104. وهو في سنن الترمذي برقم: 2351 .

















(3) انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة: (2/532)، ورقمه: 853، وقد قال الشيخ ناصر فيه :أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، أقول (الشيخ ناصر) : إنما هو على شرط مسلم فقط.

















(4) صحيح البخاري، كتاب الرقاق ، باب صفة الجنة والنار، فتح الباري2/345).

















(5) التذكرة ، للقرطبي : ص470 .

















(6) النهاية لابن كثير2/345).

















أول ثلاثة يدخلون الجنة

















روى الترمذي بإسناد حسن عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : عُرض عليّ أول ثلاثة يدخلون الجنة : " شهيد ، وعفيف متعفف ، وعبد أحسن عبادة الله ، ونصح مواليه" . (1)

















--------------------------------

















(1) جامع الأصول 20/535). وعزاه محقق الجامع إلى أحمد في مسنده ، والحاكم في مستدركه، والبيهقي في السنن.وهو في سنن الترمذي برقم : 1642 . وقال الترمذي فيه هذا حديث حسن وأورده الألباني في ضعيف الترمذي.

















دخول عصاة المؤمنين الجنة

















المطلب الأول

















إخراجهم من النار وإدخالهم الجنة بالشفاعة

















(1/12)


























روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن (1) ناس أصابتهم النار بذنوبهم (أو قال: بخطاياهم) فأماتتهم إماتة ، حتى إذا كانوا فحماً، أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر (2) ، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم ، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل". (3)

















ولمسلم من حديث جابر بن عبد الله يرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن أقواماً يخرجون من النار يحترقون فيها، إلا دارات وجوههم ، حتى يدخلون الجنة ". (4)

















وهؤلاء الذين يخرجون من النار ويدخلون الجنة يسميهم أهل الجنة بالجهنميين ، ففي صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يخرج قوم من النار بشفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فيدخلون الجنة ، يسمون الجهنميين ". (5)

















وفي الصحيح أيضاً عن جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يخرج (6) من النار بالشفاعة كأنهم الثعارير، قلت : وما الثعارير؟ قال: الضغابيس ". (7)

















وروى البخاري عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يخرج قوم من النار بعدما مسهم منها سفع ، فيدخلون الجنة، فيسميهم أهل الجنة الجهنميين". (8)

















وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة الطويل في وصف الآخرة: " حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئاً ، ممن أراد الله أن يرحمه، ممن يقول: لا إله إلا الله ، فيعرفونهم في النار ، يعرفونهم بأثر السجود، تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ، فيخرجون من النار وقد امتحشوا (احترقوا)، فيصب عليهم ماء الحياة ، فينبتون منه ، كما تنبت الحبة في حميل السيل ". (9)

















(1/13)


























وقد ورد في أكثر من حديث أن الله يخرج من النار من كان في قلبه مثقال دينار أو نصف دينار أو مثقال ذرة من إيمان، بل يخرج أقواماً لم يعملوا خيرا ً قء ففي حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يدخل الله أهل الجنة الجنة ،يدخل من يشاء برحمته، ويدخل أهل النار النار ، ثم يقول: " انظروا من وجدتم في قلبه حبة من خردل من إيمان فأخرجوه.. ". (10)

















وفي حديث جابر بن عبد الله في ورود النار: " ثم تحل الشفاعة، ويشفعون حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ، وكان في قلبه من الخير مثقال شعيرة ، فيجعلون بفناء الجنة ، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء ، حتى ينبتوا نبات الشيء في حميل السيل. ويذهب حراقه (11) ثم يسأل حتى يجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها". (12)

















وفي حديث أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله، وكان في قلبه ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن الذرة". (13)

















المطلب الثاني

















موقف الفِرَق من الشفاعة

















أنكرت الخوارج والمعتزلة (14) شفاعة الشافعين في أهل الكبائر والذين أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها،والذين دخلوها أن دخلوها أن يخرجوا منها، قال القرطبي: " وهذه الشفاعة أنكرتها المبتدعة الخوارج والمعتزلة، فمنعتها على أصولهم الفاسدة وهي الاستحقاق العقلي المبني على التحسين والتقبيح " . (15)

















(1/14)


























وهذه المقولة المضادة للأحاديث الصحيحة المتواترة برزت والصحابة أحياء ، روى مسلم في صحيحه عن يزيد الفقير، قال: " كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج ، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد الحج ، ثم نخرج على الناس ، قال: فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم، جالس إلى سارية ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فإذا هو ذكر الجهنميين ، قال: فقلت له : يا صاحب رسول الله، ما هذا الذي تحدثون به والله يقول: ( إنك من تدخل النار فقد أخزيته ) [ آل عمران:192] ، و ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ) [ السجدة:20]؟ فما هذا الذي تقولون: قال: فقال: أتقرأ القرآن؟ قلت : نعم. قال: فهل سمعت بمقام محمد عليه السلام(يعني الذي يبعثه الله فيه)؟ قلت: نعم ، قال: فإنه مقام محمد - صلى الله عليه وسلم - المحمود الذي يخرج الله به من يخرج، قال: ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه، قال: وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك، قال: غير أنه قد زعم أن قوماً يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها. قال: يعني فيخرجون كأنهم عيدان السماسم، قال: فيدخلون نهراً من أنهار الجنة فيغتسلون فيه ، فيخرجون كأنهم القراطيس (16) ، فرجعنا قلنا: ويحكم، أترون الشيخ يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فرجعنا. فلا والله ، ما خرج منا غير رجل واحد". (17)

















(1/15)


























والخوارج والمعتزلة تطرفوا في هذه المسألة إذ زعموا أن أهل الكبائر لا يخرجون من النار،ولا تنفعهم شفاعة الشافعين، كما أن المرجئة تطرفوا في الجانب المقابل حيث لم يقطعوا بدخول أحد من أهل الكبائر النار ، ويزعمون أن أهل الكبائر جميعاً في الجنة من غير عذاب، وكلا الفريقين مخالف للسنة المتواترة الثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهم مخالفون لإجماع سلف الأمة وأئمتها، وقد هدى الله أهل السنة والجماعة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، حيث ذهبوا إلى أن أهل الكبائر تحت مشيئة الله ، إن شاء غفر لهم برحمته، وإن شاء عذبهم بذنوبهم، ثم أدخلهم الجنة برحمته، ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء:48] وقال تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ) [ الزمر:53] فالشرك لا يغفره الله ، وما دونه تحت المشيئة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له . وحجة الخوارج في نفي هذه الشفاعة الآيات الواردة في نفي الشفاعة التي يثبتها أهل الشرك ، فأهل الشرك يعتقدون أن الشفاعة عند الله كالشفاعة في الدنيا ، يشفع الشافع عند غيره بدون إذن منه، ويشفع الشافع عند غيره وإن لم يرض عن المشفوع له، وهذا لا يكون عند الله تبارك وتعالى، وقد جاءت النصوص بإبطال هذا النوع من الشفاعة، كما قال تعالى: ( واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ) [ البقرة:48]، وقال : ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) [المدثر:48]، وقال: ( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) [ غافر:18]، وقد جاءت النصوص مبينة أن الشفاعة عند الله لا تكون إلا بإذنه، ولا تكون إلا بعد أن يرضى عن الشافع والمشفوع له: ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) [البقرة:255] وقال: ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) [ الأنبياء:28]، وقال : ( وكم من ملك في السماوات لا

















(1/16)


























تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) [ النجم:26]، وقال عن الملائكة أيضاً: ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ) [الأنبياء:28]، وقال: ( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) [ سبأ:23].

















فهذه النصوص تنفي الشفاعة التي أثبتها المشركون للملائكة والأنبياء والصالحين وتبطلها، وتثبت الشفاعة التي تكون بإذن الله ورضاه عن الشافع والمشفوع ، والله لا يرضى عن الكفرة المشركين، أما عصاة أهل التوحيد ، فيشفع فيهم الشافعون، ولا يشفعون لمشرك. روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ قال: " لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث ، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قِبل نفسه ". (18)

















--------------------------------

















(1) لكن هنا مخففة مهملة لا تعمل .

















(2) جماعات جماعات .

















(3) رواه مسلم، كتاب الإيمان ، باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار، (1/172). رقم : 185.

















(4) رواه مسلم كتاب الإيمان ، باب أدنى أهل الجنة منزلة، (1/178) ، ودارات وجوههم: ما يحيط بالوجه من جوانبه.

















(5) صحيح البخاري ، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، فتح الباري: (11/418) ولهم ذكر في حديث جابر عند مسلم : (1/179).

















(6) أي أقوام .

















(7) رواه البخاري ، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، فتح الباري: (11/416) والثعايير: قثاء صغار ، والضغبوس: نبت يخرج قدر شبر في دقة الأصبع لا ورق له، فيه حموضة . والمقصود (وصفهم بالبياض والدقة ).

















(8) المصدر السباق ، فتح الباري: (11/416).

















(9) صحيح مسلم، كتاب الإيمان ، باب الرؤية: (1/299) ،حديث رقم : (182).

















(10) صحيح مسلم ، كتاب الإيمان، باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين: (1/172).

















(1/17)


























(11) حراقة : معناه أثر النار ، والضمير في (حراقه) يعود على المخرجين .

















(12) صحيح مسلم ، باب أدنى أهل الجنة منزلة: (1/178).

















(13) صحيح مسلم ، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة: (1/182). والأحاديث في هذا كثيرة.

















(14) الخوارج فرقة خرجت بعد معركة صفين كفّرت علياً ومعاوية، ومن معهما، وزعمت أن أهل المعاصي مخلدون في النار، والمعتزلة أتباع واصل بن عطاء ذهبوا مذهب المعتزلة ، في القول بتخليد أصحاب الكبائر في النار، وتوقفوا في أمرهم في الدنيا .

















(15) التذكرة للقرطبي: ص249.

















(16) الصحف التي يكتب فيها .

















(17) صحيح مسلم، كتاب الإيمان ، باب أدنى أهل الجنة منزلة،(1/179)، ورقمه:191.

















(18) رواه البخاري ، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، فتح الباري11/418).

















آخر من يدخل الجنة

















حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - قصة آخر رجل يخرج من النار ويدخل الجنة ، وما جرى من حوار بينه وبين ربه ، وما أعطاه الله من الكرامة العظيمة التي لم يُصدّق أن الله أكرمه بها لعظمها، وقد جمع ابن الأثير روايات هذا الحديث في جامع الأصول ، ومنه نقلنا هذه الأحاديث (1) :

















1- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها ، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة : رجل يخرج من النار حبواً ، فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب ، وجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا، وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا ، فيقول: أتسخر بي – أو أتضحك بي – وأنت الملك ؟ قال : فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت نواجذه ، فكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة " أخرجه البخاري ومسلم.

















(1/18)


























ولمسلم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً من النار : رجل يخرج منها زحفا، فيقال له: انطلق فادخل الجنة، قال: فيذهب فيدخل الجنة ، فيجد الناس قد أخذوا المنازل، فيقال له: أتذكر الزمان الذي كنت فيه؟ فيقول : نعم ، فيقال له : تمنَّ ، فيتمنى فيقال له : لك الذي تمنيت ، وعشرة أضعاف الدنيا ، فيقول : أتسخر بي وأنت الملك ؟ قال: فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك حتى بدت نواجذه " وفي رواية الترمذي مثل هذه التي لمسلم. (2)

















(1/19)


























2- عن عبد الله بن مسعود رضي الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " آخر من يدخل الجنة رجل ، فهو يمشي مرة ، ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها ، فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين، فترفع له شجرة ، فيقول: يا رب ، أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها ،وأشرب من مائها ، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها؟ فيقول: لا ، يا رب ويعاهده أن لا يسأله غيرها، قال : وربه عز وجل يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه ، فيدنيه منها ، فيستظل بظلها ،ويشرب من مائها ، ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى ، فيقول: أي رب ، أدنني من الشجرة لأشرب من مائها وأستظل بظلها ، لا أسألك غيرها فيقول: يا ابن آدم ، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها ؟ فيقول: لعلي أن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه تعالى يعذره ، لأنه يرى ما لا صبر له عليه ، فيدنيه منها ، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها ، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة، وهي أحسن من الأوليين، فيقول: أي رب أدنني من هذه لأستظل بظلها ، وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم ، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى، يا رب لا أسألك غيرها – وربه عز وجل يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه ، فيدنيه منها ، فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة فيقول: أي رب أدخلنيها ، فيقول: يا ابن آدم ، ما يصريني منك (4) ، أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها ؟ قال : يا رب ، أتستهزئ مني وأنت رب العالمين ؟ فضحك ابن مسعود ، فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ فقال: من ضحك رب العالمين ، حين قال : أتستهزئ مني وأنت رب العالمين ؟ فيقول: إني لا أستهزئ منك ، ولكني على ما أشاء قادر " أخرجه مسلم .

















(1/20)


























(5)

















وهذا الحديث هكذا أخرجه الحميدي وحده في أفراد مسلم، والذي قبله في المتفق عليه ، وقال: إنما أفردناه للزيادة التي فيه.

















وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أدنى أهل الجنة منزلة: رجل صرف الله وجهه عن النار قِبل الجنة، ومثل له شجرة ذات ظل ، فقال : أي رب ، قربني من هذه الشجرة لأكون في ظلها .. وساق الحديث بنحو حديث ابن مسعود، ولم يذكر: فيقول: يا ابن آدم ، ما يصريني منك ؟ .. إلى آخر الحديث ".

















وزاد فيه : " ويذكره الله ، سل كذا وكذا ، فإذا انقطعت به الأماني، قال الله : هو لك وعشرة أمثاله، قال: ثم يدخل بيته ، فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين، فيقولان : الحمد لله الذي أحياك لنا ، وأحيانا لك، قال:" فيقول: ما أعطي أحد مثل ما أعطيت " أخرجه مسلم هكذا عقيب حديث ابن مسعود. (6)

















--------------------------------

















(1) جامع الأصول10/553) .

















(2) رواه البخاري11/386) في الرقاق، باب في صفة الجنة والنار،وفي التوحيد، باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، ومسلم رقم : 186 في الإيمان ، باب آخر أهل النار خروجاً ، والترمذي رقم : 2598 في صفة جهنم، باب رقم 10.

















(4) أي ما الذي يرضيك ، ويقطع مسألتك وأصل التصرية: القطع والجمع، ومنه الشاة المصراة: وهي التي جمع لبنها وقطع حلبه .

















(5) رقم: 187 في الإيمان ، باب آخر أهل النار خروجاً.

















(6) رواه مسلم رقم : 188 في الإيمان ، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها .

















الذين دخلوا الجنة قبل يوم القيامة

















(1/21)


























أول من دخل الجنة من البشر هو أبو البشر آدم ( وقلنا يا أدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ) [ البقرة:35]، وقال : ( ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) [ الأعراف: 19]، ولكن آدم عصى ربه بأكله من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها فأهبطه الله من الجنة إلى دار الشقاء : ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً* وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس أبى* فقلنا يا آدم هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى* إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى* وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى* فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى* فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى* ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى* قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو ) [ طه : 115-123].

















وقد رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الجنة ففي صحيح البخاري عن عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء ". (1)

















(1/22)


























ومن الذين يدخلون الجنة قبل يوم القيامة الشهداء، ففي صحيح مسلم عن مسروق قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية: ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ) [ آل عمران :169]. قال: " إنا قد سألنا عن ذلك فقال:" أرواحهم في أجواف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعه، فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيء نشتهي، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففل بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا: قالوا: يا رب، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا ". (2)

















ومن مات عرض عليه مقعده من الجنة والنار بالغداة والعشي، ففي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة ". (3)

















--------------------------------

















(1) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق ، باب ما جاء في صفة الجنة ، فتح الباري: (6/318).

















(2) مشكاة المصابيح: (2/351)، ورقمه:3804.

















(3) رواه مسلم في صحيحه ، انظر مسلم بشرح النووي: (17: 300).

















الجنة خالدة وأهلها خالدون

















النصوص الدالة على ذلك

















الجنة خالدة لا تفنى ولا تبيد،وأهلها فيها خالدون ، لا يرحلون عنها ولا يظعنون، ولا يبيدون ولا يموتون ، ( لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم ) [ الدخان:56]، ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً * خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ) [ الكهف:107-108].

















(1/23)


























وقد سقنا عند الحديث عن خلود النار – الأحاديث التي يخبر فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذبح الموت بين الجنة والنار، ثم يقال لأهل الجنة ولأهل النار : " يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ".

















إن مقتضى النصوص الدالة أن الجنة تخلق خلقاً غير قابل للفناء، وكذلك أهلها ، ففي الحديث عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من يدخل الجنة ينعم ، لا يبأس ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه ". (1)

















واستمع إلى النداء العلوي الرباني الذي ينادي به أهل الجنة بعد دخولهم الجنة : " إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً ، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً ، وإن لكم أن تنعموا، فلا تبتئسوا أبدا ، فذلك قوله عز وجل : ( ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) [ الأعراف:43]. (2)

















--------------------------------

















(1) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة ، باب في دوام نعيم الجنة، (4/2181)، ورقمه:2836 .

















(2) صحيح مسلم ، كتاب الجنة ، باب دوام نعيم الجنة4/2183)، ورقمه :2837.

















القائلون بفناء الجنة

















قال بفناء الجنة كما قال بفناء النار الجهم بن صفوان إمام المعطلة، وليس له سلف قء لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان ، ولا من أئمة المسلمين ، و لا من أهل السنة ، وأنكره عليه عامة أهل السنة .

















(1/24)


























وأبو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة قال بفناء حركات أهل الجنة والنار، بحيث يصيرون إلى سكون دائم لا يقدر أحد منهم على حركة (1). وكل هذا باطل ، قال شارح الطحاوية : " فأما أبدية الجنة، وأنها لا تفنى ولا تبيد، فهذا مما يعلم بالضرورة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر به، قال تعالى: ( وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ ) [هود:108]، أي غير مقطوع، ولا ينافي ذلك قوله : ( إلا ما شاء ربك ) [ هود:108] " (2) وقد ذكر شارح الطحاوية اختلاف السلف في هذا الاستثناء فقال: " واختلف السلف في هذا الاستثناء: فقيل : معناه إلا مدة مكثهم في النار، وهذا يكون لمن دخل منهم إلى النار ثم أخرج منها، لا لكلهم .وقيل: إلا مدة مقامهم في الموقف . وقيل : إلا مدة مقامهم في القبور والموقف . وقيل: هو استثناء الرب ولا يفعله، كما تقول: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، وأنت لا تراه، بل تجزم بضربه. وقيل: " إلا " بمعنى الواو، وهذا على قول بعض النحاة، وهو ضعيف.وسيبويه يجعل إلا بمعنى لكن ، فيكون الاستثناء منقطعاً ورجحه ابن جرير وقال : إن الله تعالى لا خلف لوعده ، وقد وصل الاستثناء بقوله : ( عطاء غير مجذوذ ) [ هود:108]، قالوا : ونظيره أن تقول : أسكنتك داري حولاً إلا ما شئت، أي سوى ما شئت، ولكن ما شئت من الزيادة عليه . وقيل : الاستثناء لإعلامهم بأنهم – مع خلودهم – في مشيئة الله ، لأنهم لا يخرجون عن مشيئته ، ولا ينافي ذلك عزيمته وجزمه لهم بالخلود، كما في قوله تعالى : ( ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا ) [ الإسراء:86]، وقوله تعالى : ( فإن يشأ الله يختم على قلبك ) [الشورى:24]، وقوله : (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ) [يونس:16]، ونظائره كثيرة، يخبر عباده سبحانه أن الأمور كلها بمشيئته، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن.

















(1/25)


























وقيل : إن " ما " بمعنى " من " أي: إلا من شاء الله دخوله النار بذنوبه من السعداء . وقيل غير ذلك.

















وعلى كل تقدير ، فهذا الاستثناء من المتشابه، وقوله: ( عطاء غير مجذوذ ) [ هود:108]. وكذلك قوله تعالى : ( إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ) [ص:54]. وقوله : ( أكلها دائم وظلها ) [ الرعد:35].وقد أكد الله خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القرآن، وأخبر أنهم ( لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ) [الدخان:56].وهذا الاستثناء منقطع ، وإذا ضممته إلى الاستثناء في قوله تعالى : (إلا ما شاء ربك ) [هود:108]، - تبين أن المراد من الآيتين استثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود ، كاستثناء الموتة الأولى من جملة الموت، فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية، وذلك مفارقة للجنة تقدمت على خلودهم فيها ". (3)

















--------------------------------

















(1) راجع شرح الطحاوية: ص480 .

















(2) شرح الطحاوية:481.

















(3) شرح العقيدة الطحاوية: 481.

















صفة الجنة

















الجنة لا مثل لها

















نعيم الجنة يفوق الوصف ، ويقصر دونه الخيال، ليس لنعيمها نظير فيما يعلمه أهل الدنيا، ومهما ترقى الناس في دنياهم ، فسيبقى ما يبلغونه أمراً هيناً بالنسبة لنعيم الآخرة، فالجنة كما ورد في بعض الآثار لا مثل لها، " هي نور يتلألأ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد، ونهر مطرد وفاكهة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة ، في مقام أبداً، في حبرة ونضرة ، في دور عالية سليمة بهية ". (1)

















(1/26)


























وقد سأل الصحابة الرسول عن بناء الجنة ، فأسمعنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الإجابة وصفاً عجباً، يقول عليه السلام في صفة بنائها: " لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر (2)، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس ، ويخلد ولا يموت، ولا يبلى ثيابها ، ولا يفنى شبابهم "(3). وصدق الله حيث يقول : ( وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيراً ) [الإنسان:20].

















وما أخفاه الله عنا من نعيم الجنة شيء عظيم لا تدركه العقول، ولا تصل إلى كنهه الأفكار ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) [ السجدة:17] ، وقد جاء في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قال الله : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر، فاقرؤوا إن شئتم: ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) [السجدة:17](4). ورواه مسلم من عدة طرق عن أبي هريرة وجاء في بعض طرقه : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخراً ، بلْه (5) ما أطلعكم الله عليه، ثم قرأ : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) . [ السجدة:17]" (6). ورواه مسلم عن سهل بن سعد الساعدي قال: شهدت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلساً وصف فيه الجنة حتى انتهى، ثم قال - صلى الله عليه وسلم - في آخر حديثه:" فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم قرأ هذه الآية : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون* فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) [ السجدة: 16-17](7) .

















--------------------------------

















(1/27)


























(1) هذا نص حديث أورده ابن ماجة في سننه ، في كتاب الزهد، باب صفة الجنة،(2/1448)، ورقمه: 4332 ، ولم ننسبه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأن في إسناده مقالاً ، وإن كان ابن حبان أورده في صحيحه، ومعناه جميل تشهد له النصوص من الكتاب والسنة.

















(2) الملاط: المادة التي توضع بين اللبنتين .

















(3) رواه أحمد والترمذي والدارمي، انظر مشكاة المصابيح: (3/89)، وهو صحيح بطرقه كما أشار إلى ذلك محقق المشكاة.

















(4) رواه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة، فتح الباري6/318).

















(5) بله: بفتح الباء وسكون اللام ، ومعناها: دع ما أطلعكم الله عليه ، فالذي لم يطلعكم عليه أعظم، وكأنه أضرب عنه استقلالاً له في جنب ما لم يطلع عليه، أفاده النووي في شرحه على مسلم (17/166) .

















(6) رواه مسلم في صحيحه في كتاب الجنة وصفة نعيم أهلها: (2/2174)،ورقم الحديث:2824 .

















(7) رواه مسلم ، حديث رقم:2824.

















أبواب الجنة

















للجنة أبواب يدخل منها المؤمنون كما يدخل منها الملائكة ( جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ) [ ص:50]، ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) [ الرعد:23]، وأخبرنا الحق تبارك وتعالى أن هذه الأبواب تفتح عندما يصل المؤمنون إليها، وتستقبلهم الملائكة محيية بسلامة الوصول : ( حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ) [الزمر:73].

















وأخبرنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أن أبواب الجنة تفتح في كل عام في رمضان، فعن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ". (1)

















(1/28)


























وعدد أبواب الجنة ثمانية، وأحد هذه الأبواب يسمى الريّان وهو خاص بالصائمين ففي الصحيحين عن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " في الجنة ثمانية أبواب، باب منها يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل غيرهم". (2)

















وهناك باب للمكثرين من الصلاة ،وباب للمتصدقين، وباب للمجاهدين ، بالإضافة إلى باب الصائمين المسمى بالريّان، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من أنفق زوجين في سبيل الله من ماله، دُعي من أبواب الجنة، وللجنة ثمانية أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام ". فقال أبو بكر : والله ما على أحد من ضرر دعي من أيها دعي، فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال: نعم ، وأرجو أن تكون منهم". (3)

















وسؤال أبي بكر يريد به شخصاً اجتمعت فيه خصال الخير، من صلاة، وصيام ، وصدقة وجهاد ونحو ذلك ، بحيث يدعي من جميع تلك الأبواب ، وقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الذي ينفق زوجين في سبيل الله يدعى من أبواب الجنة الثمانية ، وأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الذي يتوضأ فيحسن الوضوء ، ثم يرفع بصره إلى السماء فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله تفتح له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها يشاء.

















فقد روى مسلم في صحيحه، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ (أبو يسبغ) الوضوء ، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله ،وأن محمداً عبده ورسوله ، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، يدخل من أيها شاء ". (4)

















(1/29)


























وقد أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن خص الذين لا حساب عليهم بباب خاص بهم دون غيرهم وهو باب الجنة الأيمن ، وبقيتهم يشاركون بقية الأمم في الأبواب الأخرى، ففي الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة في حديث الشفاعة " فيقول الله : يا محمد : أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن ، وهم شركاء الناس في الأبواب الأخرى " ثم بين في هذا الحديث سعة أبواب الجنة ، وأن ما بين جانبي الباب كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى، ففي الحديث السابق المتفق عليه يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " والذي نفس محمد بيده: إن بين المصراعين من مصاريع الجنة ، أو ما بين عضادتي الباب، كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى ". (5)

















وقد أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن أبواب الجنة تفتح في رمضان ، ففي الصحيحين ومسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وفي رواية: " فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار " . (6)

















وورد في بعض الأحاديث أن ما بين المصراعين مسيرة أربعين سنة ، فقد روى أحمد في "مسنده" وأبو نعيم في " الحلية" عن حكيم بن معاوية عن أبيه معاوية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن ما بين المصراعين في الجنة مسيرة أربعين سنة ، وليأتين عليه يوم، وإنه لكظيظ " وإسناده صحيح.

















ورواه مسلم وأحمد عن عتبة بن غزوان قال: " لقد ذكر لنا أن ما بين المصراعين في الجنة مسيرة أربعين نسة ،وليأتين عليه يوم ،وإنه لكظيظ من الزحام ".

















ورواه الطبراني في معجمه الكبير عن عبد الله بن سلام: " إن ما بين المصراعين في الجنة مسيرة أربعين سنة، يزاحم عليه كازدحام الإبل وردت لخمس ظما ". (7)

















--------------------------------

















(1) صحيح البخاري : 1898. وصحيح مسلم: 1079.

















(2) النهاية لابن كثير(2/214).

















(3) النهاية لابن كثير : (2/214).

















(1/30)


























(4) صحيح مسلم:234.

















(5) النهاية لابن كثير 2/221).

















(6) مشكاة المصابيح1/612).

















(7) هذا التحقيق أخذناه بشيء من الاختصار من سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ ناصر الدين الألباني: (4/273)، ورقم الحديث: 1698.

















درجات الجنة

















المطلب الأول

















الأدلة على أن الجنة درجات، وأهلها متفاوتون في الرفعة

















الجنة درجات بعضها فوق بعض ، وأهلها متفاضلون فيها بحسب منازلهم فيها ، قال الله تعالى : ( ومن يأتيه مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى ) [ طه:75].

















ومن الذين وضحوا هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: " والجنة درجات متفاضلة تفاضلاً عظيماً ، وأولياء الله المؤمنون المتقون في تلك الدرجات بحسب إيمانهم وتقواهم. قال تبارك وتعالى : ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً * كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً * انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً ) [ الإسراء: 18-21].

















فبين الله سبحانه وتعالى أنه يمد من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة من عطائه ،وأن عطاءه ما كان محظوراً من بر ولا فاجر، ثم قال تعالى : ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ) [ الإسراء:21]. فبين الله سبحانه أن أهل الآخرة يتفاضلون فيها أكثر مما يتفاضل الناس في الدنيا وأن درجات الآخرة أكبر من درجات الدنيا . وتفاضل أنبيائه عليهم السلام كتفاضل سائر عباده المؤمنين. فقال تعالى : ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ) [ البقرة: 253]، وقال تعالى : ( ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبوراً ) [ الإسراء:55].

















(1/31)


























وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان ".

















وفي الصحيحين عن أبي هريرة وعمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر ". وقد قال الله تعالى: ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الدين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ) [الحديد:10]وقال تعالى : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً* درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفوراً رحيماً ) [النساء: 95-96].

















وقال تعالى : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين * الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم ) [التوبة: 19-22] وقال تعالى: ( أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ) [ الزمر:9]، وقال تعالى: ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير ) [ المجادلة:11] ". (1)

















(1/32)


























وقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقاً على الله أن يدخله الجنة ، جاهد في سبيل ، أو جلس في أرضه التي ولد فيها، فقالوا : يا رسول الله ، أفلا نبشر الناس ؟ قال : إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله ، فاسألوه الفروس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ، أراه قال: وفوقه عرش الرحمن – ومنه تفجر أنهار الجنة ". (2)

















وثبت في الصحيح أيضاً عن أنس أن أم حارثة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد هلك حارثة يوم بدر، أصابه سهم غرب، فقالت: يا رسول الله، قد علمت موقع حارثة من قلبي، فإن كان في الجنة لم أبك عليه، وإلا سوف ترى ما أصنع، فقال لها: " أجنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه في الفردوس الأعلى ". (3)

















وقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن أهل الجنة متفاضلون في الجنة بحسب منازلهم فيها ، ففي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر (4) في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله ، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال : بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ". (5)

















وفي مسند أحمد وسنن الترمذي وسنن ابن ماجة وصحي ابن حبان عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أهل الدرجات العلى يراهم من هو أسفل منهم كما ترون الكوكب الطالع في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما ". (6)

















(1/33)


























قال القرطبي: " اعلم أن هذه الغرف مختلفة في العلو والصفة بحسب اختلاف أصحابها في الأعمال ، فبعضها أعلى من بعض وأرفع.. وقوله " والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " ولم يذكر عملاً ، ولا شيئاً سوى الإيمان والتصديق للمرسلين، ذلك ليعلم أنه عنى الإيمان البالغ لتصديق المرسلين من غير سؤال آية ولا تلجلج، وإلا فكيف تنال الغرفات بالإيمان والتصديق الذي للعامة ، ولو كان كذلك كان جميع الموحدين في أعالي الغرفات ، وأرفع الدرجات، وهذا محال، وقد قال الله تعالى : (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ) [ الفرقان:75]، والصبر بذل النفس والثبات له وقوفاً بين يديه بالقلوب عبودية وهذه صفة المقربين.

















وقال في آية أخرى : ( ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون ) [ سبأ:37]، فذكر شأن الغرفة ، وأنها لا تنال بالأموال والأولاد ، وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح، ثم بين أن لهم جزاء الضعف، وأن محلهم الغرفات ، يعلمك أن هذا إيمان طمأنينة وتعلق قلب به ، مطمئناً به في كل ما نابه ، وبجميع أموره وأحكامه ، فإذا عمل عملاً صالحاً، فلا يخلطه بضده ، وهو الفاسد ، فلا يكون العمل الصالح الذ ي لا يشوبه فساد إلا مع إيمان بالغ مطمئن صاحبه بمن آمن وبجميع أموره وأحكامه، والمخلط ليس إيمانه وعمله هكذا، فلهذا كانت منزلته دون غيره". (7)

















وأهل الدرجات العاليات يكونون في نعيم أرقى من الذين دونهم، فقد ذكر الله أنه أعد للذين يخافونه جنتين ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) [ الرحمن:46]، ووصفهما ، ثم قال : ( ومن دونهما جنتان ) [الرحمن:62]، أي دون تلك الجنتين في المقام والمرتبة، من تأمل صفات الجنتين اللتين ذكرهما الله آخراً علم أنهما دون الأوليين في الفضل، فالأوليان للمقربين، والأخريان لأصحاب اليمين ، كما قال ابن عباس وأبو موسى الأشعري. (8)

















(1/34)


























قال القرطبي: " لما وصف الجنتين أشار إلى الفرق بينهما، فقال في الأوليين: ( فيهما عينان تجريان ) [ الرحمن:50] ، وقال في الأخريين : ( فيهما عينان نضاختان ) [الرحمن:66]، أي فوارتان بالماء، ولكنهما ليستا كالجاريتين ، لأن النضخ دون الجري ، وقال في الأوليين: ( فيهما من كل فاكهة زوجان ) [ الرحمن:52]، معروف وغريب، رطب ويابس، فعم ولم يخص ، وفي الأخريين: ( فيهما فاكهة ونخل ورمان ) [الرحمن:68]، ولم يقل من كل فاكهة زوجان، وقال في الأوليين : ( متكئين على فرش بطائنها من استبرق ) [ الرحمن:54]، وهو الديباج، وفي الأخريين: ( متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان ) [الرحمن:76]، والعبقري الوشي ، ولا شك أن الديباج أعلى من الوشي، والرفرف كسر الخبا ، ولا شك أن الفرش المعدة للاتكاء عليها أفضل من الخبا.

















وقال في الأوليين في صفة الحور العين: ( كأنهن الياقوت والمرجان ) [الرحمن:58]، وفي الأخريين: ( فيهن خيرات حسان ) [الرحمن:70]، وليس كل حسن كحسن الياقوت والمرجان، وقال في الأوليين : ( ذواتا أفنان ) [الرحمن:48]، وفي الأخيرتين : (مدهامتان ) [الرحمن:64]، أي خضراوان كأنهما من شدة خضرتهما سوداوان، ووصف الأوليين بكثرة الأغصان، والآخرتين بالخضرة وحدها". (9)

















وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " جنتان من فضة ، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن " (10) ، وفي رواية الترمذي:" إن في الجنة جنتين من فضة .. "وذكر الحديث . (11)

















(1/35)


























وذكر الحق تبارك وتعالى أن الأبرار يشربون كأساً ممزوجة بالكافور : ( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ) [الإنسان:5]، وقال في موضع آخر : ( ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ) [الإنسان:17] ، ويبدو أن هذا – والعلم عند الله – لأهل اليمين، وقال في موضع آخر: ( ومزاجه من تسنيم * عينا يشرب بها المقربون ) [المطففين:28-28]، فأهل اليمين يشربون شراباً ممزوجاً من تسنيم ، وهي عين في الجنة ، والمقربون يشربون من تسنيم صرفاً غير ممزوج .

















المطلب الثاني

















أعلى أهل الجنة وأدناهم منزلة

















روى مسلم في صحيحه عن المغيرة بن شعبة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم – قال : " سأل موسى ربه :ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة ، فيقال له : ادخل الجنة . فيقول: أي رب كيف ؟ وقد نزل الناس منازلهم ، وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب ، فيقول : لك ذلك ومثله ، ومثله ، ومثله ، ومثله. فقال في الخامسة: رضيت، رب. فيقول: لك هذا وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذت عينك. فيقول: رضيت رب .

















قال: رب . فأعلاهم منزلة ؟ قال:" أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها، فلم تر عين ،ولم تسمع أذن،ولم يخطر على قلب بشر " قال: ومصداقه في كتاب الله عز وجل : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) [ السجدة:17] ". (12)

















المطلب الثالث

















المنزلة العليا في الجنة

















(1/36)


























أعلى منزلة في الجنة ينالها شخص واحد تسمى الوسيلة ، وسينالها- إن شاء الله – النبي المصطفى المختار خيرة الله من خلقه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن كثير النهاية: " ذكر أعلى منزلة في الجنة وهي الوسيلة، فيها مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محمودا الذي وعدته، حلت له الشفاعة يوم القيامة ". (13)

















وساق حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم في صحيحه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ فإن من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا الله تعالى لي الوسيلة، فإن من سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة ". (14)

















وقد سأل الصحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قائلين : " وما الوسيلة؟ قال: أعلى درجة في الجنة ، لا ينالها إلا رجل واحد، وأرجو أن أكون هو " رواه أحمد عن أبي هريرة، وفي المسند عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الوسيلة درجة عند الله ،ليس فوقها درجة، فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة ". (15)

















المطلب الرابع

















الذين ينزلون الدرجات العاليات

















من الذين يحلون الدرجات العاليات في الجنة الشهداء ، وأفضلهم الذين يقاتلون في الصفوف الأولى لا يلتفون حتى يقتلوا ، ففي مسند أحمد ومعجم الطبراني عن نعيم بن همار (16) بإسناد صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أفضل الشهداء الذين يقاتلون في الصف الأول، فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة، يضحك إليهم ربهم ، فإذا ضحك ربك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه ". (17)

















(1/37)


























والساعي على الأرملة والمسكين له منزلة المجاهد في سبيل الله، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الساعي على الأرملة والمسكين ، كالمجاهد في سبيل الله – وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر ، وكالصائم لا يفطر ". (18)

















ومنزلة كافل اليتيم قريبة من منزلة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة " وأشار مالك بالسبابة والوسطى . (19)

















ويرفع الله درجة الآباء ببركة دعاء الأبناء، ففي مسند أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب، أنَّى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك".

















قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة،ولكن له شاهد في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ". (20)

















--------------------------------

















(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (11/188).

















(2) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الجهاد ، باب درجات المجاهدين في سبيل الله : فتح الباري : (6/11).

















(3) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، فتح الباري: (11/418).

















(4) الغابر : الذاهب أو الباقي ، فإنّ غبر من الأضداد ، يقال : غبر إذا ذهب ، وغبر إذا بقي ، ويعني به أن الكوكب حالة طلوعه وغروبه بعيد عن الأبصار فيظهر صغيراً لبعده .

















(5) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة الجنة والنار، فتح الباري: (6/220) وصحيح مسلم ، كتاب الجنة ، باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف، (4/2177)، ورقمه:2831.

















(6) صحيح الجامع الصغير، (2/187)، ورقمه: 2026.

















(7) التذكرة للقرطبي : ص464.

















(8) التذكرة للقرطبي : ص440.

















(1/38)


























(9) التذكرة للقرطبي : ص440.

















(10) جامع الأصول: (10/498)، ورقمه:8029.

















(11) المصدر السابق.

















(12) صحيح مسلم:189.

















(13) صحيح البخاري :614.

















(14) صحيح مسلم ، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها: (1/176) ورقمه:189.

















(15) انظر هذه الأحاديث في (النهاية) لابن كثير2/2332).

















(16) قال ابن حجر في (تقريب التهذيب) نعيم بن همّار ، بتشديد الميم ، أو هبار ، أو خمّار، بالمعجمة أوالمهملة ، الغطفاني ، صحابي ، ورجح الأكثر أن اسم أبيه همار .

















(17) مسند أحمد : (5/287). صحيح الجامع الصغير: (1/363) ، ورقمه: 1118.

















(18) صحيح مسلم ، كتاب الزهد. باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم2/2286)، ورقم الحديث:2982.

















(19) المصدر السابق، وقوله له أو لغيره) أي سواء أكفله من ماله، أو من اليتيم بولاية شرعية.

















(20) النهاية لابن كثير: (2/340).

















تربة الجنة

















ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك عن أبي ذر في حديث المعراج قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك ".

















وفي صحيح مسلم ومسند أحمد عن أبي سعيد أن ابن صياد سأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن تربة الجنة ، فقال : " هي درمكة (1) بيضاء مسك خالص " وفي مسند أحمد عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اليهود: " إني سائلهم عن تربة الجنة ، وهي درمكة بيضاء، فسألهم، فقالوا: هي خبزة يا أبا القاسم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الخبز من الدرمك ". (2)

















وروى أحمد والترمذي والدارمي عن أبي هريرة، قال: قلت: يا رسول الله، مم خلق الخلق ؟ قال:ٍ" من ماء". قلنا: الجنة ما بناؤها؟ قال : " لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، وملاطها المسك الأظفر، وحصباؤها الدر والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم ، ولا يبأس، ويخلد ولا يموت ، ولا يبلى ثيابهم ، ولا يفنى شبابهم ". (3)

















(1/39)


























--------------------------------

















(1) الدرمكة : واحدة الدرمك ، وهو الدقيق الحواري الخالص البياض .

















(2) انظر هذه الأحاديث في النهاية لابن كثير: (2/242).

















(3) مشكاة المصابيح: (3/89)، ورقمة : 5630، وقال محقق المشكاة: وله طرق وشواهد، وأورده في سلسلة الأحاديث الصحيحة.

















أنهار الجنة

















أخبرنا الله تبارك وتعالى بأن الجنة تجري من تحتها الأنهار، ( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) [ البقرة:25]وأحيانا يقول : تجري تحتهم الأنهار: ( أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار ) [ الكهف:31].

















وقد حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن أنهار الجنة حديثا واضحاً بينا ، ففي إسرائه صلوات الله وسلامه عليه:" رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها (1) نهران ظاهران ونهران باطنان ، فقلت: يا جبريل ، ما هذه الأنهار ؟ قال : ٍأما النهران الباطنان : فنهران في الجنة وأما الظاهران: فالنيل والفرات " . (2)

















وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " رفعت لي السدرة ،فإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران ، ونهران باطنان، فأما الظاهران : فالنيل والفرات ، وأما الباطنان: فنهران في الجنة". (3)

















وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة ". (4)

















" ولعل المراد من كون هذه الأنهار من الجنة أن أصلها منها كما أن أصل الإنسان من الجنة ،فلا ينافي الحديث ما هو معلوم مشاهد من أن هذه الأنهار تنبع من منابعها المعروفة في الأرض، فإذا لم يكن هذا هو المعنى أو ما يشبهه ، فالحديث من أمور الغيب التي يجب الإيمان بها، والتسليم للمخبر عنها ". (5)

















وقال القاري: " إنما جعل الأنهار الأربعة من أنهار الجنة، لما فيها من العذوبة والهضم، ولتضمنها البركة الإلهية، وتشرفها بورود الأنبياء إليها وشربهم منها ". (6)

















(1/40)


























ومن أنهار الجنة الكوثر الذي أعطاه الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنا أعطيناك الكوثر ) [ الكوثر:1]، وقد رآه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحدثنا عنه ، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " بينما أنا أسير في الجنة، إذ أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ، فإذا طيبه- أو طينه – مسك أذفر" شك هُدْبة. (7)

















وقد فسر ابن عباس الكوثر بالخير الكثير الذي أعطاه الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال أبو بشر لسعيد بن جبير راوي هذا التفسير عن ابن عباس: إن أناساً يزعمون أنه نهر في الجنة ، فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه. (8)

















وقد جمع الحافظ بن كثير الأحاديث التي أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها عن الكوثر ، فمن هذه الأحاديث ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس ، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين أنزلت عليه ( إنا أعطيناك الكوثر ) [ الكوثر:1] قال: " أتدرون ما الكوثر ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هو نهر وعدنيه الله عز وجل ، عليه خير كثير".

















وساق حديث أنس عند أحمد في مسنده عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: " أعطيت الكوثر ، فإذا نهر يجري على ظهر الأرض ، حافتاه قباب اللؤلؤ، ليس مسقوفاً ، فضربت بيدي إلى تربته ، فإذا تربته مسك أذفر ، وحصباؤه اللؤلؤ ".

















وفي رواية أخرى في المسند عن أنس يرفعه: " هو نهر أعطانيه الله في الجنة ، ترابه مسك ، ماؤه أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، ترده طيور أعناقها مثل أعناق الجزور".

















وقد ساق الحافظ ابن كثير روايات أخرى كثيرة في الموضوع فارجع إليه إن شئت المزيد. (9)

















وأنهار الجنة ليست ماء فحسب ، بل منها الماء ، ومنها اللبن ، ومنها الخمر ، ومنها العسل المصفى .

















(1/41)


























قال تعالى : ( مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ) [ محمد:15].

















وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح عن حكيم بن معاوية ( وهو جد بهز بن حكيم ) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن في الجنة بحر العسل ، وبحر الخمر ، وبحر اللبن ، وبحر الماء ، ثم تنشق الأنهار بعد ". (10)

















فأنهار الجنة تنشق من تلك البحار التي ذكرها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن نهر يسمى بارق يكون على باب الجنة، ويكون الشهداء في البرزخ عند هذا النهر، ففي مسند أحمد، ومعجم الطبراني، ومستدرك الحاكم عن ابن عباس بإسناد حسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الشهداء على بارق نهر بباب الجنة ، في قبة خضراء ،يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً ". (11)

















--------------------------------

















(1) الضمير عائد إلى سدرة المنتهى،كما دل على ذلك سياق بعض الأحاديث .

















(2) رواه مسلم في صحيحه ، كتاب الإيمان، باب الإسراء (1/150)، ورقم الحديث :164.

















(3) جامع الأصول : (10/507)،وقال المحقق: رواه البخاري تعليقا في الأشربة ، قال الحافظ في الفتح : وصله أبو عوانة والإسماعيلي والطبراني في (الصغير) من طريقه.

















(4) صحيح مسلم، كتاب الجنة ، باب ما في الدنيا من أنهار الجنة، (4/2183)، ورقم الحديث 2839 وعزاه الشيخ ناصر في سلسلة الأحاديث الصحيحة: (1/6) إلى مسلم وأحمد والآجري والخطيب.

















(5) سلسلة الأحاديث الصحيحة(1/18).

















(6) نقله عن الشيخ ناصر في تعليقه على مشكاة المصابيح : (3/80).

















(7) صحيح البخاري ، كتاب الرقاق ، باب في الحوض ، فتح الباري: (11/464) ، وهدبة أحد رواة الحديث .

















(8) صحيح البخاري ،كتاب الرقاق،باب في الحوض، فتح الباري : (11/463).

















(9) النهاية لابن كثير: (2/246).

















(1/42)


























(10) جامع الأصول : (10/507)، وقال المحقق: رواه الترمذي في صفة أنهار الجنة،ورواه أيضاً الدارمي ،وقال الترمذي : حديث حسن صحيح، وهو كما قال.

















(11) صحيح الجامع الصغير 3/235) ،ورقمه: 3636.

















عيون الجنة

















في الجنة عيون كثيرة مختلفة الطعوم والمشارب ( إن المتقين في جنات وعيون ) [ الحجر:45]، ( إن المتقين في ظلال وعيون ) [المرسلات:41]، وقال في وصف الجنتين اللتين أعدهما لمن خاف ربه ( فيهما عينان تجريان ) [ الرحمن:50]. وقال في وصف الجنتين اللتين دونهما ( فيهما عينان نضاختان ) [ الرحمن: 66].

















وفي الجنة عينان يشرب المقربون ماءها صرفاً غير مخلوط ، ويشرب منهما الأبرار الشراب مخلوطاً ممزوجاً بغيره.

















العين الأولى : عين الكافور قال تعالى : ( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً* عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ) [الإنسان : 5-6]. فقد أخبر أن الأبرار يشربون شرابهم ممزوجاً من عين الكافور ، بينما عباد الله يشربونها خالصاً.

















العين الثانية : عين التسنيم ، قال تعالىٍ : ( إن الأبرار لفي نعيم* على الأرائك ينظرون * تعرف في وجوههم نضرة النعيم * يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون * ومزاجه من تسنيم* عيناً يشرب بها المقربون ) [المطففين:22-28].

















ومن عيون الجنة عين تسمى السلسبيل ، قال تعالى : ( ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً * عيناً فيها تسمى سلسبيلاً ) [الإنسان:17-18]. ولعل هذه هي العين الأولى نفسها.

















قصور الجنة وخيامها

















(1/43)


























يبني الله لأهل الجنة في الجنة مساكن طيبة حسنة كما قال تعالى: ( ومساكن طيبة في جنات عدن ) [التوبة:72]. وقد سمى الله في مواضع من كتابه هذه المساكن بالغرفات ، قال تعالى: ( وهم في الغرفات آمنون ) [سبأ:37]، وقال في جزاء عباد الرحمن : ( أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما ) [الفرقان:75]، وقال تعالى واصفاً هذه الغرفات : ( لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد ) [الزمر:20].

















قال ابن كثير: " أخبر عز وجل عن عباده السعداء أن لهم غرفاً في الجنة وهي القصور أي الشاهقة ، ( من فوقها غرف مبنية ) [الزمر: 20]، طباق فوق طباق مبنيات محكمات مزخرفات عاليات.

















وقد وصف لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذه القصور ، ففي الحديث الذي يرويه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه عن أبي مالك الأشعري والترمذي عن عليٍّ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ،أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام ، وألان الكلام ، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام ". (1)

















وقد أخبرنا الحق تبارك وتعالى أن في الجنة خياماً ، قال تعالى: ( حور مقصورات في الخيام ) [ الرحمن:72].

















وهذه الخيام خيام عجيبة، فهي من لؤلؤ، بل هي من لؤلؤة واحدة مجوفة ،طولها في السماء ستون ميلاً ، وفي بعض الروايات عرضها ستون ميلاً ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن قيس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ثلاثون ميلاً، في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون"، قال أبو عبد الصمد والحارث عن أبي عمران :"ستون ميلاً ". (2)

















(1/44)


























ورواه مسلم عن عبد الله بن قيس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة ، طولها ستون ميلاً ٍ،للمؤمن فيها أهلون ، يطوف عليهم المؤمن ، فلا يرى بعضهم بعضاً ".

















وفي رواية عند مسلم : " في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل، ما يرون الآخرين ، يطوف عليهم المؤمن" . (3)

















وقد أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن صفات قصور بعض أزواجه وبعض أصحابه ، ففي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة،قال: أتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:" يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معا إناء فيه إدام وطعام ، فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب". (4)

















وفي صحيح البخاري ومسلم عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وسمعت خشفة ، فقلت: من هذا ؟ فقال: هذا بلال ، ورأيت قصراً بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا؟ فقالوا : لعمر بن الخطاب ، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك " ، فقال عمر : بأبي أنت وأمي يا رسول الله : أعليك أغار؟ ". (5)

















وقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالطريق الذي يحصل به المؤمن على مزيد من البيوت في الجنة ، فالذي يبني لله مسجداً يبني الله له بيتاً في الجنة، ففي مسند أحمد عن ابن عباس بإسناد صحيح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: " من بنى لله مسجداً ، ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتاً في الجنة ". (6)

















وفي مسند أحمد وصحيحي البخاري ومسلم وسنن الترمذي وسنن ابن ماجة عن عثمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من بنى مسجداً ،يبتغي به وجه الله ، بنى الله له مثله في الجنة ". (7)

















(1/45)


























وفي صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن أبي داود ، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجة عن أم حبيبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من صلى في اليوم والليلة اثنتي عشرة ركعة تطوعاً، بنى الله له بيتاً في الجنة ". (8)

















--------------------------------

















(1) صحيح الجامع الصغير: (2/220) ،ورقمه: 2119.

















(2) صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب صفة الجنة ، فتح الباري 6/318).

















(3) رواه مسلم كتاب الجنة ، باب في صفة خيام الجنة4/2182) ورقمه: 2838.

















(4) مشكاة المصابيح: (3/266).

















(5) مشكاة المصابيح : (3/226).

















(6) صحيح الجامع الصغير: (5/265)، ورقم الحديث: 6005.

















(7) صحيح الجامع 5/316) ، ورقمه 6234 .

















(8) صحيح الجامع : ( 5/316)، ورقمه : 6234.

















نور الجنة

















قال القرطبي: " قال العلماء : ليس في الجنة ليل ونهار ، وإنما هم في نور دائم أبداً ، وإنما يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب ، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب ، ذكره أبو الفرج بن الجوزي . (1)

















قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا * تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً ([مريم:62-63]: " أي في مثل وقت البكرات ووقت العشيات ، لا أن هناك ليلاً ونهاراً، ولكنهم في ٍأوقات تتعاقب يعرفون مضيها بأضواء وأنوار ". (2)

















ويقول ابن تيمية في هذا الموضوع:" والجنة ليس فيها شمس ولا قمر، ولا ليل ولا نهار ، لكن تعرف البكرة والعشية بنور يظهر من قِبل العرش ". (3)

















--------------------------------

















(1) التذكرة للقرطبي : ص504 .

















(2) تفسير ابن كثير: (4/471).

















(3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: ٍ(4/312).

















ريح الجنة

















(1/46)


























للجنة رائحة عبقية زكية تملأ جنباتها ،وهذه الرائحة يجدها المؤمنون من مسافات شاسعة ، ففي مسند أحمد وسنن النسائي وابن ماجة ومستدرك الحاكم بإسناد صحيح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: " من قتل رجلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة ،وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً ". (1)

















وفي صحيح البخاري ومسند أحمد ،وسنن النسائي،وسنن ابن ماجة عن عبد الله بن عمرو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: " من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً ". (2)

















--------------------------------

















(1) صحيح الجامع الصغير: (5/335)،ورقم الحديث : 6324.

















(2) صحيح الجامع 5/337) ،ورقم الحديث : 6333. وهو في صحيح البخاري برقم : 3166 .

















أشجار الجنة وثمارها

















المطلب الأول

















أشجارها وثمارها كثيرة متنوعة دائمة

















أشجار الجنة كثيرة طيبة متنوعة ،وقد أخبرنا الحق أن في الجنة أشجار العنب والنخل والرمان ، كما فيها أشجار السدر والطلح، ( إن للمتقين مفازاً * حدائق وأعناباً ) [النبأ:31-32] ، ( فيها فاكهة ونخل ورمان ) [ الرحمن ٍ:68]، ( وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين* في سدر مخضود *وطلح منضود * وظل ممدود * وماء مسكوب * وفاكهة كثيرة ) [الواقعة:27-32] ، و السدر هو شجر النبق الشائك ، ولكنه في الجنة مخضود شوكه ، أي منزوع. والطلح: شجر من شجر الحجاز من نوع العضاه فيه شوك، ولكنه في الجنة منضود معد للتناول بلا كد ولا مشقة .

















(1/47)


























وهذا الذي ذكره القرآن من أشجار الجنان شيء قليل مما تحويه تلك الجنان ، ولذا قال الحق : ( فيهما من كل فاكهة زوجان ) [الرحمن: 52]، ولكثرتها فإن أهلها يدعون منها بما يريدون، ويتخيرون منها ما يشتهون ( يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب ) [ص:51]، ( وفاكهة مما يتخيرون ) [ الواقعة:20]، ( إن المتقين في ظلال وعيون* وفواكه مما يشتهون ) [ المرسلات:41-42]، وبالجملة فإن في الجنة من أنواع الثمار والنعيم كل ما تشتهيه النفوس وتلذه العيون ( يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ) [ الزخرف:71].

















وقال ابن كثير كلاماً لطيفاً دلل فيه على عظيم ثمار الجنة ، إذ استنتج أن الله نبه بالقليل على الكثير ، والهين على العظيم عندما ذكر السدر والطلح ، قال: " وإذا كان السدر الذي في الدنيا لا يثمر إلا ثمرة ضعيفة وهو النبق، وشوكه كثير، والطلح الذي لا يراد منه في الدنيا إلا الظل ، يكونان في الجنة في غاية من كثرة الثمار وحسنها، حتى إن الثمرة الواحدة منها تتفتق عن سبعين نوعاً من الطعوم، والألوان، التي يشبه بعضها بعضاً ، فما ظنك بثمار الأشجار، التي تكون في الدنيا حسنة الثمار ، كالتفاح، والنخل ، والعنب ، وغير ذلك؟ وما ظنك بأنواع الرياحين، والأزاهير؟ وبالجملة فإن فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله منها من فضله ". (1)

















(1/48)


























وأشجار الجنة دائمة العطاء ،فهي ليست كأشجار الدنيا تعطي في وقت دون وقت ، وفصل دون فصل، بل هي دائمة الإثمار والظلال (مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها ) [ الرعد: 35] ( وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة ) [الواقعة:32-33].أي دائمة مستمرة ، وهي مع دوامها لا يمنع عنها أهل الجنة . ومن لطائف ما يجده أهل الجنة عندما تأتيهم ثمارها أنهم يجدونها تتشابه في المظهر، ولكنها تختلف في المخبر، ( كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا به من قبل وأتوا به متشابهاً ) [ البقرة:25].

















وأشجار الجنة ذات فروع وأغصان باسقة نامية ( ولمن خاف مقام ربه جنتان * فبأي آلاء ربكما تكذبان * ذواتا أفنان ) [ الرحمن:46-48]، وهي شديدة الخضرة : ( ومن دونهما جنتان * فبأي آلاء ربكما تكذبان* مدهامتان ) [ الرحمن :62-64]، ولا توصف الجنة بأنها مدهامة إلا إذا كانت أشجارها مائلة إلى السواد من شدة خضرتها، واشتباك أشجارها.

















أما ثمار تلك الأشجار فإنها قريبة دانية مذللة ينالها أهل الجنة بيسر وسهولة ، ( متكئين على فرش بطائنها من استبرق وجنى الجنتين دان ) [الرحمن:54]، ( وذللت قطوفها تذليلاً ) [الإنسان:14].

















أما ظلها فكما قال تعالى: ( وندخلهم ظلاً ظليلاً ) [النساء:57]، و ( وظل ممدود ) [الواقعة:30]، ( إن المتقين في ظلال وعيون ) [المرسلات:41].

















المطلب الثاني

















وصف بعض شجر الجنة

















حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن بعض شجر الجنة حديثاً عجباً ينبيك عن خلق بديع هائل يسبح الخيال في تقديره والتعرف عليه طويلاً، ونحن نسوق لك بعض ما حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - به .

















1- الشجرة التي يسير الراكب في ظلها مائة عام :

















(1/49)


























هذه شجرة هائلة لا يقدر قدرها إلا الذي خلقها ، وقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - عظم هذه الشجرة بأن أخبر أن الراكب لفرس من الخيل التي تعد للسباق يحتاج إلى مائة عام حتى يقطعها إذا سار بأقصى ما يمكنه ، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " إن في الجنة لشجرة (2) يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام وما يقطعها ". (3)

















وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : " إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ، واقرؤوا إن شئتم : ( وظل ممدود ) [الواقعة : 30] ". (4)

















ورواه مسلم عن أبي هريرة وسهل بن سعد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال :" إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها ". (5)

















2- سدرة المنتهى :

















وهذه الشجرة ذكرها الحق في محكم التنزيل ، وأخبر الحق أن رسولنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها عندها ، وأن هذه الشجرة عند جنة المأوى ، كما أعلمنا أنه قد غشيها ما غشيها مما لا يعلمه إلا الله عندما رآها الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( ولقد رآها نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى* ما زاغ البصر وما طغى ) [النجم:13-17].

















وقد أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الشجرة بشيء مما رآه " ثم رفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة. قال: (أي جبريل) هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار،نهران باطنان، ونهران ظاهران، قلت : ما هذان يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات ". رواه البخاري ومسلم. (6)

















(1/50)


























وفي الصحيحين أيضاً: " ثم انطلق بي حتى انتهى إلى سدرة المنتهى، ونبقها مثل قلال هجر، وورقها مثل آذان الفيلة، تكاد الورقة تغطي هذه الأمة ، فغشيها ألوان لا أدري ما هي ، ثم أدخلت الجنة ،فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك ". (7)

















3- شجرة طوبى :

















وهذه شجرة عظيمة كبيرة تصنع ثياب أهل الجنة ، ففي مسند أحمد، وتفسير ابن جرير ،وصحيح ابن حبان عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " طوبى شجرة في الجنة ، مسيرة مائة عام ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها ". (8)

















وقد دل على أن ثياب أهل الجنة تشقق عنها ثمار الجنة – الحديث الذي يرويه أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ، أخبرنا عن ثياب أهل الجنة خلقاً تخلق ، أمن نسجاً تنسج؟ فضحك بعض القوم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" ومم تضحكون ، من جاهل سأل عالماً؟ ثم أكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: أين السائل؟ قال : هو ذا أنا يا رسول الله ، قال: " لا بل تشقق عنها ثمر الجنة ، ثلاث مرات ". (9)

















المطلب الثالث

















سيد ريحان الجنة

















أخبرنا الله أن في الجنة ريحاناً ( فأما إن كان من المقربين* فروح وريحان وجنة نعيم ) [ الواقعة:88-89] ، وأخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن سيد ريحان أهل الجنة الحناء ، ففي معجم الطبراني الكبير بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " سيد ريحان الجنة الحناء ". (10)

















المطلب الرابع

















سيقان أشجار الجنة من ذهب

















ومن عجب ما أخبرنا به الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن سيقان أشجار الجنة من ذهب ، ففي سنن الترمذي ،وصحيح ابن حبان ، سنن البيهقي ، بإسناد صحيح ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب ". (11)

















المطلب الخامس

















(1/51)


























كيف يكثر المؤمن حظه من أشجار الجنة ؟

















طلب خليل الرحمن أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام من نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في ليلة الإسراء أن يبلغ أمته السلام وأن يخبرهم بالطريقة التي يستطيعون بها تكثير حظهم من أشجار الجنة ، فقد روى الترمذي بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لقيت إبراهيم ليلة أسري بي ، فقال: يا محمد ، أقرئ أمتك أن الجنة أرض طيبة التربة ، عذبة الماء ، وأنها قيعان ،وأن غراسها سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ". (12)

















--------------------------------

















(1) النهاية لابن كثير: (2/262) .

















(2) في صحيح مسلم : شجرة .

















(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة ، فتح الباري : (11/416)، ورواه مسلم في كتاب الجنة باب إن في الجنة شجرة: (2/2176)، ورقم الحديث:2828 .

















(4) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق ، باب ما جاء في صفة الجنة ، فتح الباري : (6/319) .

















(5) رواه مسلم في كتاب الجنة ، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام (2/2175) ، ورقم الحديث : 2826 ، 2827 .

















(6) صحيح الجامع الصغير: (3/18)، ورقمة:2861، وعزاه إلى البخاري ومسلم وأحمد والترمذي.

















(7) صحيح الجامع الصغير: (4/82)، وعزاه إلى البخاري ومسلم ورقمه: 4075 .

















(8) سلسلة الأحاديث الصحيحة: (4/639)، ورقم الحديث : 1985، والحديث إسناده حسن.

















(9) المصدر السابق : (4/640).

















(10) سلسلة الأحاديث الصحيحة: (3/407)، ورقمه: 1420 .

















(11) صحيح الجامع الصغير: (5/150)، قال ابن كثير في النهاية: (2/254)،رواه الترمذي:وقال: حسن صحيح.

















(12) صحيح الجامع الصغير: (5/34) ، ورقم الحديث : 5028.

















دواب الجنة وطورها

















(1/52)


























في الجنة من الطيور والدواب مالا يعلمه إلا الله تعالى ، قال تعالى فيما يناله أهل الجنة من النعيم ( ولحم طير مما يشتهون * وحور عين ) [الواقعة : 21-22]، وفي سنن الترمذي عن أنس قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما الكوثر ؟ قال : "ذاك نهر أعطانيه الله – يعني في الجنة – أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طير أعناقها كأعناق الجزر (1) ". قال عمر: إن هذه لناعمة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أكلتها أنعم منها ". (2)

















وأخرج أبو نعيم في الحلية، والحاكم في مستدركه عن ابن مسعود قال: "جاء رجل بناقة مخطومة، فقال: يا رسول الله هذه الناقة في سبيل الله. فقال: " لك بها سبعمائة ناقة مخطومة (3) في الجنة ". وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، ووافقهما الشيخ ناصر الدين الألباني (4) . ورواه مسلم في صحيحه عن أبي مسعود الأنصاري، قال: جاء رجل بناقة مخطومة، فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة ". (5)

















--------------------------------

















(1) الجزر :الجمال .

















(2) مشكاة المصابيح : (2/91)، قال المحقق: رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، قلت (الشيخ ناصر): سنده حسن.

















(3) مخطومة : فيها خطام وهو قريب من الزمام.

















(4) سلسلة الأحاديث الصحيحة: (2/228)، ورقم الحديث : 634.

















(5) صحيح مسلم : 1892.

















أصحاب الجنة

















الأعمال التي التحقوا بها الجنة

















أصحاب الجنة هم المؤمنون الموحدون، فكل من أشرك بالله أو كفر به، أو كذب بأصل من أصول الإيمان فإنه يحرم من الجنان، ويكون في النيران.

















والقرآن يذكر كثيراً أن أصحاب الجنة هم المؤمنون الذين يعملون الصالحات، وفي بعض الأحيان يفصل الأعمال الصالحة التي يستحق بها صاجها الجنة.

















(1/53)


























ومن المواضع التي نص القرآن على استحقاق أهل الجنة الجنة بالإيمان والأعمال الصالحة قوله تعالى: ( وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنت تجرى من تحتها الأنهر كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشبها ولهم فيها أزوج مطهرة وهم فيها خالدون ) [البقرة : 25]. وقوله : ( والذين ءامنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزوج مطهرة وندخلهم ظلاً ظليلا ) [النساء: 57]، وقوله : ( والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفساً إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) [الأعراف : 42] ، وقوله: ( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ) [ التوبة : 72] ، وقوله : ( إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجرى من تحتهم الأنهار في جنات النعيم * دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وءاخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) [يونس : 9-10].

















وقوله تعالى: ( أولئك لهم جنات عدن تجرى من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا ) [الكهف : 31].

















وقوله تعالى : ( ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى * جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى ) [طه : 75-86].

















وفي بعض الأحيان يذكر أنهم استحقوا الجنة لتحقيقهم أمراً من أمور الإيمان أو عملاً صالحاً، وقد يفصل في الأعمال الصالحة، ويطيل في ذلك.

















ففي بعض الأحيان يذكر أنهم استحقوا الجنة بالإيمان والإسلام ( يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون * الذين ءامنوا بئاياتنا وكانوا مسلمين * أدخلوا الجنة أنتم وأزوجكم تحبرون ) [الزخرف:68-70].

















(1/54)


























وأحياناً يذكر أنهم استحقوها لأنهم أخلصوا دينهم لله : ( إلا عباد الله المخلصين * أولئك لهم رزق معلوم * فواكه وهم مكرمون * في جنات النعيم ) [ الصافات : 40-43].

















وأحياناً يذكر استحقاقهم لها لقوة ارتباطهم بالله ورغبتهم إليه وعبادتهم له ( إنما يؤمن بئاياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون * تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) [السجدة : 15-18] .

















ومن الأعمال الصبر والتوكل : ( والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفاً تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين * الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ) [ العنكبوت : 58-59].

















ومنها الاستقامة على الإيمان : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ) [ الأحقاف : 13-14]، ومنها الإخبات إلى الله تعالى : ( إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خلدون ) [ هود : 23]، ومن ذلك الخوف من الله: ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) [ الرحمن : 46]. ومن ذلك بغض الكفرة المشركين، وعدم موادتهم ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو إخونهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه ) [ المجادلة : 22].

















(1/55)


























وفي بعض الأحيان تفصل الآيات في ذكر الأعمال الصالحة التي يستحق بها أصحابها الجنة تفصيلاً كثيراً، فذكر في سورة الرعد أنهم استحقوها باعتقادهم أن ما أنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الحق، وبوفائهم بالعهود، وعدم نقضهم الميثاق، ووصلهم ما أمر الله بوصله، وخشيتهم لله، وخوفهم من سوء الحساب، وصبرهم لله ، وإقام الصلاة، والإنفاق سراً وعلانية، ودرئهم بالحسنة السيئة ( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يذكر أولوا الألباب* الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق* والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب * والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار * جنت عدن يدخلونها ومن صلح من ءابائهم و أزواجهم وذريتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) [ الرعد: 19-24]

















وفي مطلع سورة المؤمنين حكم أن الفلاح إنما هو للمؤمنين ، ثم بين الأعمال التي تؤهلهم للفلاح ، وأعلمنا أن فلاحهم إنما يكون بإدخالهم الفردوس خالدين فيها أبداً. ( قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكاة فاعلون * والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون * والذين هم لأمنتهم وعهدهم راعون * والذين هم على صلاتهم يحافظون * أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خلدون ) [المؤمنون: 1 – 11].

















(1/56)


























وقد حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ثلاثة أعمال عظيمة يستحق بها أصحابها الجنة ، فقد روى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم في خطبته : "... وأهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال ". (1)

















--------------------------------

















(1) رواه مسلم، انظر شرح النووي على مسلم : (17/198).

















طريق الجنة شاق

















الجنة درجة عالية، والصعود إلى العلياء يحتاج إلى جهد كبير، وطريق الجنة فيه مخالفة لأهواء النفوس ومحبوباتها، وهذا يحتاج إلى عزيمة ماضية، وإرادة قوية، ففي الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره " ولمسلم حفت بدل حجبت . (1)

















وفي سنن النسائي والترمذي وأبي داود عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فحفها بالمكاره، فقال: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد ". (2)

















وقد علق النووي في " شرحه على مسلم " على الحديث الأول قائلاً: "هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التي أوتيها - صلى الله عليه وسلم - من التمثيل الحسن، ومعناه لا يوصل الجنة إلا بارتكاب المكاره، والنار بالشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات، فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد في العبادة، والمواظبة عليها، والصبر على مشاقها، وكظم الغيظ، والعفو، والحلم، والصدقة، والإحسان إلى المسيء ، والصبر عن الشهوات، ونحو ذلك ". (3)

















--------------------------------

















(1/57)


























(1) جامع الأصول: (10/521) ورقمه : 8069 .

















(2) جامع الأصول : (10/520) ، ورقمه : 8068 ، وقال الترمذي فيه: حديث حسن صحيح غريب.

















(3) شرح النووي على مسلم : (17/165).

















أهل الجنة يرثون نصيب أهل النار في الجنة

















جعل الله لكل واحد من بني آدم منزلين: منزلاً في الجنة، ومنزلاً في النار، ثم إن من كتب له الشقاوة من أهل الكفر والشرك يرثون منازل أهل الجنة التي كانت لهم في النار، والذين كتب لهم السعادة من أهل الجنة يرثون منازل أهل النار التي كانت لهم في الجنة، قال تعالى في حق المؤمنين المفلحين بعد أن ذكر أعمالهم التي تدخلهم الجنة: ( أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خلدون ) [ المؤمنون : 10-11].

















قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " قال ابن أبي حاتم – وساق الإسناد إلى أبي هريرة رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما منكم من أحد إلا وله منزلان: منزل في الجنة ، ومنزل في النار، فأما المؤمن فيبني بيته الذي في الجنة، ويهدم بيته الذي في النار ".

















(1/58)


























وروى عن سعيد بن جبير نحو ذلك، فالمؤمنون يرثون منازل الكفار، لأنهم خلقوا لعبادة الله وحده لا شريك له، فلما قام هؤلاء بما وجب عليهم من العبادة، وترك أولئك ما أمروا به مما خلقوا له، أحرز هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل ، بل أبلغ من هذا أيضاً، وهو ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يجيء ناس يوم القيامة من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، ويضعها على اليهود والنصارى" وفي لفظ له: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا كان يوم القيامة دفع الله لكل مسلم يهودياً أو نصرانياً، فيقال: هذا فكاكك من النار" . وهذا الحديث كقوله تعلى: ( تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ) [مريم: 63]، وقوله : ( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ) [الزخرف: 72]. فهم يرثون نصيب الكفار في الجنان . (1)

















--------------------------------

















(1) تفسير ابن كثير : (5/10).

















الضعفاء أكثر أهل الجنة

















أكثر من يدخل الجنة الضعفاء الذين لا يأبه الناس لهم، ولكنهم عند الله عظماء، لإخباتهم لربهم، وتذللهم له، وقيامهم بحق العبودية لله، روى البخاري ومسلم عن حارثة بن وهب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أخبركم بأهل الجنة؟ قالوا : بلي ، قال : كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره ". (1)

















قال النووي في شرحه للحديث: " ومعناه يستضعفه الناس، ويحتقرونه، ويتجبرون عليه، لضعف حاله في الدنيا، والمراد أن أغلب أهل الجنة هؤلاء ... وليس المراد الاستيعاب ". (2)

















وفي الصحيحين ومسند أحمد عن أسامة بن زيد، قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء ". (3)

















(1/59)


























وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اطلعت في الجنة ، فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء ". (4)

















--------------------------------

















(1) جامع الأصول: (10/535).

















(2) النووي على مسلم: (17/187) .

















(3) مشكاة المصابيح : (2/663)، ورقمه : 5233.

















(4) مشكاة المصابيح ) 2/663)، ورقمه : 5234.

















هل الرجال أكثر في الجنة أم النساء ؟

















تخاصم الرجال والنساء في هذا والصحابة أحياء ، ففي صحيح مسلم عن ابن سيرين قال: اختصم الرجال والنساء: أيهم أكثر في الجنة ؟ وفي رواية : إما تفاخروا ، وإما تذاكروا : الرجال في الجنة أكثر أم النساء ؟ فسألوا أبا هريرة ، فاحتج أبو هريرة على أن النساء في الجنة أكثر بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والتي تليها على أضوأ كوكب دري في السماء ، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان ، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم ، وما في الجنة أعزب ". (1)

















والحديث واضح الدلالة على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال، وقد احتج بعضهم على أن الرجال أكثر بحديث: "رأيتكن أكثر أهل النار ". والجواب أنه لا يلزم من كونهن أكثر أهل النار أن يكن أقل ساكني الجنة كما يقول ابن حجر العسقلاني (2) ، فيكون الجمع بين الحديثين أن النساء أكثر أهل النار وأكثر أهل الجنة، وبذلك يكن أكثر من الرجال وجوداً في الخلق . ويمكن أن يقال: إن حديث أبي هريرة يدل على أن نوع النساء في الجنة أكثر سواء كن من نساء الدنيا أو من الحور العين، والسؤال هو : أيهما أكثر في الجنة : رجال أهل الدنيا أم نساؤها ؟ وقد وفق القرطبي بين النصين بأن النساء يكن أكثر أهل النار قبل الشفاعة وخروج عصاة الموحدين من النار، فإذا خرجوا منها بشفاعة الشافعين ورحمة أرحم الراحمين كن أكثر أهل الجنة . (3)

















(1/60)


























ويدل على قلة النساء في الجنة ما رواه أحمد وأبو يعلى عن عمرو بن العاص قال: "بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشعب إذ قال: انظروا هل ترون شيئا؟ فقلنا: نرى غرباناً فيها غراب أعصم، أحمر المنقار والرجلين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يدخل الجنة من النساء إلا من كان منهن مثل هذا الغراب في الغربان ". (4)

















--------------------------------

















(1) صحيح مسلم، كتاب الجنة باب أول زمرة تدخل الجنة (4/2179)، ورقم الحديث: 2834.

















(2) فتح الباري : (6/325).

















(3) راجع التذكرة للقرطبي : ص 475 .

















(4) سلسلة الأحاديث الصحيحة : (4/466)، ورقمه : 1851، وصحح الشيخ ناصر إسناده.

















الذين توفوا قبل التكليف

















المطلب الأول

















أطفال المؤمنين

















أطفال المؤمنين الذين لم يبلغوا الحلم هم في الجنة إن شاء الله تعالى بفضل الله ورحمته. قال تعالى : ( والذين ءامنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين ) [الطور : 21].

















واستدل علي بن أبي طالب بقوله تعالى: ( كل نفس بما كسبت رهينة ) [المدثر : 38] . على أن أطفال المؤمنين في الجنة، لأنهم لم يكتسبوا فيرتهنوا بكسبهم . (1)

















وقد عقد البخاري في صحيحه باباً عنون له بقوله: " باب فضل من مات له ولد فاحتسب ". وساق فيه حديث أنس رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما من الناس مسلم يتوفي له ثلاث لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم ". وحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النساء قلن للنبي - صلى الله عليه وسلم - : اجعل لنا يوماً، فوعظهن، وقال:" أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا لها حجاباً من النار. قالت امرأة: واثنان؟ قال: واثنان ". (2)

















(1/61)


























وعقد باباً آخر عنوانه : " باب ما قيل في أولاد المشركين " وساق فيه حديث أنس السابق، وحديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حجاباً من النار أو دخل الجنة ". وحديث البراء رضي الله عنه قال: " لما توفى إبراهيم عليه السلام قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن له مرضعاً في الجنة ". (3)

















ووجه الدلالة في الأحاديث التي ساقها البخاري على أن أطفال المؤمنين في الجنة – كما يقول – ابن حجر - : " إن من يكون سبباً في حجب النار عن أبوبه أولى بأن يحجب هو. لأنه أصل الرحمة وسببها ". (4)

















وقد جاءت نصوص صريحة في إدخال ذرية المؤمنين الجنة، فمن ذلك حديث علي مرفوعاً عند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند : " إن المسلمين وأولادهم في الجنة ". (5)

















وحديث أبي هريرة عند أحمد في مسنده مرفوعاً: " ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله وإياهم بفضل رحمته الجنة ". (6)

















وروى مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صغارهم دعاميص (7) الجنة، يتلقى أحدهم أباه أو قال: أبويه، فيأخذ بثوبه، أو قال بيده، كما آخذ أنا بصنفه ثوبك هذا ، فلا يتناهى، أو قال: فلا ينتهي حتى يدخله الله وإياه الجنة ". (8)

















وروى الإمام أحمد، وابن حبان، والحاكم عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ذراري المسلمين في الجنة يكفلهم إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ". (9)

















وروى أبو نعيم في أخبار أصبهان، والديلمي، وابن عساكر عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أطفال المؤمنين في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة، حتى يدفعوهم إلى آبائهم يوم القيامة ". (10)

















وقد نقل النووي إجماع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين في الجنة، ونقل عنه أنه توقف بعضهم في ذلك . (11)

















(1/62)


























وحكى القرطبي التوقف عن حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وإسحاق ابن راهويه . (12)

















قال النووي: "توقف فيه بعضهم لحديث عائشة، يعني الذي أخرجه مسلم بلفظ: " توفي صبي من الأنصار، فقلت: طوبى له لم يعمل سوءاً ولم يدركه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أغير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلاً...".

















قال : " والجواب عنه أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير دليل ، أو قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة ". (13)

















أقول: لعل الصواب أن الحديث يسير إلى أنه لا يجوز أن نجزم لواحد بعينه أنه من أهل الجنة، وإن كنا نشهد لهم مطلقاً بالجنة. والأمر الثاني هو عدم الهجوم على ذلك كي لا يتجرأ الناس على مثل هذا كما هو حاصل في زماننا، إذ يزعم نعاة الموتى أن ميتهم في الجنة، وإن كان أفسق الناس.

















يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: " لا يشهد لكل معين من أطفال المؤمنين بأنه في الجنة، وإن شهد لهم مطلقاً ". (14)

















المطلب الثاني

















أطفال المشركين

















بوب البخاري في صحيحه باباً بعنوان "باب ما قيل في أولاد المشركين" وأورد فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أولاد المشركين، فقال: الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين".

















وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذراري المشركين، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين ".

















وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء ". (15)

















(1/63)


























والبخاري رحمه الله تعالى – كما يقول ابن حجر – أشعر بهذه الترجمة أنه كان متوقفاً في أولاد المشركين، وقد جزم بعد هذا في تفسير سورة الروم من صحيحه بما يدل على اختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة ، وقد رتب أيضاً أحاديث هذا الباب ترتيباً يشير إلى المذهب المختار ، فإنه صدره بالحديث الدال على التوقف، ثم ثنى بالحديث المرجح لكونهم في الجنة ، ثم ثلث بالحديث المصرح بذلك في قوله في سياقه: " وأما الصبيان حوله فأولاد الناس " قد أخرجه البخاري في التعبير بلفظ: " وأما الولدان الذين حوله فكل مولود يولد على الفطرة ، فقال بعض المسلمين : وأولاد المشركين ؟ فقال : وأولاد المشركين ". (16)

















قال ابن حجر : ويؤيده ما رواه أبو يعلى من حديث أنس مرفوعاً " سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم" إسناده حسن ، وورد تفسير " اللاهين " بأنهم الأطفال من حديث ابن عباس مرفوعاً أخرجه البزار. وأخرج أحمد من طريق خنساء بنت معاوية بن صريم عن عمتها قالت: " قلت: يا رسول الله، من في الجنة؟ قال : النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة ". وإسناده حسن . (17)

















واحتجوا أيضاً بقوله - صلى الله عليه وسلم - : " أطفال المشركين خدم أهل الجنة " رواه ابن منده في المعرفة، وأبو نعيم في الحلية، وأبو يعلى في مسنده، وحكم عليه الشيخ ناصر الدين الألباني بالصحة بمجموع طرقه . (18)

















والقول بأنهم في الجنة هو قول جمع من أهل العلم، وهو اختيار أبي الفرج بن الجوزي (19) ، وقال النووي في هذا المذهب: "وهو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون لقوله تعالى: ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [ الإسراء: 15)، واحتج بالأدلة التي ساقها البخاري وغيره ". (20)

















(1/64)


























وأقول: وهذا القول هو الذي رجحه القرطبي أيضاً وقد وفق القرطبي بين النصوص التي يظهر منها التعارض في هذا الموضوع بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - : قال في أول الأمر هم مع آبائهم أي في النار، ثم حصل منه توقف في ذلك، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم أوحى إليه أنه لا يعذب أحد بذنب غيره ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) [الإسراء: 15]، فحكم بأنهم في الجنة (21) ، وذكر في ذلك حديثاً رواه عبد الرزاق، ولكن الحديث ضعيف كما قال ابن حجر العسقلاني . (22)

















ويشكل على هذا التوفيق الذي ذكره ابن حجر أن المسألة ليست من مسائل النظر والاجتهاد ، ولكنها مسألة غيبية لا يتكلم فيها إلا بوحي ، والله أعلم .

















وقد يشكل على القول بأن أولاد المؤمنين والمشركين في الجنة ما ورد من نصوص دالة علي أن الله علم أهل الجنة والنار أزلاً، وأن الملك عندما يزور الرحم يكتب رزق الجنين وأجله وشقاءه وسعادته، وقد يقال في الجواب: إن من مات صغيراً قبل الاكتساب فإنه يكون مكتوباً من السعداء وهو في بطن أمه، والله أعلم بالصواب.

















وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أنهم في مشيئة الله تعالى، وهذا منقول عن حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وابن المبارك، وإسحاق ، ونقله البيهقي في " الاعتقاد " عن الشافعي في حق أولاد الكفار خاصة، قال ابن عبد البر: وهو مقتضى صنيع مالك، وليس عنده في هذا شيء منصوص، إلا أن أصحابه صرحوا بأن أطفال المسلمين في الجنة وأطفال الكفار خاصة في المشيئة، والحجة فيه حديث: " الله أعلم بما كانوا عاملين ". (23)

















(1/65)


























وهذا القول حكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة (24) ، وهو اختيار شيخ الإسلام، فقد اختار أن أطفال المشركين في مشيئة الله ، وأنهم يمتحنون في يوم القيامة، وعزا القول بذلك إلى أبي الحسن الأشعري والإمام أحمد، قال شيخ الإسلام: "والصواب أن يقال فيهم: الله أعلم بما كانوا عاملين، ولا يحكم لمعين منهم بجنة ولا نار، وقد جاء في عدة أحاديث أنهم يوم القيامة يمتحنون في عرصات القيامة يؤمرون وينهون، فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، وهذا هو الذي ذكره أبو المحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة . (25)

















وقال في موضع آخر : "أطفال المشركين الذين لم يكلفوا في الدنيا يكلفون في الآخرة، كما وردت بذلك أحاديث متعددة، وهو القول الذي حكاه أبو الحسن الأشعري في أطفال المشركين، كما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه سئل عنهم فقال : " الله أعلم بما كانوا عاملين ". (26)

















وقد ذكر ابن حجر أنهم يمتحنون في الآخرة بأن ترفع لهم نار، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن أبى عذب ، أخرجه البزار من حديث أنس وأبي سعيد، وأخرجه الطبراني من حديث معاذ بن جبل، وقد صحت مسألة الامتحان في حق المجنون، ومن في الفترة من طرق صحيحة، وحكى البيهقي في " كتاب الاعتقاد " أنه المذهب الصحيح . (27)

















ويدل لصحة هذا القول ما ورد في محكم القرآن في قصة العبد الصالح الذي رحل نبي الله موسى إلى لقائه في مجمع البحرين، فإنه قال مبيناً السر في قتله الغلام: ( وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيناً وكفرا ) [ الكهف : 80]، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : في الغلام الذي قتله الخضر: " طبع يوم طبع كافراً، ولو ترك لأرهق أبويه طغياناً وكفراً " قال ابن تيمية معقباً على الحديث: " يعني طبعه الله في أم الكتاب، أي أثبته وكتبه كافراً، أي أنه إن عاش كفر بالفعل ".

















(1/66)


























وقد ضعف القرطبي هذا المذهب محتجاً بأن الآخرة دار جزاء لا ابتلاء، ففي " التذكرة " قال المؤلف (يعني نفسه): "ويضعفه (القول بامتحانهم في عرصات القيامة) من جهة المعنى أن الآخرة ليست بدار تكليف، وإنما هي دار جزاء: ثواب ، وقال الحليمي: وهذا الحديث ليس بثابت، وهو مخالف لأصول المسلمين، لأن الآخرة ليست بدار امتحان، فإن المعرفة بالله تعالى فيها تكون ضرورة، ولا محنة مع الضرورة ". (28)

















وهذا الذي اعترض به من أن التكليف ينقطع بالموت غير صحيح، وقد رد على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: " التكليف إنما ينقطع بدخول دار الجزاء وهي الجنة والنار، وأما عرصات القيامة فيمتحنون فيها كما يمتحنون في البرزخ ، فيقال لأحدهم : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك ؟ وقال تعالى: ( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ) [ القلم : 42] ، وقد ثبت في الصحيح من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يتجلى الله لعباده في الموقف، إذا قيل ليتبع كل قوم ما كانوا يعبدون، فيتبع المشركون آلهتهم، ويبقى المؤمنون، فيتجلى لهم الرب الحق في غير الصورة التي كانوا يعرفون، فينكرونه، ثم يتجلى لهم في الصورة التي يعرفون، فيسجد له المؤمنون، وتبقى ظهور المنافقين كقرون البقر، فيريدون أن يسجدوا فلا يستطيعون، وذلك لقوله : ( يوم يكشف عن ساق ) [القلم : 42] . (29)

















فالمحنة لا تتوقف إلا بدخول الجنة والنار، وما ذكره القرطبي من أن المعرفة بالله في ذلك اليوم ضرورية صحيح، إلا أن المحنة تكون بالأمر والنهي كما ورد في بعض النصوص أن الله يكلفهم في ذلك اليوم بالدخول في النار، فالذي يطيع يكون من أهل السعادة ، والذي يعصي يكون من أهل الشقاء .

















--------------------------------

















(1) التذكرة للقرطبي ص : 511، وعزاه إلى أبي عمر في التمهيد والاستذكار وأبي عبد الله الترمذي في نوادر الأصول.

















(1/67)


























(2) صحبح البخاري، كتاب الجنائز، باب فضل من مات له ولد فاحتسب، فتح الباري: (3/118).

















(3) صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المسلمين، فتح الباري: (3/244) وحديث أبي هريرة رواه معلقاً.

















(4) فتح الباري : (3/244).

















(5) فتح الباري 3/245)

















(6) فتح الباري : (3/245).

















(7) يراد بالدعموص هنا: الآذن على الملوك المتصرف بين أيديهم .

















(8) سلسلة الأحاديث الصحيحة: (1/174)، ورقم الحديث : 432.

















(9) سلسلة الأحاديث الصحيحة: (2/156) ، ورقم الحديث : 603، وذكر المحقق أن الحاكم صحح إسناده ووافقه الذهين، إلا أن الشيخ ناصر قال: هو حسن فقط.

















(10) سلسلة الأحاديث الصحيحة: (3/451) ، ورقمه : 1468.

















(11) فتح الباري: (3/244).

















(12) التذكرة للقرطبي : (ص 511).

















(13) فتح الباري : (3/244)

















(14) مجموعة فتاوى شيخ الإسلام: (4/281).

















(15) صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، فتح الباري: (3/246).

















(16) فتح الباري : (3/246).

















(17) فتح الباري: (3/246)

















(18) سلسلة الأحاديث الصحيحة : (3/452)، ورقمه : 1468.

















(19) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (24/372).

















(20) فتح الباري : (3/247).

















(21) التذكرة للقرطبي : ص 515.

















(22) فتح الباري: (3/247).

















(23) فتح الباري : (3/246)

















(24) مجموع فتاوى شيخ الإسلام : (4/281 – 404)، (24/372).

















(25) مجموع فتاوى شيخ الإسلام : (4/281 – 404)، (24/372).

















(26) مجموع فتاوى شيخ الإسلام : ( 4/281).

















(27) فتح الباري: (3/246).

















(28) التذكرة : ص 514.

















(29) مجموع فتاوى شيخ الإسلام : (24/372)، وانظر : (17/309).

















مقدار ما يدخل الجنة من هذه الأمة

















(1/68)


























يدخل من هذه الأمة الجنة جموع كثيرة الله أعلم بعددهم، ففي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير قال: حدثني ابن عباس، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " عرضت على الأمم، فأخذ النبي يمر معه الأمة، والنبي يمر معه النفر، والنبي يمر معه العشرة، والنبي يمر معه الخمسة، والنبي يمر وحده، فنظرت فإذا سواد كثير، قلت: يا جبريل هؤلاء أمتي؟ قال: لا، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد كثير، قال: هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفاً قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب ". (1)

















والسواد الأول الذي ظنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمته هم بنو إسرائيل ، كما في بعض الروايات في الصحيح " فرجوت أن تكون أمتي فقيل: هذا موسى وقومه ". (2)

















ولا شك أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أكثر من بني إسرائيل ، ففي الحديث : " فإذا سواد كثير " قال ابن حجر " في رواية سعيد بن منصور " عظيم " وزاد " فقيل لي : انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر مثله "، وفي رواية ابن فضيل : " فإذا سواد قد ملأ الأفق، فقيل لي: انظر هاهنا، وهاهنا في آفاق السماء " وفي حديث ابن مسعود: " فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال "، وفي لفظ لأحمد: " فرأيت أمتي قد ملؤوا السهل والجبل، فأعجبني كثرتهم وهيئتهم"، فقيل: أرضيت يا محمد ؟ قلت: نعم يا رب ". (3)

















وقد ورد في بعض الأحاديث أن مع كل ألف من السبعين ألفاً سبعين ألفاً ، وثلاث حثيات من حثيات الله، ففي مسند أحمد، وسنن الترمذي وابن ماجة عن أبي أمامة، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً لا حساب عليهم، ولا عذاب ، مع كل ألف سبعون ألفاً، وثلاث حثيات من حثيات ربي " (4) ، ولا شك أن الثلاث حثيات تدخل الجنة خلقاً كثيراً.

















(1/69)


























وقد كان رسولنا - صلى الله عليه وسلم - يرجو أن تكون هذه الأمة نصف أهل الجنة، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي سعيد الخدري عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ذكر بعث النار، قال صلوات الله وسلامه عليه في آخره: " والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة " فكبرنا. فقال: " أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة "، فكبرنا. فقال: " أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة " فكبرنا. قال: " ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض، أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود ". (5)

















بل ورد في بعض الأحاديث أن هذه الأمة تبلغ ثلثي أهل الجنة، ففي سنن الترمذي بإسناد حسن، وسنن الدارمي، و " البعث والنشور" للبيهقي عن بريدة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون منها من هذه الأمة، وأربعون من سائر الأمم ". (6)

















وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنا أول شفيع في الجنة لم يصدق نبي من الأنبياء ما صدقت، وإن من الأنبياء نبياً ما صدقة من أمته إلا رجل واحد ". (7)

















والسر في كثرة من آمن من هذه الأمة أن معجزة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الكبرى كانت وحياً متلواً يخاطب العقول والقلوب، وهي معجزة باقية محفوظة إلى قيام الساعة، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحى الله إلىَّ ، وأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ". (8)

















--------------------------------

















(1) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب يدخل الجنة سبعون ألفاً، فتح الباري: (11/406) .

















(2) فتح الباري: (11/407) .

















(3) فتح الباري: (11/408) .

















(4) مشكاة المصابيح : (3/64) ، ورقمه : 5556 ، وقد حسنه الترمذي وصحح الشيخ ناصر إسناده .

















(1/70)


























(5) مشكاة المصابيح : (3/58) ، ورقم الحديث : 5541 .

















(6) مشكاة المصابيح : (3/92) ، ورقم الحديث : 5644 .

















(7) مشكاة المصابيح : (3/124) ، ورقم الحديث : 5744 .

















(8) مشكاة المصابيح : (3/124) ، ورقم الحديث : 5746 .

















سادة أهل الجنة

















المطلب الأول

















سيد كهول أهل الجنة

















روى جمع من الصحابة منهم علي بن أبي طالب، وأنس بن مالك، وأبو جحيفة، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: " أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ".

















وقد ذكر الشيخ ناصر الدين الألباني طرقه في كتب السنة، وقال في خاتمة تخريجه للحديث: "وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه صحيح بلا ريب، لأن بعض طرقه حسن لذاته، وبعضه يستشهد به .." . (1)

















المطلب الثاني

















سيدا شباب أهل الجنة

















أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثبت ذلك من طرق كثيرة تبلغ درجة التواتر، وقد جمع الشيخ ناصر الدين الألباني طرق الحديث في كتابه القيم: " سلسلة الأحاديث الصحيحة ".

















فقد رواه الترمذي والحاكم والطبراني وأحمد وغيرهم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ".

















ورواه الترمذي وابن حبان وأحمد والطبراني وغيرهم عن حذيفة رضي الله عنه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فصليت معه المغرب، ثم قام يصلي حتى العشاء، ثم خرج، فاتبعته، فقال: " عرض لي ملك استأذن ربه أن يسلم عليّ ويبشرني في أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ".

















وأخرجه الحاكم وابن عساكر عن عبد الله بن عمر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "ابناي هذان سيدا شباب أهل الجنة ". (2)

















المطلب الثالث

















سيدات نساء أهل الجنة

















(1/71)


























السيد الحق هو الذي يثني عليه ربه ويشهد له، والسيدة الفاضلة هي التي يرضى عنها ربها، ويتقبلها بقبول حسن، وأفضل النساء هن اللواتي يحزن جنات النعيم، ونساء أهل الجنة يتفاضلن، وسيدات نساء أهل الجنة: خديجة ، وفاطمة ، ومريم وآسية ، ففي مسند أحمد ، ومشكل الآثار للطحاوي ، ومستدرك الحاكم ، بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأرض أربعة أخطء ثم قال: " تدرون ما هذا ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم . قال: " أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، فاطمة بنت محمد، ومريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ". (3)

















ومريم وخديجة أفضل الأربع، ففي صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " خير نسائها مريم ، وخير نسائها خديجة ". (4)

















ومريم هي سيدة النساء الأولى وأفضل النساء على الإطلاق، فقد روى الطبراني بإسناد صحيح على شرط مسلم عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " سيدات نساء أهل الجنة بعد مريم ابنة عمران: فاطمة، وخديجة، وآسية امرأة فرعون " (5) . وكونها أفضل النساء على الإطلاق صرح به القرآن: ( وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهراك واصطفاك على نساء العالمين ) [آل عمران: 42]، وكيف لا تكون كذلك وقد صرح الحق بأنه تقبلها ( بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسنا ) [ آل عمران : 37].

















وهؤلاء الأربع نماذج رائعة للنساء الكاملات الصالحات، فمريم ابنة عمران أثنى عليها ربها في قوله: ( أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ) [التحريم:12] .

















(1/72)


























وخديجة الصديقة التي آمنت بالرسول - صلى الله عليه وسلم - من غير تردد، وثبتته، وواسته بنفسها ومالها، وقد بشرها ربها في حياتها بقصر في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " أتي جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب ". (6)

















وآسية امرأة فرعون هان عليها ملك الدنيا ونعيمها، فكفرت بفرعون وألوهيته، فعذبها زوجها فصبرت حتى خرجت روحها إلى بارئها (وضرب الله مثلاً للذين ءامنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجنى من فرعون وعمله، ونجنى من القوم الظالمين ) [التحريم : 11].

















وفاطمة الزهراء ابنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصابرة المحتسبة التقية الورعة فرع الشجرة الطاهرة ، وتربية معلم البشرية.

















--------------------------------

















(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة: (12/487)، ورقمه : 824.

















(2) وإن أحببت أن تقف على رواته، ومخرجيه من كتب السنة، فارجع إلى سلسلة الأحاديث الصحيحة: (2/438)، ورقم الحديث : 797.

















(3) سلسلة الأحاديث الصحيحة: (4/13)، ورقمه : 1508.

















(4) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب مناقب الأنصار، باب تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - خديجة وفضلها، فتح الباري: (7/133).

















(5) سلسلة الأحاديث الصحيحة: (3/410)ن ورقمه : 1424.

















(6) رواه البخاري في كتاب المناقب، باب تزويج النبي r خديجة وفضلها، فتح الباري: (7/133) والحديث مروى في هذا الباب م طرق أخرى عن عائشة وعبد الله بن أبي أوفي .

















العشرة المبشرون بالجنة

















(1/73)


























نص الرسول - صلى الله عليه وسلم - نصاً صريحاً على أن عشرة من أصحابه من أهل الجنة، ففي مسند أحمد عن سعيد بن زيد، وسنن الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ". وإسناده صحيح . (1)

















وروى الحديث الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والضياء في المختارة عن سعيد بن زيد بلفظ فيه شيء من الاختلاف عن سابقه، ولفظه: " عشرة في الجنة: النبي في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة " وإسناده صحيح . (2)

















وتذكر لنا كتب السنة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يوماً جالساً على بئر أريس وأبو موسى الأشعري بواب له، فجاء أبو بكر الصديق فاستأذن، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " ائذن له وبشره بالجنة " ثم جاء عمر فقال: " ائذن له، وبشره بالجنة " ثم جاء عثمان، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه ". (3)

















وروى ابن عساكر بإسناد صحيح عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " القائم بعدي في الجنة ، والذي يقوم بعده في الجنة، والثالث والرابع في الجنة "(4) . ومراده بالقائم بعده : الذي يلي الحكم بعد موته، وهؤلاء الأربعة هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعاً.

















وروى الترمذي والحاكم بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: " أنت عتيق من النار ". (5)

















--------------------------------

















(1) صحيح الجامع الصغير: (1/70) ، ورقمه : 50.

















(2) صحيح الجامع الصغير: (4/34)، ورقمه: 3905.

















(1/74)


























(3) رواه البخاري ومسلم والنرمذي، جامع الأصول (8/562)، ورقمه: 6372، والحديث طويل، وقد اقتصرنا منه على موضع الشاهد فحسب.

















(4) صحيح الجامع الصغير: (4/149)، ورقمه : 4311.

















(5) صحيح الجامع الصغير: (2/24)، ورقمه : 1494.

















بعض من نص على أنهم في الجنة غير من ذكر

















1- 2 - جعفر بن أبي طالب ، وحمزة بن عبد المطلب :

















من الذين أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنهم في الجنة جعفر وحمزة ، ففي سنن الترمذي ، ومسند أبي يعلى ، ومستدرك الحاكم وغيرهم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رأيت جعفر بن أبي طالب ملكاً يطير في الجنة بجناحين ". (1)

















وروى الطبراني، وابن عدي، والحاكم عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " دخلت الجنة البارحة، فنظرت فيها، فإذا جعفر يطير مع الملائكة، وإذا حمزة متكئ على سرير ". وإسناده صحيح. (2)

















وقد صح أن الرسول قال : " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب " . (3)

















3- عبد الله بن سلام :

















روى أحمد والطبراني والحاكم بإسناد صحيح عن معاذ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عبد الله بن سلام عاشر عشرة في الجنة ". (4)

















4- زيد بن حارثة :

















روى الروياني والضياء عن بريدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " دخلت الجنة، فاستقبلتني جارية شابة، فقلت: لمن أنت؟ قالت: لزيد بن حارثة ". (5)

















5- زيد بن عمرو بن نفيل :

















روى ابن عساكر بإسناد حسن عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " دخلت الجنة، فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل درجتين ". (6)

















وزيد هذا كان يدعو إلى التوحيد في الجاهلية، وكان على الحنيفية ملة إبراهيم .

















6- حارثة بن النعمان :

















وروى الترمذي والحاكم عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " دخلت الجنة، فسمعت فيها قراءة، فقلت: من هذا ؟ قالوا: حارثة بن النعمان، كذلكم البر، كذلكم البر ". (7)

















7- بلال بن رباح :

















(1/75)


























روى الطبراني وابن عدي بإسناد صحيح عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " دخلت الجنة، فسمعت خَشفة بين يدي، قلت: ما هذه الخشفة ؟ فقيل : هذا بلال يمشي أمامك ". (8)

















وفي المسند بإسناد صحيح عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " دخلت الجنة ليلة أسري بي، فسمعت من جانبها وجساً، فقلت: يا جبريل ما هذا ؟ قال: بلال المؤذن ". (9)

















8 – أبو الدحداح :

















روى مسلم في صحيحه وأبو داود والترمذي وأحمد عن جابر بن سمرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " كم من عذق معلق لأبي الدحداح في الجنة ". (10)

















وأبو الدحداح هذا هو الذي تصدق ببستانه : بيرحاء ، أفضل بساتين المدينة عندما سمع الله يقول: ( من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) [البقرة: 245].

















9- ورقة بن نوفل :

















روى الحاكم بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تسبوا ورقة بن نوفل، فإني قد رأيت له جنة أو جنتين ". (11)

















وورقة آمن بالرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما جاءته خديجة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في أول مرة ، وتمنى على الله أن يدرك ظهور أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لينصره .

















--------------------------------

















(1) قال الشيخ ناصر في سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/226)، حديث رقم : 1226: (حديث صحيح جاء من طرق عن أبي هريرة، وابن عباس، وعلي بن أبي طالب، وأبي عامر والبراء) وقد ساق طرقه .

















(2) صحيح الجامع : (3/140)، ورقمه : 3358.

















(3) صحيح الجامع: (3/129)، ورقمه : 3569 .

















(4) صحيح الجامع الصغير: (4/25) ورقمه : 3870.

















(5) صحيح الجامع (3/141)، ورقمه : 3361 .

















(6) صحيح الجامع الصغير: (3/141)، ورقمه : 3362 .

















(7) صحيح الجامع الصغير: (3/141)، ورقمه: 3366 .

















(8) صحيح الجامع الصغير : (3/141)، ورقمه : 3364 .

















(1/76)


























(9) صحيح الجامع الصغير (3/141)، ورقمه : 3367 .

















(10) صحيح الجامع الصغير : (4/185)، ورقمه : 4450 .

















(11) صحيح الجامع الصغير : (6/153)، ورقمه : 7197 .

















الجنة ليست ثمناً للعمل

















الجنة شيء عظيم ، لا يمكن أن يناله المرء بأعماله التي عملها، وإنما تنال برحمة الله وفضله، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لن يدخل أحد منكم عمله الجنة " قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة ". (1)

















وقد يشكل على هذا النصوص التي تشعر بأن الجنة ثمن للعمل ، كقوله تعالى : ( فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) [السجدة : 17]، وقوله: ( تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) [الأعراف : 43].

















ولا تعارض بين الآيات وما دل عليه الحديث ، فإن الآيات تدل على أن الأعمال سبب لدخول الجنة، وليست ثمناً لها. والحديث نفى أن تكون الأعمال ثمناً للجنة. وقد ضل في هذا فرقتان: الجبرية التي استدلت بالحديث على أن الجزاء غير مرتب على الأعمال، لأنه لا صنع للعبد في عمله، والقدرية استدلوا بالآيات، وقالوا: إنها تدل على أن الجنة ثمن للعمل، وأن العبد مستحق دخول الجنة على ربه بعمله.

















يقول شارح الطحاوية في هذه المسالة :

















(1/77)


























"وأما ترتب الجزاء على الأعمال، فقد ضل فيه الجبرية والقدرية، وهدى الله أهل السنة، وله الحمد والمنة، فإن الباء التي في النفي غير الباء التي في الإثبات. فالمنفى في قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لن يدخل الجنة أحد بعمله " – باء العوض، وهو أن يكون العمل كالثمن لدخول الرجل إلى الجنة، كما زعمت المعتزلة أن العامل مستحق دخول الجنة على ربه بعمله، بل ذلك برحمه الله وفضله. والباء التي في قوله: ( جزاء بما كانوا يعملون ) [السجدة: 17] وغيرها باء السبب، أي بسبب عملكم، والله تعالى هو خلق الأسباب والمسببات، فرجع الكل إلى محض فضل الله ورحمته". (2)

















--------------------------------

















(1) صحيح مسلم : (4/2170) ورقم الحديث : 2816 .

















(2) شرح الطحاوية: 495 .

















صفة أهل الجنة ونعيمهم فيها

















يدخل أهل الجنة الجنة على أكمل صورة وأجملها، على صورة أبيهم آدم عليه السلام، فلا أكمل ولا أتم من تلك الصورة والخلقة التي خلق الله عليها أبا البشر آدم، فقد خلقه الله تعالى بيده فأتم خلقه، وأحسن تصويره، وكل من يدخل الجنة على صورة آدم وخلقته، وقد خلقه الله طوالاً كالنخلة السحوق، طوله في السماء ستون ذراعاً، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : " خلق الله عز وجل آدم على صورته ، طوله ستون ذراعاً .. فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، وطوله ستون ذراعاً، فلم يزل الخلق ينقص بعده ". (1)

















وإذا كان خلقهم الظاهري متفق، فكذلك خلقهم في باطنهم واحد، نفوسهم صافية، وأرواحهم طاهرة زكية، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة في الحديث الذي يصف فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - دخول أهل الجنة ومنهم الزمرة الذين يدخلون الجنة نورهم كالبدر قال: " أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء ". (2)

















(1/78)


























ومن جمال صورتهم أنهم يكونون جرداً مرداً كأنهم مكحلون، وكلهم يدخل الجنة في عمر القوة والفتوة والشباب أبناء ثلاث وثلاثين، ففي مسند أحمد وسنن الترمذي عن معاذ بن جبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يدخل أهل الجنة جرداً مرداً، كأنهم مكحلون، أبناء ثلاث وثلاثين ". (3)

















وأهل الجنة – كما جاء في حديث أبي هريرة في الصحيحين – " لا يبصقون، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون ". (4)

















وأهل الجنة لا ينامون، فقد جاء في حديث جابر بن عبد الله، وعبد الله ابن أبي أوفى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "النوم أخو الموت، ولا ينام أهل الجنة". (5)

















--------------------------------

















(1) صحيح مسلم، كتاب الجنة ، باب يدخل الجنة أقواما أفئدتهم مثل أفئدة الطير، (4/2183)، ورقمه : 2841 .

















(2) صحيح مسلم ، كتاب الجنة، باب أول زمرة يدخلون الجنة، (4/2179) ورقم الحديث: 2834 .

















(3) صحيح الجامع : (6/337)، ورقمه: 7928، وقال الشيخ ناصر فيه: صحيح.

















(4) هذا جزء من حديث طويل سقناه بكامله في ( دخول الجنة ) .

















(5) أورد الشيخ ناصر الدين الألباني هذا الحديث في "سلسلة الأحاديث الصحيحة": (3/74) ورقمه: 1087، وقد ذكر هناك أنه أخرجه كثير من كتب الحديث منها الكامل لابن عدي، والحلية لأبي نعيم، تاريخ أصبان له، وقد جمع الشيخ ناصر طرق الحديث، وختم الكلام على الحديث قائلاً: "وبالجملة فالحديث صحيح من بعض طرقه عن جابر".

















نعيم أهل الجنة

















فضل نعيم الجنة على متاع الدنيا

















(1/79)


























متاع الدنيا واقع مشهود، ونعيم الجنة غيب موعود، والناس يتأثرون بما يرون ويشاهدون، ويثقل على قلوبهم ترك ما بين أيديهم إلى شيء ينالونه في الزمن الآتي، فكيف إذا كان الموعود ينال بعد الموت؟ من أجل ذلك قارن الحق تبارك وتعالى بين متاع الدنيا ونعيم الجنة، وبين أن نعيم الجنة خير من الدنيا وأفضل، وأطال في ذم الدنيا وبيان فضل الآخرة، وما ذلك إلا ليجتهد العباد في طلب الآخرة ونيل نعيمها.

















وتجد ذم الدنيا ومدح نعيم الآخرة، وتفضيل ما عند الله على متاع الدنيا القريب العاجل في مواضع كثيرة، كقوله تعالى: ( لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلاً من عند الله وما عند الله خيرٌ للأبرار ) [ آل عمران : 198]، وقوله : (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزوجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خيرٌ وأبقى ) [ طه : 131].

















وقال في موضع ثالث : ( زين للناس حب الشهوات من النساء والنساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب * قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزوج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد ) [ آل عمران : 14-15].

















ولو ذهبنا نبحث في سر أفضلية نعيم الآخرة على متاع الدنيا لوجدناه من وجوه متعددة :

















أولاً : متاع الدنيا قليل ، قال تعالى : ( قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ) [ النساء : 77].

















وقد صور لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - قلة متاع الدنيا بالنسبة إلى نعيم الآخرة بمثال ضربه فقال: " والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه – وأشار بالسبابة – في اليم، فلينظر بم ترجع "(1). ما الذي تأخذه الإصبع إذا غمست في البحر الخضم ، إنها لا تأخذ منه قطرة. هذا هو نسبة الدنيا إلى الآخرة .

















(1/80)


























ولما كان متاع الدنيا قليلاً ، فقد عاتب الله المؤثرين لمتاع الدنيا على نعيم الآخرة ( يا أيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ) [ التوبة : 38].

















الثاني : هو أفضل من حيث النوع ، فثياب أهل الجنة وطعامهم وشرابهم وحليهم وقصورهم – أفضل مما في الدنيا، بل لا وجه للمقارنة، فإن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ففي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها "(2). وفي الحديث الآخر الذي يرويه البخاري ومسلم أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير مما طلعت عليه الشمس " (3) . وقارن نساء أهل الجنة بنساء الدنيا لتعلم فضل ما في الجنة على ما في الدنيا ، ففي صحيح البخاري عن أنس ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت على الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " (4) .

















(1/81)


























الثالث : الجنة خالية من شوائب الدنيا وكدرها ، فطعام أهل الدنيا وشرابهم يلزم منه الغائط والبول ، والروائح الكريهة ، وإذا شرب المرء خمر الدنيا فقد عقله، ونساء الدنيا يحضن ويلدن، والمحيض أذى، والجنة خالية من ذلك كله، فأهلها لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يبصقون ولا يتفلون، وخمر الجنة كما وصفها خالقها ( بيضاء لذة للشاربين * لا فيها غولٌ ولا هم عنها ينزفون ) [ الصافات : 46-47] وماء الجنة لا يأسن، ولبنها لا يتغير طعمه ( أنهار من ماء غير ءاسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ) [ محمد: 15]، ونساء أهل الجنة مطهرات من الحيض والنفاس وكل قاذورات نساء الدنيا، كما قال تعالى: ( ولهم فيها أزوج مطهرة ) [ البقرة : 25].

















وقلوب أهل الجنة صافيه ، وأقوالهم طيبة، وأعمالهم صالحة، فلا تسمع في الجنة كلمة نابية تكدر الخاطر، وتعكر المزاج، وتستثير الأعصاب، فالجنة خالية من باطل الأقوال والأعمال، ( لا لغو فيها ولا تأثيم ) [ الطور: 23]، ولا يطرق المسامع إلا الكلمة الصادقة الطيبة السالمة من عيوب كلام أهل الدنيا ( لا يسمعون فيها لغواً ولا كذابا ) [ النبأ : 35]، ( لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاما ) [مريم : 62]، ( لا تسمع فيها لاغية ) [الغاشية : 11]، إنها دار الطهر والنقاء والصفاء الخالية من الأوشاب والأكدار، إنها دار السلام والتسليم ( لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً * إلا قيلاً سلاماً سلاما ) [ الواقعة : 25-26].

















(1/82)


























ولذلك فإن أهل الجنة إذا خلصوا من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار ، ثم يهذبون وينقون بأن يقتص لبعضهم من بعض، فيدخلون الجنة وقد صفت منهم القلوب ، وزال ما في نفوسهم من تباغض وحسد ونحو ذلك مما كان في الدنيا، وفي الصحيحين في صفة أهل الجنة عند دخول الجنة " لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشياً " (5). وصدق الله إذ يقول: ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين ) [ الحجر : 47 ].

















والغل : الحقد ، وقد نقل عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب أن أهل الجنة عندما يدخلون الجنة يشربون من عين فيذهب الله ما في قلوبهم من غل ، ويشربون من عين أخرى فتشرق ألوانهم وتصفو وجوههم. ولعلهم استفادوا هذا من قوله تعالى: ( وسقاهم ربهم شراباً طهورا ) [ الإنسان: 21]. (6)

















(1/83)


























الرابع : نعيم الدنيا زائل ، ونعيم الآخرة باق دائم ، ولذلك سمى الحق تبارك وتعالى ما زين للناس من زهرة الدنيا متاعاً، لأنه يتمتع به ثم يزول ، أما نعيم الآخرة فهو باق، ليس له نفاد ، ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق ) [النحل : 96] ، ( إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ) [ ص : 54]، ( أكلها دائم وظلها ) [ الرعد : 35]، وقد ضرب الله الأمثال لسرعة زوال الدنيا وانقضائها ( واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا * المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملا ) [الكهف : 45 – 46]. فقد ضرب الله مثلاً لسرعة زوال الدنيا وانقضائها بالماء النازل من السماء الذي يخالط نبات الأرض فيخضر ويزهر ويثمر، وما هي إلا فترة وجيزة حتى تزول بهجته، فيذوى ويصفر، ثم تعصف به الرياح في كل مكان، وكذلك زينة الدنيا من الشباب والمال والأبناء الحرث والزرع ... كلها تتلاشى وتنقضي، فالشباب يذوى ويذهب ، والصحة والعافية تبدل هرماً ومرضاً ، والأموال والأولاد قد يذهبون ، وقد ينتزع الإنسان من أهله وماله ، أما الآخرة فلا رحيل ، ولا فناء ، ولا زوال ( ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين * جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار ) [ النحل : 30-31].

















الخامس : العمل لمتاع الدنيا ونسيان الآخرة يعقبه الحسرة والندامة ودخول النيران، ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) [آل عمران : 185].

















--------------------------------

















(1) صحيح مسلم : (4/2193). ورقم الحديث : 2858 .

















(2) مشكاة المصابيح : (3/85) ورقم الحديث : 5613 .

















(3) مشكاة المصابيح : (3/85). ورقم الحديث : 5615 والقدر: الموضع والمقدار .

















(1/84)


























(4) مشكاة المصابيح : (3/85). ورقم الحديث : 5614 والنصيف: الخمار .

















(5) رواه البخاري عن أبي هريرة، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة ، فتح الباري: (6/318) .

















(6) التذكرة ، للقرطبي : ص 499 .

















طعام أهل الجنة وشرابهم

















سبق أن تحدثنا عن أشجار الجنة وثمارها، وقطوفها الدانية المذللة تذليلاً، واختيار أهل الجنة من ثمارها ما يريدون ويشتهون، وفي الجنة ما تشتهيه الأنفس من المآكل والمشارب ، ( وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما يشتهون ) [ الوقعة : 20 – 21]، ( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ) [ الزخرف : 71]، وقد أباح الله لهم أن يتناولوا من خيراتها وألوان طعامها وشرابها ما يشتهون ( كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية ) [الحاقة: 24].

















وذكرنا أيضاً فيما سبق أن في الجنة بحر الماء ، وبحر الخمر ، وبحر اللبن ، وبحر العسل ، وأن أنهار الجنة تنشق من هذه البحار. وفي الجنة عيون كثيرة ، وأهل الجنة يشربون من تلك البحار والأنهار والعيون .

















قال تعالى: ( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً * عيناً بشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ) [ الإنسان : 5 – 6].

















وقال : ( ويسقون فيها كأساً كان من مزاجها زنجبيلاً * عيناً فيها تسمى سلسبيلا ) [الإنسان : 17-18] ، وقال : ( ومزاجه من تسنيم * عيناً يشرب بها المقربون ) [المطففين: 27-28].

















المطلب الأول

















خمر أهل الجنة

















من الشراب الذي يتفضل الله على أهل الجنة الخمر، وخمر الجنة خالي من العيوب والآفات التي تتصف بها خمر الدنيا ، فخمر الدنيا تذهب العقول ، وتصدع الرؤوس ، وتوجع البطون ، وتمرض الأبدان ، وتجلب الأسقام ، وقد تكون معيبة في صنعها أو لونها أو غير ذلك ، أما خمر الجنة فإنها خالية من ذلك كله ، جميلة صافية رائقة ، ( يطاف عليهم بكأس من معين * بيضاء لذة للشاربين * لا فيها غولٌ ولا هم عنها ينزفون ) [ الصافات : 45-47].

















(1/85)


























لقد وصف الله جمال لونها ( بيضاء ) ثم بين أنها تلذ شاربها من غير اغتيال لعقله، كما قال: ( وأنهار من خمر لذة للشاربين ) [محمد:18] ، ثم إن شاربها لا يمل من شربها ( ولا هم عنها ينزفون ) [ الصافات : 47] ، وقال في موضع آخر يصف خمر الجنة: (يطوف عليهم ولدن مخلدون * بأكواب وأباريق وكأس من معين * لا يصدعون عنها ولا ينزفون ) [ الواقعة : 17-19].

















قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات : " لا تصدع رؤوسهم ، ولا تنزف عقولهم ، بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة ، وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال : في الخمر أربع خصال: السكر ، والصداع ، والقيء ، والبول ، فذكر الله خمر الجنة ، ونزهها عن هذه الخصال ". (1)

















وقال الحق في موضع ثالث : ( يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك ) [ المطففين: 25-26]، والرحيق الخمر، ووصف هذا الخمر بوصفين : الأول أنه مختوم ، أي موضوع عليه خاتم . الأمر الثاني : أنهم إذا شربوه وجدوا في ختام شربهم له رائحة المسك.

















المطلب الثاني

















أول طعام أهل الجنة

















أول طعام يُتحِف الله به أهل الجنة زيادة كبد الحوت ، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة ، يتكفؤها الجبار بيده ، كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلاً لأهل الجنة " فأتى رجل من اليهود ، فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ، ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة ؟ قال: " بلى " قال: تكون الأرض خبزة واحدة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلينا، ثم ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: " ألا أخبرك بإدامهم ؟ بالام والنون. قالوا: وما هذا ؟ قال : ثور ونون، يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفاً ". (2)

















(1/86)


























قال النووي في شرح الحديث ما ملخصه: " النزل: ما يعد للضيف عند نزوله، ويتكفأها بيده ، أي: يميلها من يد إلى يد حتى تجتمع وتستوي ، لأنها ليست منبسطة كالرقاقة ونحوها، ومعنى الحديث: أن الله تعالى يجعل الأرض كالرغيف العظيم، ويكون طعاماً ونزلاً لأهل الجنة ، والنون: الثور، والـ (بلام): لفظة عبرانية، معناها: ثور، وزائدة كبد الحوت: هي القطعة المنفردة المتعلقة في الكبد، وهي أطيبها ". (3)

















وفي صحيح البخاري أن عبد الله بن سلام سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أول قدومه المدينة أسئلة منها: " ما أول شيء يأكله أهل الجنة ؟ فقال: زيادة كبد الحوت ". (4)

















وفي صحيح مسلم عن ثوبان أن يهودياً سأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: " فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ " قال : زيادة كبد الحوت ". قال: " فما غذاؤهم على إثرها ؟ قال : ينحر لهم ثور الجنة الذي يأكل من أطرافها ". قال: " فما شرابهم عليه؟ " قال: " من عين تسمى سلسبيلا " قال: صدقت . (5)

















المطلب الثالث

















طعام أهل الجنة وشرابهم لا دنس معه

















قد يتبادر إلى الذهن أن الطعام والشراب في الجنة ينتج عنه ما ينتج عن طعام أهل الدنيا وشرابهم من البول والغائط والمخاط والبزاق ونحو ذلك، والأمر ليس كذلك ، فالجنة دار خالصة من الأذى ، وأهلها مطهرون من أوشاب أهل الدنيا، ففي الحديث الذي يرويه صاحبا الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال نافياً هذا الظن: " أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون فيها ". (6)

















(1/87)


























وليس هذا خاص بأول زمرة تدخل الجنة، وإنما هو عام في كل من يدخل الجنة ، ففي رواية عند مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أول زمرة تدخل الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل ، لا يتغوطون، ولا يتبولون، ولا يبزقون ". (7)

















فالذي يتفاوت فيه أهل الجنة مما نص عليه في الحديث قوة نور كل منهم، أما خلوصهم من الأذى فإنهم يشتركون فيه جميعاً، فهم لا يتغوطون ولا يتبولون، ولا يتفلون، ولا يبزقون، ولا يمتخطون.

















وقد يقال: فأين تذهب فضلات الطعام والشراب، وقد وجه هذا السؤال إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - من قبل أصحابه ، فأفاد أن بقايا الطعام والشراب تتحول إلى رشح كرشح المسك يفيض من أجسادهم، كما يتحول بعض منه أيضاً إلى جشاء، ولكنه جشاء تنبعث منه روائح طيبة عبقة عطرة ، ففي صحيح مسلم عن جارب عبد الله ، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يقول : " إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون، ولا يتبولون ، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون" ، قالوا: فما بال الطعام ؟ قال: جشاء كجشاء المسك ". (8)

















المطلب الرابع

















لماذا يأكل أهل الجنة ويشربون ويمتشطون ؟

















إذا كان أهل الجنة فيها خالدون، وكانت خالية من الآلام والأوجاع والأمراض، لا جوع فيها ولا عطش، ولا قاذورات ولا أوساخ، فلماذا يأكل أهل الجنة فيها ويشربون، ولماذا يتطيبون ويمتشطون ؟

















(1/88)


























أجاب القرطبي في التذكرة عن هذا السؤال قائلاً : " نعيم أهل الجنة وكسوتهم ليس عن دفع ألم اعتراهم، فليس أكلهم عن جوع، ولا شربهم عن ظمأ، ولا تطيبهم عن نتن، وإنما هي لذات متوالية، ونعم متتابعة، ألا ترى قوله تعالى لآدم : ( إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وإنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى ) [ طه : 118-119]. وحكمة ذلك أن الله تعالى عرفهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا، وزادهم على ذلك ما لا يعلمه إلا الله عز وجل ". (9)

















المطلب الخامس

















آنية طعام أهل الجنة وشرابهم

















آنية طعام أهل الجنة ، التي يأكلون ويشربون بها من الذهب والفضة، قال تعالى: ( يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب ) [الزخرف: 71] ، أي وأكواب من ذهب ، وقال : ( ويطاف عليهم بئانية من فضة وأكواب كانت قواريرا * قواريرا من فضة قدروها تقديرا ) [الإنسان: 15-16]، أي اجتمع فيها صفاء القوارير وبياض الفضة.

















وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة .. وجنتان من فضة ، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ". (10)

















ومن الآنية التي يشربون بها الأكواب والأباريق والكؤوس ( يطوف عليهم ولدن مخلدون * بأكواب وأباريق وكأس من معين ) [الواقعة : 17]، والكوب : ما لا أذن له ولا عروة ولا خرطوم ، والأباريق : ذوات الآذان والعرا ، والكأس القدح الذي فيه الشراب.

















--------------------------------

















(1) تفسير ابن كثير: 6/514 .

















(2) مشكاة المصابيح : (3/56) .

















(3) شرح النووي على مسلم: (17/136) .

















(4) النهاية لابن كثير : (2/270) .

















(5) النهاية لابن كثير : (2/270) .

















(6) رواه البخاري، كتاب بد الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة، فتح الباري: (6/317)، ورواه مسلم في كتاب الجنة، باب أول زمرة تدخل الجنة، (4/2178)، حديث رقم : 2834 .

















(1/89)


























(7) رواه مسلم، كتاب الجنة، باب أول زمرة تدخل الجنة ، (4/2188)، ورقم الحديث : 2834 .

















(8) رواه مسلم في صحيحه : (4/2180) ورقم الحديث : 2835 .

















(9) التذكرة للقرطبي: ص 475، وانظر فتح الباري : (6/325) .

















(10) أي : وللمؤمن جنتان .

















لباس أهل الجنة وحليهم ومباخرهم

















أهل الجنة يلبسون فيها الفاخر من اللباس ، ويتزينون فيها بأنواع الحلي من الذهب والفضة واللؤلؤ ، فمن لباسهم الحرير، ومن حلاهم أساور الذهب والفضة واللؤلؤ : قال تعالى: ( وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) [ الإنسان : 12]، ( يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير ) [ الحج : 23]، ( جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير ) [فاطر: 33]، ( وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهورا ) [الإنسان:21].

















وملابسهم ذات ألوان، ومن ألوان الثياب التي يلبسون الخضر من السندس والإستبرق ( يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا ) [ الكهف : 31]، ( عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة ) [ الإنسان: 21].

















ولباسهم أرقى من أي ثياب صنعها الإنسان ، فقد روى البخاري في صحيحه عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: " أتى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بثوب من حرير، فجعلوا يعجبون من حسنه ولينه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل من هذا ". (1)

















وقد أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن لأهل الجنة أمشاطاً من الذهب والفضة، وأنهم يتبخرون بعود الطيب، مع أن روائح المسك تفوح من أبدانهم الزاكية، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صفة الذين يدخلون الجنة: " آنيتهم الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب، ووقود مجامرهم الألوّة – قال أبو اليمان: عود الطيب – ورشحهم المسك ". (2)

















(1/90)


























ومن حليهم التيجان ، ففي سنن الترمذي ابن ماجة عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذكر الخصال التي يُعطاها الشهيد: " ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ". (3)

















وثياب أهل الجنة وحليهم لا تبلى ولا تفنى ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : "من يدخل الجنة ينعم لا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه " . (4)

















--------------------------------

















(1) صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة والنار، فتح الباري : (6/319) .

















(2) المصدر السابق .

















(3) مشكاة المصابيح: (3/358)، ورقمه : 3834، وصحح الشيخ ناصر إسناده .

















(4) صحيح مسلم، كتاب الجنة ، باب في دوام نعيم الجنة ، (4/2181) ، ورقم الحديث : 2836 .

















فرش أهل الجنة

















أعدت قصور الجنة ، وأماكن الجلوس في حدائقها وبساتينها بألوان فاخرة رائعة من الفرش للجلوس والاتكاء ونحو ذلك ، فالسرر كثيرة راقية والفرش عظيمة القدر بطائنها من الإستبرق، فما بالك بظاهرها، وهناك ترى النمارق مصفوفة على نحو يسر الخاطر، ويبهج النفس، والزرابي مبثوثة على شكل منسق متكامل ، قال تعالى: ( فيها سرر مرفوعة * وأكواب موضوعة * ونمارق مصفوفة * وزرابى مبثوثة ) [ الغاشية : 13-16] ، ( متكئين على فرش بطائنها من إستبرق ) [الرحمن : 54]، ( متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين ) [ الطور: 20]، ( ثلة من الأولين * وقليل من الأخرين * على سرر موضونة * متكئين عليها متقابلين ) [الواقعة: 13-16].

















(1/91)


























واتكاؤهم عليها على هذا النحو نوع من النعيم الذي يتمتع به أهل الجنة حين يجتمعون كما أخبر الله تعالى: ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين ) [ الحجر : 47] وقال: ( متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان ) [الرحمن: 76]، (متكئين فيها على الأرائك ) [ الكهف: 31]. والمراد بالنمارق : المخاد ، والوسائد: المساند ، والزرابي : البسط ، والعبقري : البسط الجياد. والرفرف: رياض الجنة. وقيل: نوع من الثياب، والأرائك: السرر.

















خدم أهل الجنة

















يخدم أهل الجنة ولدان ينشئهم الله لخدمتهم، يكونون في غاية الجمال والكمال، كما قال تعالى: ( يطوف عليهم ولدان مخلدون* بأكواب وأباريق وكأس من معين ) [الواقعة: 17-18]، وقال في موضع آخر : ( ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثورا ) [ الإنسان: 19].

















قال ابن كثير رحمه الله تعالى: " يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان أهل الجنة ( مخلدون ) أي : على حالة واحدة مخلدون عليها، لا يتغيرون عنها، لا تزيد أعمارهم عن تلك السن، ومن فسرهم بأنهم مخرصون، في آذانهم الأقرطة، فإنما عبر عن المعنى، لأن الصغير هو الذي يليق له ذلك دون الكبير. وقوله تعالى: ( إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثورا ) [الإنسان: 19]، أي إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم، حسبتهم لؤلواً منثوراً، ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا ، ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن". (1)

















(1/92)


























وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن هؤلاء الولدان هم الذين يموتون صغاراً من أبناء المؤمنين أو المشركين، وقد رد العلامة ابن تيمية رحمه الله تعالى هذا القول ، وبين أن الولدان المخلدون هم خلق من خلق الجنة قال: " والولدان الذين يطوفون على أهل الجنة : خلق من خلق الجنة ليسوا من أبناء الدنيا ، بل أبناء أهل الدنيا إذا دخلوا الجنة كمل خلقهم كأهل الجنة، على صورة أبيهم آدم ". (2)

















--------------------------------

















(1) تفسير ابن كثير: 7/183 .

















(2) مجموع الفتاوى : (4/279)، وانظر: (4/311) .

















سوق أهل الجنة

















روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن في الجنة لسوقاً ، يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم : والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم، والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً ". (1)

















قال النووي في شرحه لهذا الحديث: " المراد بالسوق مجمع لهم يجتمعون كما يجتمع الناس في الدنيا في السوق ، ومعنى يأتونها كل جمعة، أي في مقدار كل جمعة، أي أسبوع، وليس هناك حقيقة أسبوع، لفقد الشمس والليل والنهار ، ...... وخص ريح الجنة بالشمال، لأنها ريح المطر عند العرب ، كانت تهب من جهة الشام ، وبها يأتي سحاب المطر ، وكانوا يرجون السحابة الشامية ، وجاءت في الحديث تسمية هذه الريح المثيرة ، أي المحركة ، لأنها تثير في وجوههم ما تثيره من مسك أرض الجنة وغيره من نعيمها ". (2)

















--------------------------------

















(1) صحيح مسلم، كتاب الجنة، باب في سوق الجنة، (4/2178)، ورقمه: 2833 .

















(2) النووي على مسلم : (17/170) .

















اجتماع أهل الجنة وأحاديثهم

















(1/93)


























أهل الجنة يزور بعضهم بعضاً، ويجتمعون في مجالس طيبة يتحدثون، ويذكرون ما كان منهم في الدنيا، وما من الله به عليهم من دخول الجنان، قال تعالى في وصف اجتماع أهل الجنة: ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين ) [ الحجر: 47]، وأخبرنا الله بلون من ألوان الأحاديث التي يتحدثون بها في مجتمعاتهم ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين * فمن الله علينا ووقنا عذاب السموم * إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البرّ الرحيم ) [ الطور : 25-27].

















ومن ذلك تذكرهم أهل الشر الذين كانوا يشككون أهل الإيمان، ويدعونهم إلى الكفران، ( فاقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قال قائل منهم إني كان لي قرين * يقول إءنك لمن المصدقين * إءذا متنا وكنا تراباً وعظماً أءنا لمدينون * قال هل أنتم مطلعون * فاطلع فرءاه في سواء الجحيم * قال تالله إن كدت لتردين * ولولا نعمة ربى لكنت من المحضرين * أفما نحن بميتين * إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين * إن هذا لهو الفوز العظيم * لمثل هذا فليعمل العاملون ) [الصافات : 50-61].

















أماني أهل الجنة

















يتمنى بعض أهل الجنة فيها أماني تتحقق على نحو عجيب، لا تشبه حال ما يحدث في الدنيا ، وقد حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن بعض هذه الأماني وكيفية تحققها.

















(1/94)


























فهذا واحد من أهل الجنة يستأذن ربه في الزرع، فيأذن له، فما يكاد يلقي البذر، حتى يضرب بجذوره في الأرض، ثم ينمو، ويكتمل، وينضج في نفس الوقت، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتحدث – وعنده رجل من أهل البادية - : " إن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ (1). قال: بلى ، ولكن أحب الزرع ، فبذر، فبادر الطرف نباته (2). واستواؤه، واستحصاده، فكان أمثال الجبال ، فيقول الله تعالى: دونك يا ابن آدم ، فإنه لا يشبعك شيء " فقال الأعرابي : " والله لا تجده إلا قرشياً أو أنصارياً، فإنهم أصحاب الزرع ، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع ، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ". (3)

















وهذا آخر يتمنى الولد ، فيحقق الله له أمنيته في ساعة واحدة ، حيث تحمل وتضع في ساعة واحدة .

















وروى الترمذي في سننه، وأحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه بإسناد صحيح عن أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة، كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة كما يشتهي ". (4)

















--------------------------------

















(1) أي فيما شئت من أنواع النعيم وألوان الطعام والشراب.

















(2) سابق النظر .

















(3) مشكاة المصابيح: (3/95)، ورقم الحديث : 5653 .

















(4) صحيح الجامع : (6/5) ، ورقم الحديث : 6525 .

















نساء أهل الجنة

















المطلب الأول

















زوجة المؤمن في الدنيا زوجته في الآخرة إذا كانت مؤمنة

















إذا دخل المؤمن الجنة، فإن كانت زوجته صالحة، فإنها تكون زوجته في الجنة أيضاً: ( جنات عدن يدخلونها ومن صلح من ءابائهم وأزواجهم وذرياتهم ) [ الرعد : 23]، وهم في الجنات منعمون مع الأزواج ، يتكئون في ظلال الجنة مسرورين فرحين ( هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون ) [يس : 56]، ( أدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون ) [الزخرف: 70].

















المطلب الثاني

















المرأة لآخر أزواجها

















(1/95)


























روى أبو على الحراني في " تاريخ الرقة " عن ميمون بن مهران قال : خطب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أم الدرداء، فأبت أن تتزوجه، وقالت: سمعت أن أبا الدرداء يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " المرأة في آخر أزواجها، أو قال: لآخر أزواجها " ورجال هذا الإسناد موثقون غير العباس بن صالح فليس له ترجمة، ورواه أبو الشيخ في التاريخ بإسناد صحيح مقتصراً منه على المرفوع، ورواه الطبراني في معجمه الأوسط بإسناد ضعيف، ولكنه بمجموع الطريقين قوي، والمرفوع منه صحيح، وله شاهدان موقوفان: الأول يرويه ابن عساكر عن عكرمة " إن أسماء بنت أبي بكر كانت تحت الزبير بن العوام، وكان شديداً عليها، فأتت أباها، فشكت ذلك إليه، فقال: يا بنية اصبري، فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح، ثم مات عنها، فلم تزوج بعده جمع بينهما في الجنة ".

















ورجاله ثقات إلا أن فيه إرسالاً لأن عكرمة لم يدرك أبا بكر إلا أن يكون تلقاه عن أسماء .

















والآخر أخرجه البيهقي في السنن أن حذيفة قال لزوجته: " إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة ، فلا تزوجي بعدي ، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا " (1). فلذلك حرم الله على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينكحن من بعده ، لأنهن أزواجه في الآخرة .

















المطلب الثالث

















الحور العين

















يزوج الله المؤمنين في الجنة بزوجات جميلات غير زوجاتهم اللواتي في الدنيا، كما قال تعالى: ( كذالك وزوجناهم بحور عين ) [الدخان: 54]. والحور: جمع حوراء، وهي التي يكون بياض عينها شديد البياض، وسواده شديد السواد. والعين : جمع عيناء، والعيناء هي واسعة العين.

















(1/96)


























وقد وصف القرآن الحور العين بأنهن كواعب أتراب، قال تعالى: ( إن للمتقين مفازاً * حدائق وأعناباً * وكواعب أترابا ) [النبأ: 31-33]. والكاعب: المرأة الجميلة التي برز ثدياها، والأتراب المتقاربات في السن . والحور العين من خلق الله في الجنة ، أنشأهن الله إنشاءً فجعلهنّ أبكاراً، عرباً أتراباً ( إنا أنشأنهن إنشاء * فجعلنهن أبكاراً * عرباً أترابا ) [ الواقعة : 35-37] وكونهن أبكاراً يقضي أنه لم ينكحهن قبلهم أحد، كما قال تعالى: ( لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جان ) [ الرحمن : 56]، وهذا ينفي قول من قال : إن المراد بالزوجات اللواتي ينشئهن الله في الجنة زوجاتهم في الدنيا إذ يعيدهن شباباً بعد الكهولة والهرم، وهذا المعنى صحيح ، فالله يدخل المؤمنات الجنة في سن الشباب، ولكنهن لسن الحور العين اللواتي ينشئهن الله إنشاء.

















والمراد بالعُرُب : الغنجات المتحببات لأزواجهنّ .

















وقد حدثنا القرآن عن جمال نساء الجنة فقال: ( وحورٌ عين * كأمثال اللؤلؤ المكنون ) [ الواقعة : 22 – 23] والمراد بالمكنون: المخفي المصان ، الذي لم يغير صفاء لونه ضوء الشمس، ولا عبث الأيدي، وشبههن في موضع آخر بالياقوت والمرجان ( فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جان * فبأى ءالاء ربكما تكذبان * كأنهن الياقوت والمرجان ) الرحمن : 56-58] ، والياقوت والمرجان حجران كريمان فيهما جمال ، ولهما منظر حسن بديع، وقد وصف الحرور العين بأنهن قاصرات الطرف، وهن اللواتي قصرن بصرهن على أزواجهن، فلم تطمح أنظارهن لغير أزواجهن، وقد شهد الله لحور الجنة بالحسن والجمال، وحسبك أن الله شهد بهذا ليكون قد بلغ غاية الحسن والجمال ( فيهن خيرات حسان * فبأى ءالآء ربكما تكذبان * حور مقصورات في الخيام ) [ الرحمن : 70-72].

















(1/97)


























ونساء الجنة لسن كنساء الدنيا، فإنهن مطهرات من الحيض والنفاس، والبصاق والمخاط والبول والغائط ، وهذا مقتضى قوله تعالى: ( ولهم فيها أزوج مطهرة وهم فيها خالدون ) [ البقرة: 25].

















وقد حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن جمال نساء أهل الجنة، ففي الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون، ولا يمتخطون، آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن ". (2)

















وانظر إلى هذا الجمال الذي يحدث عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - هل تجد له نظيراً مما تعرف؟ " ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " رواه البخاري . (3)

















وتحديد عدد زوجات كل شخص في الجنة باثنين يبدو أنه أقل عدد، فقد ورد أن الشهيد يزوج باثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ففي سنن الترمذي وسنن ابن ماجة. بإسناد صحيح عن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "للشهيد عند الله ثلاث خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقربائه ". (4)

















غناء الحور العين

















(1/98)


























وقد أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الحور العين في الجنان يغنين بأصوات جميلة عذبة ، ففي معجم " الطبراني الأوسط" بإسناد صحيح عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط . إن مما يغنين: نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام، ينظرن بقرة أعيان. وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه، نحن الآمنات فلا يخفنه، نحن المقيمات فلا يظعنّه ". (5)

















وروى سموية في " فوائده " عن أنس، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الحور العين لتغنين في الجنة، يقلن: نحن الحور الحسان، خبئنا لأزواج كرام ". (6)

















غيرة الحور العين على أزواجهنّ في الدنيا :

















أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الحور العين يغرن على أزواجهن في الدنيا إذا آذى الواحد زوجته في الدنيا ، ففي مسند أحمد، وسنن الترمذي بإسناد صحيح عن معاذ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا ، إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو دخيل عندك ، يوشك أن يفارقك إلينا ". (7)

















المطلب الرابع

















يُعطى المؤمن في الجنة قوة مائة رجل

















عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا من الجماع ". قيل : يا رسول الله ، أو يطيق ذلك؟ قال: " يعطى قوة مائة رجل " رواه الترمذي . (8)

















--------------------------------

















(1) هذا التحقيق أخذناه بشيء من الاختصار من (سلسلة الأحاديث الصحيحة) للشيخ ناصر: (3/275) ورقم الحديث : 1281 .

















(2) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة، فتح الباري: (6/318)، ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيم أهلها، باب أول زمرة تدخل الجنة: (4/2178) ورقمه: 2834 .

















(3) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الجهاد، باب وزوجناهم بحور عين، فتح الباري: (6/15)، والنصيف: الخمار.

















(1/99)


























(4) مشكاة المصابيح : (3/358)، ورقمه: 3834 .

















(5) صحيح الجامع الصغير: (2/48)، ورقم الحديث: 1557، وعزاه الشيخ ناصر أيضاً إلى الطبراني في الأوسء وإلى أبي نعيم، والضياء في صفة الجنة.

















(6) صحيح الجامع: (2/58)، ورقمه: 1598 .

















(7) صحيح الجامع الصغير : (6/125)، ورقم الحديث: 7069 .

















(8) مشكاة المصابيح: (3/90)، ورقمه: 5636، وقال محقق المشكاة : (قال الترمذي : حديث صحيح غريب) قلت (المحقق): وإسناده حسن، بل هو صحيح ، لأنه له شواهد منها عن زيد بن أرقم عند الدارمي بسند صحيح) .

















ضحك أهل الجنة من أهل النار

















بعد أن يدخل الله أهل الجنة الجنة ينادون خصومهم من الكفار أهل النار مبكتين ومؤنبين ( ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنه الله على الظالمين ) [ الأعراف : 44].

















لقد كان الكفار في الدنيا يخاصمون المؤمنين، ويسخرون منهم، ويهزؤون بهم، وفي ذلك اليوم ينتصر المؤمنون، فإذا بهم وهم في النعيم المقيم، ينظرون إلى المجرمين، فيسخرون منهم، ويهزؤون بهم، ( إن الأبرار لفي نعيم * على الأرائك ينظرون * تعرف في وجوههم نضرة النعيم * يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون * ومزاجه من تسنيم * عيناً يشرب بها المقربون * إن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين* وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون * وما أرسلوا عليهم حافظين * فاليوم الذين ءامنوا من الكفار يضحكون * على الأرائك ينظرون * هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ) [المطففين : 22-36].

















(1/100)


























نعم ، والله لقد جوزي الكفار بمثل ما كانوا يفعلون، والجزاء من جنس العمل، ويتذكر المؤمن في جنات النعيم ذلك القرين أو الصديق الذي كان يزين له الكفر في الدنيا، وكان يدعوه إلى تلك المبادئ الضالة التي تجعله في صف الكافرين أعداء الله ، فيحدّث إخوانه عن ذلك القرين، ويدعوهم للنظر إليه في مقره الذي يعذب فيه، فعندما يرى ما يعاينه من العذاب – يعلم مدى نعمة الله عليه ، وكيف خلصه من حاله، ثم يتوجه إليه باللوم والتأنيب ( فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قال قائل منهم إني كان لي قرين * يقول أءنك لمن المصدقين * أءذا متنا وكنا تراباً وعظماً أءنا لمدينون * قال هل أنتم مطلعون * فاطلع فرءاه في سواء الجحيم * قال تالله إن كدت لتردين* ولولا نعمه ربي لكنت من المحضرين * أفما نحن بميتين * إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين * إن هذا لهو الفوز العظيم ) [الصافات: 50-60].

















التسبيح والتكبير من نعيم أهل الجنة

















الجنة دار جزاء وإنعام، لا دار تكليف واختبار، وقد يشكل على هذا ما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صفة أول زمرة تدخل الجنة، قال في آخره : " يسبحون الله بكرة وعشياً " (1). ولا إشكال في ذلك إن شاء الله تعالى ، لأن هذا ليس من باب التكليف، قال ابن حجر في شرحه للحديث : " قال القرطبي: هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام ! ، وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله: " يُلهمون التسبيح والتكبير كما تلهمون النفس "، ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه، ولا بد منه، فجعل تنفسهم تسبيحاً ، وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه، وامتلأت بحبه، ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره ". (2)

















وقد قرر شيخ الإسلام أن هذا التسبيح والتكبير لون من ألوان النعيم الذي يتمتع به أهل الجنة، قال: " هذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل، بل نفس هذا العمل من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به ". (3)

















(1/101)


























--------------------------------

















(1) صحيح البخاري، كتاب بده الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة، فتح الباري: (6/318) .

















(2) فتح الباري : (6/326) .

















(3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام : (4/330) .

















أفضل ما يُعطاه أهل الجنة

















رضوان الله والنظر إلى وجهه الكريم

















عن أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير كله في يديك، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً " ، متفق عليه. (1)

















وأعظم النعيم النظر إلى وجه الله الكريم في جنات النعيم ، يقول ابن الأثير: " رؤية الله هي الغاية القصوى في نعيم الآخرة، والدرجة العليا من عطايا الله الفاخرة، بلغنا الله منها ما نرجو ". (2)

















وقد صرح الحق تبارك وتعالى برؤية العباد لربهم في جنات النعيم ( وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ) [ القيامة : 22-23] ، والكفار والمشركون يحرمون من هذا النعيم العظيم، والتكرمة الباهرة : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [ المطففين:15]، وقد روى مسلم في صحيحه والترمذي في سننه عن صهيب الرومي – رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا دخل أهل الجنة ، يقول تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى "، زاد في رواية: " ثم تلا هذه الآية: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [يونس : 26] ". (3)

















(1/102)


























وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها – وفي رواية طولها – ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل، ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ". (4)

















والنظر إلى وجه الله تعالى هو من المزيد الذي وعد الله به المحسنين ( لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ) [ ق: 35]، ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [ يونس : 26]، وقد فسرت الحسنى بالجنة ، والزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم، يشير إلى هذا الحديث الذي رواه مسلم وذكرناه قيل قليل .

















ورؤية الله رؤية حقيقية، لا كما تزعم بعض الفرق التي نفت رؤية الله تعالى بمقاييس عقلية باطلة ، وتحريفات لفظية جائرة ، وقد سئل الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة عن قوله تعالى: ( إلى ربها ناظرة ) [ القيامة : 23]، فقيل : إن قوماً يقولون : إلى ثوابه. فقال مالك: كذبوا ، فأين هم عن قوله تعالى: ( إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [المطففين: 15]؟ قال مالك: الناس ينظرون إلى الله يوم القيامة بأعينهم، وقال: لو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة، لم يعبر الله عن الكفار بالحجاب، فقال: ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [ المطففين : 15] ، رواه في " شرح السنة" . (5)

















(1/103)


























ومن الذين نصوا على رؤية المؤمنين ربهم في الجنات الطحاوي في العقيدة المشهورة باسم " العقيدة الطحاوية " ، قال : " والرؤية حق لأهل الجنة ، بغير إحاطة ولا كيفية، كما نطق به كتاب ربنا: ( وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ) [ القيامة : 22-23] ، وتفسيره على ما أراد الله تعالى وعلمه ، وكل ما جاء في ذلك الحديث الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كما قال، ومعناه على ما أراد ، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا، فإنه ما سَلِم في دينه إلا من سلّم لله عز وجل ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -. وردّ علم ما اشتبه عليه إلى عالمه ". (6)

















وقال شارح الطحاوية مبيناً مذاهب الفرق الضالة في هذه المسألة ومذهب أهل الحق :

















" المخالف في الرؤية الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والإمامية . وقولهم باطل مردود بالكتاب والسنة ، وقد قال بثبوت الرؤية الصحابة والتابعون ، وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين ، وأهل الحديث ، وسائر طوائف أهل الكلام المنسوبون إلى السنة والجماعة ".

















ثم بين أهمية هذه المسألة فقال :

















" وهذه المسألة من أشرف مسائل أصول الدين وأجلها ، وهي الغاية التي شمر إليها المشمرون، وتنافس المتنافسون ، وحرمها الذين هم عن ربهم محجوبون ، وعن بابه مردودن ".

















ثم بين أن بين أن قوله تعالى: ( وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ) [ القيامة: 22-23]. من أظهر الأدلة على هذه المسألة ، وأما الذين أبوا إلا تحريفها بما يسمونه تأويلاً : فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والحساب ، أسهل من تأويلها على أرباب التأويل . ولا يشاء مبطل أن يتأول النصوص وبحرفها عن مواضعها إلا وجد إلى ذلك من السبيل ما وجده متأول هذه النصوص.

















(1/104)


























وبين خطورة التأويل : " وهذا الذي أفسد الدنيا والدين. وهكذا فعلت اليهود والنصارى في نصوص التوراة والإنجيل، وحذرنا الله أن نفعل مثلهم. وأبى المبطلون إلا سلوك سبيلهم، وكم جنى التأويل الفاسد على الدين وأهله من جناية. فهل قتل عثمان رضي الله عنه إلا بالتأويل الفاسد ؟ وكذا ما جرى في يوم الجمل، وصفين، ومقتل الحسين ، والحرة ؟ وهل خرجت الخوارج ، واعتزلت المعتزلة ، ورفضت الروافض ، وافترقت الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، إلا بالتأويل الفاسد "!؟ .

















ثم بين أن دلالة الآية على الرؤية من جانبين : الأول فقه النص . والثاني : فقه علماء السلف لهذا النص . ففي الأول قال: " وإضافة النظر إلى الوجه، والذي هو محله، في هذه الآية، وتعديته بأداة " إلى " الصريحة في نظر العين ، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلافه – حقيقة موضوعة صريحة في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله.

















فإن النظر له عدة استعمالات، بحسب صلاته وتعديه بنفسه: فإن عدي بنفسه فمعناه : التوقف والانتظار: ( انظرونا نقتبس من نوركم ) [ الحديد : 13]. وإن عدي بـ " في" فمعناه: التفكر والاعتبار، كقوله: ( أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض ) [ الأعراف: 185]. وإن عدي بـ " إلى" فمعناه: المعاينة بالأبصار، كقوله تعالى: ( انظروا إلى ثمره إذا أثمر ) [ الأنعام: 99] . فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر ؟

















(1/105)


























وساق في الثاني عدة نصوص عن السلف تبين فقههم للآية، فعن " الحسن قال: نظرت إلى ربها فنضرت بنوره ، وقال أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما، ( إلى ربها ناظرة ) [ القيامة : 23] . قال : تنظر إلى وجه ربها عز وجل. وقال عكرمة: ( وجوه يومئذ ناضرة ) [القيامة : 22]. قال : من النعيم، ( إلى ربها ناظرة ) [القيامة : 23] ، قال : تنظر إلى ربها نظراً، ثم حكى عن ابن عباس مثله. وهذا قول المفسرين من أهل السنة والحديث. وقال تعالى: ( لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ) [ق: 35] . قال الطبري: قال علي بن أبي طالب وأنس بن مالك: هو النظر إلى وجه الله عز وجل .

















ثم ذكر معنى الزيادة في قوله تعالى: ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [يونس : 26]، وأنها النظر إلى وجه الله الكريم وساق في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن صهيب، قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [يونس : 26] ، قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد : يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه ، فيقولون: ما هو ؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة ".

















ورواه غيره بأسانيد متعددة وألفاظ أخر ، معناها أن الزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل . وكذلك فسرها الصحابة رضي الله عنهم . روى ابن جرير ذلك عن جماعة، منهم : أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وحذيفة، وأبو موسى الأشعري، وابن عباس، رضي الله عنهم.

















ومن الأدلة على هذه المسألة قوله تعالى: ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [ المطففين : 15].

















(1/106)


























وذكر المصنف أن الشافعي – رحمه الله – وغيره من الأئمة احتجوا بهذه الآية على الرؤية لأهل الجنة، ذكر ذلك الطبري وغيره عن المزني عن الشافعي ، وقال الحاكم: حدثنا الأصم حدثنا الربيع بن سليمان قال: حضرت محمد بن إدريس الشافعي، وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قول الله عز وجل : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [المطففين : 15]. فقال الشافعي : لما أن حجب هؤلاء في السخط ، كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا .

















ثم تعرض لاستدلال المعتزلة بقوله تعالى: ( لن تراني ) [ الأعراف : 143]. وبقوله تعالى: ( لا تدركه الأبصار ) [ الأنعام: 103]، وذكر أن الآيتين دليل عليهم ، فالآية الأولى : تدل على ثبوت رؤيته من وجوه :

















أحدها : أنه لا يظن بكليم الله ورسوله الكريم وأعلم الناس بربه في وقته أن يسأل ما لا يجوز عليه، بل هو عندهم من أعظم المحال.

















الثاني : أن الله لم ينكر عليه سؤاله ، ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر سؤاله، وقال: ( إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) [هود:46] .

















الثالث : أنه تعالى قال: ( لن تراني ) ، ولم يقل : إني لا أرى ، أو لا تجوز رؤيتي ، أو لست بمرئي. والفرق بين الجوابين ظاهر. ألا ترى أن من كان في كمه حجر فظنه رجل طعاماً صح أن يقال: إنك لن تأكله. وهذا يدل على أنه سبحانه مرئي، ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار، لضعف قوى البشر فيها عن رؤيته تعالى.

















الرابع : يوضح الوجه الثالث قوله تعالى: ( ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ) [ الأعراف : 143]. فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت للتجلي في هذه الدار، فكيف بالبشر الذي خُلق من ضعف ؟ .

















الخامس : أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقراً، وذلك ممكن ، وقد علق به الرؤية ، ولو كانت محالاً لكان نظير أن يقول : إن استقر الجبل فسوف آكل وأشرب وأنام. والكل عندهم سواء .

















(1/107)


























السادس : قوله تعالى: ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) [الأعراف: 143]، فإذا جاز أن يتجلى للجبل، الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب ، فكيف يمتنع أن يتجلى لرسوله وأوليائه في دار كرامته؟ ولكن الله أعلم موسى أن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار، فالبشر أضعف .

















السابع : أن الله كلم موسى ، وناداه ، ومن جاز عليه التكلم والتكليم وأن يسمع مخاطبة كلامه بغير واسطة، فرؤيته أولى بالجواز. ولهذا لا يتم إنكار رؤيته بإنكار كلامه، وقد جمعوا بينهما .

















ثم أجاب على دعواهم أن " لن " تفيد التأبيد وتدل على نفس الرؤية في الآخرة، وبيّن الشيخ أنها لو قيدت بالتأبيد فلا تدل على دوام التفي في الآخرة، فكيف إذا أطلقت ؟ ولهذا نظائر في القرآن ، قال تعالى: ( ولن يتمنوه أبدا ) [ البقرة: 95]، مع قوله: ( ونادوا يامالك ليقض علينا ربك ) [ الزخرف : 77]. ولأنها لو كانت للتأبيد المطلق لما جاز تحديد الفعل بعدها، وقد جاء ذلك ، قال تعالى: (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبى ) [ يوسف : 80].

















فثبت أن ( لن ) لا تقتضي النفي المؤبد .

















قال الشيخ جمال الدين بن مالك رحمه الله :

















ومن رأى النفي بلن مؤبداً ××× فقوله اردد وسواه فاعضدا

















وأما الآية الثانية : فالاستدلال بها على الرؤية من وجه حسن لطيف، وهو: أن الله تعالى إنما ذكرها في سياق التمدح، ومعلوم أن المدح إنما يكون بالصفات الثبوتية، أما العدم المحض فليس بكمال فلا يمدح به، وإنما يمدح الرب تعالى بالنفي إذا تضمن أمراً وجودياً، كمدحه بنفي السِّنة والنوم، المتضمن كمال القيومية، وفي الموت المتضمن كمال الحياة، ونفي اللغوب والإعياء، المتضمن كمال القدرة، ونفي الشريك والصاحبة والولد والظهير، المتضمن كمال صمديته وغناه، ونفي الظلم، المتضمن كمال عدله وعلمه وغناه، ونفي النسيان وعزوب شيء عن علمه، المتضمن كمال علمه وإحاطته، ونفي المثل، المتضمن لكمال ذاته وصفاته.

















(1/108)


























ولهذا لم يتمدح بعدم محض لم يتضمن أمراً ثبوتياً ، فإن المعدم يشارك الموصوف في ذلك العدم، ولا يوصف الكامل بأمر يشترك هو والمعدوم فيه، فإن المعنى: إنه يُرى ولا يدرك ولا يحاط به، فقوله: ( لا تدركه الأبصار ) [ الأنعام : 103] يدل على كمال عظمته، وأنه أكبر من كل شيء، وأنه لكمال عظمته لا يدرك بحيث يحاط به، فإن " الإدراك " هو الإحاطة بالشيء ، وهو قدر زائد على الرؤية، كما قال تعالى: ( فلما تراءا الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا ) [ الشعراء: 61-62]. فلم ينف موسى الرؤية، وإنما نفى الإدراك، فالرؤية والإدراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه، فالرب تعالى يرى ولا يدرك ، كما يعلم ولا يحاط به علماً، وهذا هو الذي فهمه الصحابة والأئمة من الآية، كما ذكرت أقوالهم في تفسير الآية. بل هذه الشمس المخلوقة لا يتمكن رائيها من إدراكها على ما هي عليه.

















ثم ذكر الشيخ أن " الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم – وأصحابه ، الدالة على الرؤية متواترة ، رواها أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن . فمنها: حديث أبي هريرة: " أن ناساً قالوا: يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل تُضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا :لا يا رسول الله، قال:هل تُضارّون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا ، قال فإنكم ترونه كذلك "، الحديث، أخرجاه في "الصحيحين" بطوله.

















وحديث أبي سعيد الخدري أيضاً في "الصحيحين" نظيره. وحديث جرير بن عبد الله البجلي، قال: " كنا جلوساً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: إنكم سترون ربكم عياناً، كما ترون هذا ، لا تضامون في رؤيته ". الحديث أخرجاه في "الصحيحين".

















(1/109)


























وحديث صهيب المتقدم، رواه مسلم وغيره. وحديث أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " وجنتان من فضة ، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن يروا ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن "، أخرجاه في "الصحيحين". ومن حديث عدي بن حاتم: " ولَيَلقَينّ الله أحدكم يوم يلقاه ، وليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ، فيقول: ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك ؟ فيقول: بلى يا رب، فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك ؟ فيقول : بلى يا رب " (7) . أخرجه البخاري في "صحيحه".

















--------------------------------

















(1) مشكاة المصابيح : (3/88) .

















(2) جامع الأصل : (10/557) .

















(3) جامع الأصول: (10/560) .

















(4) مشكاة المصابيح: (10/86)، ورقمه : 5616 .

















(5) مشكاة المصابيح : (3/100)، ورقمه : 5663 .

















(6) شرح الطحاوية : 203 .

















(7) راجع شرح الطحاوية : 204-210 .

















الفوز بنعيم الجنة لا يستلزم ترك متاع الدنيا

















ظن الرهبان وكثير من عباد هذه الأمة أن نعيم الآخرة لا يمكن أن ينال إلا إذا رفض العبد طيبات الدنيا وملاذها، ولذلك ترى هؤلاء يعذبون أجسادهم، ويشقون على أنفسهم فيديمون الصيام والقيام، وقد يحرم بعضهم الطيبات من الطعام والشراب واللباس، وقد يتركون العمل والزواج وهذه فكرة خاطئة، فإن الله خلق الطيبات للمؤمنين، وذم من حرم زينة الله التي أخرج لعباده : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين ءامنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) [ الأعراف : 32].

















والدنيا تذم إذا كانت شاغلاً عن الآخرة، أما إذا جعلها العبد معبراً ومدخلاً لنيل الآخرة، فالأمر ليس كما يظن بعض الناس.

















آخر دعواهم

















(1/110)


























يمر المؤمنون في الموقف العظيم بأهوال عظام، ثم يمرون على الصراط فيشاهدون هولاً ورعباً، ثم يدخلهم الله جنات النعيم بعد أن أذهب عنهم الحزن، فيرون ما أعد الله لهم فيها من خيرات عظام، فترتفع ألسنتهم تسبح ربهم وتقدسه، فقد أذهب عنهم الحزن، وصدقهم وعده، وأورثهم الجنة ( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصبٌ ولا يمسنا فيها لغوب ) [فاطر: 34-35]. ( وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ) ] الزمر : 74].

















وآخر دعواهم في جنات النعيم : الحمد لله رب العالمين ( دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وءاخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) [ يونس : 10].

















أصحاب الأعراف

















أخبرنا ربنا تبارك وتعالى عن قوم يكونون في يوم القيامة على الأعراف ، والأعراف هو السور الحاجز بين الجنة والنار .

















وعلى هذا السور يحبس أقوام بين الجنة والنار، ومنه يشرفون على أهل الجنة وعلى أهل النار.

















وأصحاب الأعراف – كما يقول ابن كثير – قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، ذلك أن الله أخبرنا أن من ثقلت موازينه، فهو من أهل الجنة المفلحين، ومن خفت موازينه، فهو من أهل النار الخاسرين ( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) [المؤمنون: 102-103] وسكت النص عمن استوت حسناته وسيئاته.

















(1/111)


























وفي أصحاب الأعراف يقول رب العزة: ( وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون * وإذا صرفت أبصرهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين * ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * هؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ) [الأعراف : 46-49].

















والتمعن في هذه الآيات يدل على ما يأتي :

















1- أن أهل الأعراف ليسوا بكفار قطعاً، لأن الكفار يدخلون النار لا شك في ذلك ، إذ مصير الكفار النار.

















2- أنهم يطمعون في دخول الجنة، وهم يدعون ربهم أن لا يجعلهم مع القوم الظالمين أهل النار.

















3- أنهم ينادون أصحاب الجنة مسلمين عليهم طامعين في صحبتهم، ومنادين أهل النار مبكتيهم ذاميهم.

















4- أن الموقع الذي هم فيه موقع مشرف، يشرفون منه على أهل الجنة وأهل النار، ومن هنا سمي الموضع الذي هم فيه بالأعراف، فالأعراف جمع عرف، والعرب تسمي كل مرتفع من الأرض عرفاً، ومنه قيل لعرف الديك عرفاً لارتفاعه.

















5- أهل الأعراف أحسن حالاً من بعض المؤمنين الذين خفت موازينهم، فأدخلوا النار بذوبهم ، ثم يخرجهم الله من النار بإيمانهم وتوحيدهم، فأهل الأعراف لا يدخلون النار، وإن تأخر دخولهم الجنة.

















المحاجة بين الجنة والنار

















(1/112)


























أخبرنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أن الجنة والنار تحاجتا عند ربهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: فمالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم ؟ - زاد في رواية : وغرتهم – فقال الله عز وجل للجنة : أنت رحمتي أرحمن بك من أشاء من عبادي، وقال للنار : إنما أنت عذابي، أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار: فلا تمتلئ حتى يضع رجله – وفي رواية : حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله – فتقول : قط قط قط ، فهنالك تمتلئ، ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحداً، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقاً " أخرجه البخاري ومسلم.

















وللبخاري قال: " اختصمت الجنة والنار ( إلى ربهما )، فقالت الجنة: يا رب مالها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم ؟ وقالت النار (1)، فقال (الله) للجنة : أنت رحمتي، وقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما الجنة، فإن الله لا يظلم من خلقه أحداً، وإنه ينشئ للنار (2) . من يشاء، فيلقون فيها، فتقول: هل من مزيد ؟ ويلقون فيها، فتقول هل من مزيد ؟ حتى يضع قدمه فيها، فتمتلئ ، ويزوى بعضها إلى بعض، فتقول: قط قط قط ".

















وله في أخرى : - وكان كثيراً ما يقفه أبو سفيان الحميري، أحد رواته، قال : " يقال لجهنم، هل امتلأت ؟ وتقول: هل من مزيد ؟ فيضع الرب قدمه عليها، فتقول : قط قط ".

















ولمسلم بنحو الأولى ، وانتهى عند قوله : " ولكل واحدة منهما ملؤها ".

















وقال في رواية : " فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم (3) وغرتهم ؟ " وفي آخره: " فأما النار، فلا تمتلئ حتى يضع قدمه عليها، فهنالك تمتلئ، ويزوى بعضها إلى بعض " وأخرجه الترمذي نحو الأولى (4) (5) .

















--------------------------------

















(1/113)


























(1) قال محقق جامع الأصل: كذا في الأصول المخطوطة. وفي النسخ المطبوعة: يعني: أوثرت بالمتكبرين، قال الحافظ في (الفتح): كذا وقع هنا مختصراً، قال ابن بطال: سقط قول النار هنا من جميع النسخ، وهو محفوظ في الحديث وانظر (الفتح) (13/434).

















(2) جزم غير واحد من أهل العلم أن هذا خطأ من بعض الرواة، وصوابه ينشئ للجنة .

















(3) السّقط: المزدرى به ، ومنه السَّقط: لرديء المتاع. وغرتهم: الغرّ الذي لم يجرب الأمور، فهو قليل الشر منقاد.

















(4) رواه البخاري (8/458) في تفسير سورة (ق) ، باب قوله تعالى : ( وتقول هل من مزيد ) [ق: 30] وفي التوحيد، باب ما جاء في قول الله تعالى: ( إن رحمت الله قريب من المحسنين ) [الأعراف : 56 ]، ومسلم رقم (2846) في الجنة ، باب النار ويدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، والترمذي رقم (2564) في صفة الجنة ، باب ما جاء في احتجاج الجنة والنار.

















(5) جامع الأصول: (10/544-547) .

















النار تعريف وبيان

















النار هي الدار التي أعدها الله للكافرين به ، المتمردين على شرعه ، المكذبين لرسله ، وهي عذابه الذي يعذب فيه أعداءه ، وسجنه الذي يسحن فيه المجرمين .

















وهي الخزي الأكبر، والخسران العظيم ، الذي لا خزي فوقه، ولا خسران أعظم منه ، ) ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظلمين من أنصار( [ آل عمران : 192] ، ) ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له ، نار جهنم خلداً فيها ذلك الخزى العظيم( [التوبة: 63]، وقال: ) إن الخاسرين الذي خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين( [ الزمر : 15].

















(1/114)


























وكيف لا تكون النار كما وصفنا وفيها من العذاب والآلام والأحزان ما تعجز عن تسطيره أقلامنا ، وعن وصفه ألسنتنا، وهي مع ذلك خالدة وأهلها فيها خالدون، ولذلك فإن الحق أطال في ذم مقام أهل النار في النار ) إنها سآءت مستقراً ومقاماً ) [ الفرقان : 66] ، (هذا وإن للطغين لشر مئاب * جهنم يصلونها فبئس المهاد )[ص: 55 – 56].

















الجنة والنار مخلوقتان

















قال الطحاوي في العقيدة السلفية التي تنسب إليه المعروفة بالعقيدة الطحاوية : " والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبداً ولا تبيدان، فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلاً، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه، وكل يعمل لما قد فرغ له، وصائر إلى ما خلق له، والخير والشر مقدران على العباد ".

















وقال محمد بن محمد بن أبي العز الحنفي شارح الطحاوية في شرحه لهذا النص :

















" أما قوله : "إن الجنة والنار مخلوقتان"، فاتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ولم يزل أهل السنة على ذلك، حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية، فأنكرت ذلك، وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة. وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله، وأنه ينبغي أن يفعل كذا، ولا ينبغي له أن يفعل كذا. وقاسوه على خلقه في أفعالهم، فهم مشبهة في الأفعال، ودخل التجهم فيهم، فصاروا مع ذلك معطلة. وقالوا: خلق الجنة قبل الجزاء عبث، لأنها تصير معطلة مدداً متطاولة . فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب تعالى، وحرفوا النصوص عن مواضعها، وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم".

















(1/115)


























ثم ساق الأدلة من الكتاب والسنة التي تدل على أنهما مخلوقتان، "فمن نصوص الكتاب: قوله تعالى عن الجنة : ) أعدت للمتقين ( [آل عمران: 133]، ) أعدت للذين ءامنوا بالله ورسله ( [الحديد: 21]، وعن النار ) أعدت للكافرين ) [ آل عمران : 131]، ( إن جهنم كانت مرصاداً * للطغين مئاباً ) [ النبأ: 21 – 22]. وقال تعالى: ( ولقد رءاه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى ) [ النجم: 13– 15] .

















وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - سدرة المنتهي، ورأى عندها جنة المأوى. كما في "الصحيحين"، من حديث أنس رضي الله عنه، في قصة الإسراء، وفي آخره: " ثم انطلق بي جبرائيل، حتى أتى سدرة المنتهى، فغشيها ألوان لا أدري ما هي، قال : ثم دخلت الجنة، فإذا هي جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك ".

















وفي "الصحيحين" من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة ". (1)

















وحديث البراء بن عازب وفيه : " ينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي ، فأفرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة ، قال: فيأتيه من روحها وطيبها ".

















وفي "صحيح مسلم" ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكرت الحديث، وفيه: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم، حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفاً من الجنة حين رأيتموني جعلت أقدم. ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضاً حين رأيتموني تأخرت ". (2)

















(1/116)


























وفي " الصحيحين " واللفظ للبخاري، عن عبد الله بن عباس، قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر الحديث ، وفيه : فقالوا : يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك ، ثم رأيناك كعكعت ؟ فقال: " أني رأيت الجنة، فتناولت عنقوداً ، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار، فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء " ، قالوا: بم ، يا رسول الله ؟ قال : "بكفرهن" قيل : يكفرن بالله ؟ قال: " يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت خيراً قط " . (3)

















وفي "صحيح مسلم" من حديث عائشة السابق أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته بعد الصلاة: " لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ، ولضحكتم قليلاً ". (4)

















وفي "الموطأ والسنن" ، من حديث كعب بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنما نسمة المؤمن طيرٌ تعلق في شجر الجنة، حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة " . (5) وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة.

















وفي "صحيح مسلم والسنن والمسند" ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لما خلق الله الجنة والنار، أرسل جبرائيل إلى الجنة، فقال: اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فذهب فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، فرجع فقال: وعزتك، لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بالجنة، فحفت بالمكاره، فقال: ارجع فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها. قال: فنظر إليها، ثم رجع فقال :وعزتك، لقد خشيت أن لا يدخلها أحد .

















(1/117)


























قال: ثم أرسله إلى النار، قال: اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فنظر إليها، فإذا هي يركب بعضها بعضاً ، ثم رجع فقال: وعزتك، لا يدخلها أحد سمع بها، فأمر بها فحفت بالشهوات، ثم قال: اذهب فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، فذهب فنظر إليها، فرجع فقال: وعزتك، لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها ". ونظائر ذلك في السنة كثيرة . (6)

















وقد عقد البخاري في صحيحه باباً قال فيه : "باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (7) وساق في هذا الباب أحاديث كثيرة تدل على أن الجنة مخلوقة، منها الحديث الذي ينص على أن الله يُري الميت عندما يوضع في قبره مقعده من الجنة والنار، وحديث إطلاع الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الجنة والنار، وحديث رؤية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لقصر عمر بن الخطاب في الجنة، وغير ذلك من الأحاديث، وقد كان ابن حجر مصيباً عندما قال: " وأصرح مما ذكره البخاري في ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد قوي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لما خلق الله الجنة، قال لجبريل: اذهب فانظر إليها ". (8)

















شبهة من قال النار لم تخلق بعد :

















وقد ناقش شارح الطحاوية شبهة الذين قالوا : لم تخلق النار بعد ، ورد عليها فقال:

















(1/118)


























"وأما شبهة من قال: إنها لم تخلق بعد، وهي: أنها لو كانت مخلوقة الآن لوجب اضطراراً أن تفنى يوم القيامة وأن يهلك كل من فيها ويموت، لقوله تعالى: ( كل شيء هالك إلا وجهه( [ القصص : 88] ، و ( كل نفس ذائقة الموت ) [ آل عمران:185]، وقد روى الترمذي في جامعه، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقيت إبراهيم ليلة أسري بي ، فقال : يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر " (9) . قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود. وفيه أيضاً من حديث أبي الزبير، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال: " من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة " (10) ، قال فيه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

















قالوا: فلو كانت مخلوقة مفروغاً منها لم تكن قيعاناً، ولم يكن لهذا الغراس معنى . قالوا: وكذا قوله تعالى عن امرأة فرعون أنها قالت:

















( رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ) [ التحريم : 11].

















فالجواب : إنكم إن أردتم بقولكم إنها الآن معدومة بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور، فهذا باطل، يرده ما تقدم من الأدلة وأمثالها مما لم يذكر، وإن أردتم أنها لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها، وأنها لا يزال الله يُحدث فيها شيئاً يعد شيء ، وإذا دخلها المؤمنون أحدث فيها عند دخولهم أموراً أخر – فهذا حق لا يمكن رده، وأدلتكم هذه إنما تدل على هذا القدر.

















(1/119)


























وأما احتجاجكم بقوله تعالى: ( كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88] ، فأتيتم من سوء فهمكم معنى الآية، واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن – نظير احتجاج إخوانكم على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما!! فلم توفقوا أنتم ولا إخوانكم لفهم معنى الآية، وإنما وفق لذلك أئمة الإسلام. فمن كلامهم : أن المراد ( كل شيء ) مما كتب الله عليه الفناء والهلاك ( هالك ) ، والجنة والنار خُلِقتا للبقاء لا للفناء، وكذلك العرش، فإنه سقف الجنة.

















وقيل : المراد إلا مُلْكَه. وقيل : إلا ما أريد به وجهه. وقيل : إن الله تعالى أنزل: ( كل من عليها فان ) [ الرحمن : 26]، فقالت الملائكة : هلك أهل الأرض ، وطمعوا في البقاء، فأخبر تعالى عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون، فقال: ( كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88] لأنه حي لا يموت، فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت. وإنما قالوا ذلك توفيقاً بينها وبين النصوص المحكمة، الدالة على بقاء الجنة، وعلى بقاء النار أيضاً، على ما يُذْكَر عن قريب، إن شاء الله تعالى" . (11)

















--------------------------------

















(1) صحيح البخاري 1379. وصحيح مسلم : 2866.

















(2) صحيح مسلم : 901.

















(3) صحيح البخاري: 1052، 5197. وصحيح مسلم : 907.

















(4) صحيح مسلم : 901

















(5) قال الألباني في تحقيقه للطحاوية: صحيح .

















(6) شرح الطحاوية : 476 – 478 .

















(7) في كتاب بدء الخلق، انظر فتح الباري : (6/317)

















(8) فتح الباري 6/320).

















(9) سنن الترمذي : 3462. وقال الشيخ ناصر في تعليقه على شرح الطحاوية ص : 106 وهو مخرج في الصحيحة.

















(10) وقال أيضاً في هذا الحديث: صحيح، وهو مخرج في المصدر السابق : 64. وهو في سنن الترمذي برقم : 3464.

















(11) شرح الطحاوية: ص 479/ وراجع في هذه الموضوع: (بقظة أولى الاعتبار لصديق حسن خان ص : 37، وعقيدة السفاريني : (2/230).

















خزنة النار

















(1/120)


























يقوم على النار ملائكة، خلقهم عظيم، وبأسهم شديد، لا يعصون الله الذي خلقهم، ويفعلون ما يؤمرون، كما قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) [ التحريم : 6].

















وعدتهم تسعة عشر ملكاً ، كما قال تعالى: ( سأصليه سقر*وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر*لواحةٌ للبشر*عليها تسعة عشر )

















[ المدثر: 26 - 30] وقد فتن الكفار بهذا العدد، فقد ظنوا أنه يمكن التغلب على هذا العدد القليل، وغاب عنهم أن الواحد من هؤلاء يملك من القوة ما يواجه به البشر جميعاً، ولذلك عقب الحق على ما سبق بقوله: ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ) [ المدثر: 31].

















قال ابن رجب: " والمشهور بين السلف والخلف أن الفتنة إنما جاءت من حيث ذكر عدد الملائكة الذين اغتر الكفار بقلتهم، وظنوا أنهم يمكنهم مدافعتهم وممانعتهم، ولم يعلموا أن كل واحد من الملائكة لا يمكن البشر كلهم مقاومته" (1) . وهؤلاء الملائكة هم الذين سماهم الله "بخزنة جهنم" في قوله: ( وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب ) [ غافر: 49].

















--------------------------------

















(1) التخويف من النار: ص 174.

















مكان النار

















اختلف العلماء في موقع النار الآن فقال بعضهم: هي في الأرض السفلى، وقال آخرون: هي في السماء، وقال آخرون بالتوقف في ذلك، وهو الصواب، لعدم ورود نص صريح صحيح يحدد موقعها، ومن الذين توقفوا في هذا ، الحافظ السيوطي قال: " وتَقِفُ عن النار، أي : تَقُُولُ فيها بالوقف ، أي محلها ، حيث لا يعلمه إلا الله ، فلم يثبت عندي حديث أعتمده في ذلك " . (1)

















(1/121)


























وقال الشيخ ولي الله الدهلوي في عقيدته : "ولم يصرح نص في تعيين مكانهما (أي الجنة والنار)، بل حيث شاء الله تعالى، إذ لا إحاطة لنا بخلق الله وعوالمه " (2) ، وقال صديق حسن خان عقب إيراده لقول الدهلوي هذا: " أقول : وهذا القول أرجح الأقوال وأحوطها إن شاء الله تعالى " . (3)

















--------------------------------

















(1) يقظة أولي الاعتبار، لصديق حسن خان: ص 47 .

















(2) المصدر السابق: ص 47.

















(3) المصدر السابق.

















سعة النار وبعد قعرها

















النار شاسعة واسعة، بعيد قعرها، مترامية أطرافها، يدلنا على هذا أمور :

















الأول : الذين يدخلون النار أعداد لا تحصى، ومع كثرة عددهم فإن خلق الواحد فيهم يضخم حتى يكون ضرسه في النار مثل جبل أحد، وما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام، ومع ذلك فإنها تستوعب هذه الأعداد الهائلة التي وجدت على امتداد الحياة الدنيا من الكفرة المجرمين على عظم خلقهم، ويبقى فيها متسع لغيرهم وقد أخبرنا الله بهذه الحقيقة في سورة ق فقال: ( ويوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ) [ ق: 30].

















إن النار تشبه الطاحونة التي ينحدر إليها ألوف وألوف من أطنان الحبوب فتدور بذلك كله لا تكل ولا تمل ، وينتهي الحب والطاحونة تدور انتظاراً للمزيد. وقد جاء في حديث احتجاج الجنة والنار أن الله يقول للنار: " إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار، فلا تمتلئ حتى يضع رجله – وفي رواية حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله – فتقول : قط قط قط ، فهنالك تمتلئ ، ويُزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحداً " رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة . (1)

















وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول: قط ، قط ، بعزتك وكرمك " متفق عليه . (2)

















(1/122)


























الثاني : يدل على بعد قعرها أيضاً أن الحجر إذا ألقي من أعلاها احتاج إلى آماد طويلة حتى يبلغ قعرها، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إذ سمع وَجْبَة (3) ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " تدرون ما هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم . قال: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً، فهو يهوي في النار إلى الآن " . (4)

















وروى الحاكم عن أبي هريرة، والطبراني عن معاذ وأبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لو أن حجراً مثل سبع خلفات، ألقي من شفير جهنم هوى فيها سبعين خريفاً لا يبلغ قعرها " . (5)

















الثالث : كثرة العدد الذي يأتي بالنار من الملائكة في يوم القيامة، فقد وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - مجيء النار في يوم القيامة، الذي يقول الله فيه: ( وجاىء يومئذ بجهنم ) [ الفجر: 23]، فقال: " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك " رواه مسلم عن عبد الله ابن مسعود (6) . ولك أن تتخيل عظم هذا المخلوق الرهيب الذي احتاج إلى هذا العدد الهائل من الملائكة الأشداء الأقوياء الذين لا يعلم مدى قوتهم إلا الله تبارك وتعالى .

















الرابع : ومما يدل على هول النار وكبرها أن مخلوقين عظيمين كالشمس والقمر يكونان ثورين مكورين في النار، ففي "مشكل الآثار" للطحاوي عن سلمة بن عبد الرحمن قال: حدثنا أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة ". ورواه البيهقي في كتاب "البعث والنشور" وكذا البزار والإسماعيلي والخطابي، بإسناد صحيح، على شرط البخاري، وقد أخرجه في صحيحه مختصراً بلفظ: " الشمس والقمر مكوران في النار " . (7)

















--------------------------------

















(1) جامع الأصول : (10/544) وهو في البخاري يرقم : 4850 . وفي مسلم : 2846.

















(1/123)


























(2) مشكاة المصابيح : (3/109) وهو في البخاري برقم : 6661. وفي مسلم : 2848. واللفظ لمسلم.

















(3) أي سقطة.

















(4) رواه مسلم ، كتاب الجنة ، باب في شدة حر النار، (4/2184)، ورقمه (2844).

















(5) صحيح الجامع الصغير: (5/58)، ورقمه (5214)، وإسناده صحيح.

















(6) صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيم أهلها، باب في شدة حر جهنم (4/2184)، ورقم الحديث: (2842) .

















(7) أورده الشيخ ناصر الحديث في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/32)، ورقم الحديث : 124، وقد نقلنا تحقيقه للحديث مختصراً.

















دركات النار

















النار متفاوتة في شدة حرها، وما أعده الله من العذاب لأهلها، فليست درجة واحدة، وقد قال الحق تبارك وتعالى : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) [ النساء : 145]. والعرب تطلق: " الدرك " على كل ما تسافل، كما تطلق: " الدرج " على كل ما تعالى ، فيقال: للجنة درجات وللنار دركات، وكلما ذهبت النار سفلاً كلما علا حرها واشتد لهيبها (1) ، والمنافقون لهم النصيب الأوفر من العذاب ، ولذلك كانوا في الدرك الأسفل من النار.

















وقد تسمى النار درجات أيضاً، ففي سورة الأنعام ذكر الله أهل الجنة والنار، ثم قال: ( ولكلٍ درجاتٌ مما عملوا ) [ الأنعام: 132]، وقال: ( أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير* هم درجاتٌ عند الله..) [ آل عمران : 162 - 163]، قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: " درجات الجنة تذهب علواً، ودرجات النار تذهب سفلاً " (2) . وقد ورد عن بعض السلف أن عصاة الموحدين ممن يدخلون النار يكونون في الدرك الأعلى ، ويكون في الدرك الثاني اليهود ، وفي الدرك الثالث النصارى ، وفي الدرك الرابع الصائبون ، وفي الخامس المجوس ، وفي السادس مشركوا العرب ، وفي السابع المنافقون (3) . ووقع في بعض الكتب تسمية هذه الدركات: فالأول جهنم، والثاني لظى، والثالث الحطمة، والرابع السعير، والخامس سقر، والسادس الجحيم ، والسابع الهاوية .

















(1/124)


























ولم يصح تقسيم الناس في النار وفق هذا التقسيم، كما لم يصح تسمية دركات النار على النحو الذي ذكروه ، والصحيح أن كل واحد من هذه الأسماء التي ذكروها : جهنم، لظى ، الحطمة ... إلخ اسم علم للنار كلها، وليس لجزء من النار دون جزء ، وصح أن الناس متفاوتون على قدر كفرهم وذنوبهم .

















--------------------------------

















(1) راجع تذكرة القرطبي: ص 382، والتخويف من النار ، لابن رجب : ص 50 .

















(2) التخويف من النار ، لابن رجب : ص 50 .

















(3) إذا كان هذا التقسيم اجتهادي بحسب فقهنا للنصوص الدالة على شدة جرم الفرق المختلفة ، فإن هذا الترتيب الذي ذكروه يحتاج إلى إعادة نظر ، فالمجوس عباد النيران ليسوا بأقل جرماً من مشركي العرب ، والأولى أن نسكت فيما سكتت عنه النصوص .

















أبواب النار

















أخبر الحق أن للنار سبعة أبواب كما قال تعالى: ( وإن جهنم لموعدهم أجمعين* لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ) [ الحجر: 43 - 44]. قال ابن كثير في تفسير الآية: " أي قد كتب لكل باب منها جزء من أتباع إبليس يدخلونه لا محيد لهم عنه، أجارنا الله منها، وكل يدخل من باب بحسب عمله، ويستقر في درك بحسب عمله " ونُقِلَ عن علي بن أبي طالب قوله وهو يخطب : " إن أبواب جهنم هكذا – قال أبو هارون – أطباقاً بعضها فوق بعض " ونُقل عنه أيضاً قوله: " أبواب جهنم سبعة بعضها فوق بعض، فيمتلئ الأول، ثم الثاني ، ثم الثالث، حتى تمتلئ كلها " . (1)

















(1/125)


























وعندما يردُ الكفار النار تفتح أبوابها، ثم يدخلونها خالدين ( وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ) [ الزمر: 71]، وبعد هذا الإقرار يقال لهم: ( ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ) [ الزمر: 72] ، وهذه الأبواب تغلق على المجرمين، فلا مطمع لهم في الخروج منها بعد ذلك، كما قال تعالى: ( والذين كفروا بئاياتنا هم أصحاب المشئمة*عليهم نار مؤصدة ) [ البلد : 19 - 20].

















قال ابن عباس: ( مؤصدة ) مغلقة الأبواب، وقال مجاهد: أصد الباب بلغة قريش، أي أغلقه . (2)

















وقال الحق في سورة الهمزة: ( ويل لكل همزة لمزة*الذي جمع مالاً وعدده*يحسب أن ماله أخلده* كلا لينبذن في الحطمة* وما أدراك ما الحطمة* نار الله الموقدة*التي تطلع على الأفئدة* إنها عليهم مؤصدة* في عمد ممدة ) [الهمزة : 1 - 9] .

















فأخبر الحق أن أبوابها مغلقة عليهم، وقال ابن عباس: ( في عمد ممدده ) يعني الأبواب هي الممددة ، وقال قتادة في قراءة ابن مسعود: إنها عليهم مؤصدة بعمد ممددة (3) ، وقال عطية العوفي : هي عمد من حديد ، وقال مقاتل : أطبقت الأبواب عليهم، ثم شدت بأوتاد من حديد، حتى يرجع عليهم غمها وحرها، وعلى هذا فقوله: ( ممددة ) صفة للعمد، يعني أن العمد التي أوثقت بها الأبواب ممددة مطولة، والممدود الطويل أرسخ وأثبت من القصير . (4)

















وقد تفتح أبواب النار وتغلق قبل يوم القيامة، فقد أخبر المصطفى أن أبواب النار تغلق في شهر رمضان، فعن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين ومردة الجن " . (5)

















(1/126)


























وخرّج الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب " . (6)

















--------------------------------

















(1) تفسير ابن كثير : ( 4/164).

















(2) تفسير ابن كثير : ( 7/ 298) .

















(3) تفسير ابن كثير : (7/368).

















(4) التخويف من النار، لابن رجب ، ص 61.

















(5) صحيح البخاري: 1898، 1899 ومسلم : 1079 واللفظ لمسلم.

















(6) سنن الترمذي : 682، وأورده الألباني في صحيح سنن الترمذي : 549.

















وقود النار

















وقود النار الأحجار والفجرة الكفار، كما قال الحق: ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ) [ التحريم: 6] ، وقال : ( فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ) [ البقرة: 24] .

















والمراد بالناس الذين توقد النار بهم الكفرة المشركون، وأما نوع الحجارة التي تكون للنار وقوداً فالله أعلم بحقيقتها، وقد ذهب بعض السلف إلى أن هذه الحجارة من كبريت، قال عبد الله بن مسعود : هي حجارة من كبريت، خلقها الله يوم خلق السماوات والأرض في السماء الدنيا يعدها للكافرين ، رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم في المستدرك . وقال بهذا القول ابن عباس ومجاهد وابن جريج . (1)

















(1/127)


























وإذا كان القول هذا مأخوذاً من الرسول - صلى الله عليه وسلم - فنأخذ به، ولا نجادل فيه ، وإن كان أمراً اجتهادياً مبنياً على العلم بطبائع الحجارة وخصائصها فهذا قول غير مسلّم ، فإن من الحجارة ما يفوق حجارة الكبريت قوة واشتعالاً . والأوائل رأوا أن حجارة الكبريت لها خصائص ليست لغيرها من الحجارة فقالوا إنها مادة وقود النار ، يقول ابن رجب : " وأكثر المفسرين على أن المراد بالحجارة حجارة الكبريت توقد بها النار . ويقال : إن فيها خمسة أنواع من العذاب ليس في غيرها : سرعة الإيقاد ، ونتن الرائحة ، وكثرة الدخان ، وشدة الالتصاق بالأبدان ، قوة حرها إذا حميت " (2) . وقد يوجد الله من أنواع الحجارة ما يفوق ما في الكبريت من خصائص، ونحن نجزم أن ما في الآخرة مغاير لما في الدنيا.

















ومما توقد به النار الآلهة التي كانت تعبد من دون الله ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون* لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكلٌ فيها خالدون ) [الأنبياء : 98 – 99 ].

















وحصبها : وقودها وحطبها ، وقال الجوهري : " كل ما أوقدت به النار أو هيجتها فقد حصبتها " ، وقال أبو عبيدة: " كل ما قذفته في النار فقد حصبتها به " . (3)

















--------------------------------

















(1) تفسير ابن كثير : ( 1/107).

















(2) التخويف من النار ، لابن رجب : ص 107.

















(3) يقظة أو لي الاعتبار : ص 61.

















شدة حرها وعظم دخانها وشرارها

















قال الله تعالى : ( وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال*في سموم وحميم*وظل من يحموم * لا بارد ولا كريم ) [الواقعة : 41 - 44 ] ، وقد تضمنت هذه الآية ذكر ما يتبرد به الناس من الكرب والحر وهو ثلاثة : الماء والهواء والظل ، وذكرت الآية أن هذه لا تغني عن أهل النار شيئاً ، فهواء جهنم : السموم ، وهو الريح الحارة الشديدة الحر ، وماؤها : الحميم الذي قد اشتد حره ، وظلها : اليحموم وهو قطع دخانها . (1)

















(1/128)


























وكما هوّل في هذه الآية أمر أصحاب الشمال أهل النار ، هوّل في آية أخرى أمر النار فقال: ( وأما من خفت موازينه* فأمه هاوية* وما أدراك ما هيه * نار حامية ) [القارعة : 8 - 11 ].

















والظل الذي أشارت إليه الآية ( وظل من يحموم ) [الواقعة : 43 ] ، هو ظل دخان النار ، والظل يشعر عادة بالنداوة والبرودة ، كما أن النفس تحبه وتستريح إليه، أما هذا الظل فإنه ليس ببارد المدخل ولا بكريم المنظر، إنه ظل من يحموم .

















وقد حدثنا القرآن عن هذا الظل الذي هو دخان جهنم الذي يعلو النار، فقال: ( انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب* لا ظليل ولا يغني من اللهب* إنها ترمي بشرر كالقصر *كأنه جملت صفر ) [ المرسلات: 30-33 ]. فالآية تقرر أن الدخان الذي يتصاعد من هذه النار لضخامته ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وهو يلقي ظلالاً ولكنها غير ظليلة، ولا تقي من اللهب المشتعل، أما شرار هذه النار المتطاير منها فإنه يشبه الحصون الضخمة، كما يشبه هذا الشرار الجمالة الصفر، أي الإبل السود.

















وقال الحق مبيناً قوة هذه النار، ومدى تأثيرها في المعذبين : ( سأصليه سقر*وما أدراك ما سقر*لا تبقي ولا تذر*لواحة للبشر ) [المدثر: 26-29 ] ، إنها تأكل كل شيء ، وتدمر كل شيء ، لا تبقي ولا تذر ، تحرق الجلود ، وتصل إلى العظام ، وتصهر ما في البطون ، وتطلع على الأفئدة .

















وقد أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن " نارنا جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم "، قيل : يا رسول الله إن كانت لكافية، قال: " فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً، كلهن مثل حرها " . رواه البخاري ومسلم ، واللفظ للبخاري ، وفي لفظ مسلم: " ناركم التي يوقد ابن آدم.." . (2)

















(1/129)


























وهذه النار لا يخبو أوارها مع تطاول الزمان، ومرور الأيام ( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً ) [النبأ: 30 ]، ( كلما خبت زدناهم سعيرا ) [الإسراء : 97 ]، ولذلك لا يجد الكفار طعم الراحة، ولا يخفف عنهم العذاب مهما طال العذاب : ( فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ) [البقرة: 86 ]. والنار تسعر كل يوم كما في الحديث عند مسلم عن عمرو ابن عبسة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة، حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم ، فإذا أقبل الفيء فصلِّ " . (3)

















وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم " . (4)

















وتُسعرُ النار في يوم القيامة عندما تستقبل أهلها ( وإذا الجحيم سعرت *وإذا الجنة أزلفت ( [التكوير: 12-13 ]، ومعنى سُعِّرت : أوقدت، وأحميت .

















--------------------------------

















(1) التخويف من النار: ص 85 .

















(2) رواه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب صفة النار ، فتح الباري: (6/330)، ورواه مسلم في كتاب الجنة، باب شدة حر النار : ( 4/2184).

















(3) صحيح مسلم : 832 .

















(4) صحيح البخاري: 536. ومسلم : 615.

















النار تتكلم وتبصر

















الذي يقرأ النصوص من الكتاب والسنة التي تصف النار يجدها مخلوقاً يبصر، ويتكلم، ويشتكي، ففي الكتاب العزيز أن النار ترى أهلها وهم قادمون إليها من بعيد، فعند ذلك تطلق الأصوات المرعبة الدالة على مدى حنقها وغيظها على هؤلاء المجرمين، قال تعالى: ( إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيرا ) [الفرقان : 12 ].

















(1/130)


























وروى ابن جرير عن ابن عباس قال : " إن الرجل ليجر إلى النار، فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض، فيقول لها الرحمن: ما لك؟ فتقول: إنه يستجير مني، فيقول: أرسلوا عبدي. وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يا رب ما كان هذا الظن بك، فيقول: ما كان ظنك؟ فيقول: أن تسعني رحمتك، فيقول: أرسلوا عبدي. وإن الرجل إلى النار، فتشهق إليه النار شهوق البغلة إلى الشعير، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف " . (1)

















وقد خرج الإمام أحمد والترمذي من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يخرج يوم القيامة عنق من النار، لها عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق ، تقول: إني وُكّلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصورين " وصححه الترمذي . (2)

















--------------------------------

















(1) ساق ابن كثير هذا الحديث في (النهاية) (2/21) وقال: ( إسناده صحيح ) . وانظره في تفسير ابن جرير: 18/187.

















(2) التخويف من النار، ص 179، وانظر جامع الأصول: ( 10/518)، وقال المحقق: إسناده حسن ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب .

















رؤيا ابن عمر للنار

















وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن ابن عمر أنه رأى في المنام أنه جاءه ملكان في يد كل واحد منهما مقمعة من حديد ، يقبلا بي إلى جهنم ثم لقيه ملك في يده مقمعة من حديد ، قالوا : لن تُرع . نعم الرجل أنت ، لو كنت تكثر الصلاة ، قال : فانطلقوا بي حتى وقفوا بي على شفير جهنم ، فإن هي مطوية كطي البئر ، له قرون كقرن البئر ، بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من حديد ، وأرى فيها رجالاً معلقين بالسلاسل ، رؤوسهم أسفلهم ، عرفت فيها رجالاً من قريش ، فانصرفوا بي عن ذات اليمين ، فقصصتها على حفصة ، فقصتها حفصة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " إن عبد الله رجل صالح " . (1)

















--------------------------------

















(1) صحيح البخاري: 7028، 7029 . ومسلم : 2479.

















(1/131)


























هل يرى أحد النار قبل يوم القيامة عياناً ؟

















الذي نعلمه أن رسولنا صلوات الله وسلامه عليه قد رأى النار كما رأى الجنة في حياته، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عباس في صلاة الخسوف أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: " إني رأيت الجنة ، فتناولت عنقوداً، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، وأريت النار فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء " . (1)

















وفي صحيح البخاري عن أسماء أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: " قد دنت مني الجنة، حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها، ودنت مني النار حتى قلت: أي رب وأنا معهم ؟ فإذا امرأة – حسبت أنه قال – تخدشها هرة. قلت: ما شأن هذه ؟ قالوا: حبستها حتى ماتت جوعاً، لا هي أطعمتها، ولا أرسلتها تأكل – قال نافع: حسبت أنه قال: - من خشيش أو خشاش الأرض " . (2)

















وفي مسند أحمد عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن النار أدنيت منى حتى نفخت حرها عن وجهي، فرأيت فيها صاحب المحجن، والذي بحر البحيرة، وصاحب حمير، وصاحبة الهرة " . (3)

















وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عرضت عليّ الجنة، حتى لو تناولت منها قطفاً أخذته، ( أو قال: تناولت منها قطفاُ، فقصرت يدي عنه)، وعرضت عليّ النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها، ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، ورأيت عمرو بن مالك يجرُّه قصبه في النار " . (4)

















وبعد أن يموت العباد تعرض عليهم في البرزخ مقاعدهم في الجنة إن كانوا مؤمنين ، ومقاعدهم في النار إن كانوا كافرين .

















--------------------------------

















(1) مشكاة المصابيح : ( 1/ 407) ، وانظر البخاري : 1052. ومسلم : 907.

















(2) صحيح الجامع : ( 4/ 133)، ورقم الحديث : 4247. انظر صحيح البخاري : 745، 2364.

















(3) صحيح الجامع : ( 2/171)، ورقمه : 1968.

















(4) صحيح مسلم : 904.

















(1/132)


























تأثير النار على الدنيا وأهلها

















روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " اشتكت النار إلى ربها، فقالت رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لنا بنفسين : نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر، وأشدُّ ما تجدون من الزمهرير ".

















وروى البخاري أيضاً عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم " . (1)

















--------------------------------

















(1) انظر هذين الحديثين في صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق، باب صفة النار وأنها مخلوقة، فتح الباري: (6/330)، ورقمهما: 3258، 5259، 3260. وانظرهما في مسلم برقم : 616، 617.

















النار خالدة لا تبيد

















النار خالدة لا تفنى ولا تبيد، كما قال الطحاوي في عقيدته: " والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان ولا تبيدان " (1) ، ونقل ابن حزم اتفاق الأمة على ذلك ، فقد جاء في كتابه " الملل والنحل " قوله: " اتفقت فرق الأمة كلها على أن لا فناء للجنة ولا لنعيمها، ولا للنار ولا لعذابها، إلا الجهم بن صفوان " . (2)

















وجاء في كتابه " مراتب الإجماع" قوله: "...وأن النار حق، وأنها دار عذاب لا تفنى ، ولا يفنى أهلها بلا نهاية " (3) . والنصوص الدالة على خلود النار كثيرة ، وحسبك أن الله سماها " دار الخلد ".

















هذا مذهب أهل السنة والجماعة أن النار خالدة لا تبيد، وأهلها فيها خالدون، ولا يخرج منها إلا عصاة الموحدين، أما الكفرة والمشركون فهم فيها خالدون.

















القائلون بفناء النار

















والمخالفون لمذهب أهل الحق في هذه المسألة سبع فرق :

















1- الجهمية : القائلون بفناء النار وفناء الجنة أيضاً، وقد حكى الإمام أحمد في آخر كتاب " الرد على الزنادقة " مذهب الجهمية بأن النار والجنة تفنيان ، ورد عليهم ذاكراً النصوص الدالة على عدم فنائهما .

















(1/133)


























2- الخوارج والمعتزلة : يقولون بخلود كل من يدخل النار، ولو كانوا من أهل التوحيد، وسر هذا القول أن الخوارج يكفرون المسلمين بالذنوب، فكل من ارتكب ذنباً، فإنه كافر خالد مخلد في نار جهنم، والمعتزلة يرون أن من ارتكب ذنباً في منزلة بين المنزلتين، فلا هو مؤمن ولا كافر، ويجرون عليه أحكام الإسلام في الدنيا، ولكنه في الآخرة مخلد في نار جهنم، وقد سقنا كثيراً من النصوص الدالة على أن أهل التوحيد يخرجون من النار .

















3- اليهود : الذين يزعمون أنهم يعذبون في النار وقتاً محدوداً، ثم يخلفهم غيرهم فيها، وقد أكذبهم الله في زعمهم، ورد عليهم مقالتهم ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله مالا تعلمون * بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [البقرة: 80 - 81 ]. ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون*ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ) [آل عمران : 23 - 24 ] .

















ونقل ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس أنه قال في تفسير آية البقرة: " قال أعداء الله اليهود: لن يدخلنا الله النار إلا تحلة القسم، الأيام التي أصبنا فيها العجل: أربعين يوماُ، فإذا انقضت عنا تلك الأيام، انقطع عنا العذاب " .

















وذكر ابن حرير عن السدي قوله: " قالت اليهود : إن الله يدخلنا النار أربعين ليلة، حتى إذا أكلت النار خطايانا، نادى مناد: أخرجوا كل مختون من ولد بني إسرائيل ، فلذلك أمرنا أن نختن ، قالوا : فلا يدعون منا في النار أحداً إلا أخرجوه " . (4)

















(1/134)


























وذكر أيضاً ابن عباس قال: " ذكر أن اليهود وجدوا في التوراة مكتوياً : إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة إلى أن ينتهي إلى شجرة الزقوم ثابتة في أصل الجحيم، وكان ابن عباس يقول: إن الجحيم سقر، وفيها شجرة الزقوم، فزعم أعداء الله أنه خلا العدد الذي وجدوا في كتابهم أياماً معدودة ".

















قال ابن جرير: "وإنما يعني بذلك يعني بذلك المسير الذي ينتهي في أصل الجحيم، فقالوا: إذا خلا العدد انتهى الأجل ، فلا عذاب وتذهب جهنم وتهلك، فذلك قوله: ( لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ) [البقرة:80 ]. يعنون بذلك الأجل ، فقال ابن عباس : " لما اقتحموا من باب جهنم ساروا في العذاب، حتى انتهوا إلى شجرة الزقوم آخر يوم من الأيام المعدودة، قال لهم خزان سقر : زعمتم أنكم لن تمسكم النار إلا أياماً معدودة، فقد خلا العدد، وأنتم في الأبد، فأخذ بهم في الصعود في جهنم يرهقون " . (5)

















4- قول إمام الاتحادية ابن عربي الطائي ، فإنه زعم أن أهلها يعذبون فيها مدة، ثم تنقلب طبائعهم نارية يتلذذون بالنار لموافقتها لطبائعهم، قال ابن حجر في الفتح: "وهذا قول بعض من ينسب إلى التصوف من الزنادقة " . (6)

















5- قول من زعم أن أهلها يخرجون منها ، وتبقى على حالها خالدة لا تبيد .

















6- قول أبي هذيل العلاف من أئمة المعتزلة الذاهب إلى أن حياة أهل النار تفنى، ويصيرون جماداً لا يتحركون ، ولا يحسون بألم، قال بذلك لأنه يقول بامتناع حوادث لا نهاية لها، فخالف الأدلة الصريحة القطيعة الثبوت بمقاييس عقلية باطلة.

















7- قول من قال: إن الله يخرج منها من يشاء ، كما ورد في الأحاديث ، ثم يبقيها شيئاً ، ثم يفنيها، فإنه جعل لها أمداً تنتهي إليه . (7)

















والقول الأخير مال إليه البحر العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وغفر له ، كما ذهب تلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى.

















(1/135)


























وقد تتابع العلماء في التأليف لبيان خطأ هذا المذهب، يقول ابن حجر العسقلاني بعد حكايته لهذا القول: "وقد مال بعض المتأخرين إلى هذا القول، ونصره بعدة أوجه من جهة النظر، وهو مذهب رديء مردود على قائله، وقد أطنب السبكي الكبير في بيان وهائه فأجاد " (8) ، وهذا الكتاب الذي أشار إليه هو "الاعتبار ببقاء الجنة والنار" لتقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي المتوفى سنة 756.

















وقال صديق حسن خان: "وقد ألف العلامة الشيخ مرعي الكرمي الحنبلي رسالة سماها: " توفيق الفريقين على خلود أهل الدارين " ، وفي الباب رسالة للسيد الإمام محمد بن إسماعيل الأمير ، ورسالة للقاضي العلامة المجتهد محمد بن علي الشوكاني ، حاصلهما بقاء الجنة والنار وخلود أهلهما فيهما " . (9)

















وهنا أمور نحب بيانها :

















الأول : أن هذا القول قول باطل وإن ذهب إليه علمان من أعلام الإسلام، فقد علمنا شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم أن حب الحق ينبغي أن يكون مقدماً على حب الرجال. وأدلة بطلانه النصوص الكثيرة الدالة على خلود النار، وهي نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وقد ذكرنا قول من نقل الإجماع على خلود النار .

















(1/136)


























الثاني : أنه لا يجوز بحال من الأحوال ذم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم بسبب هذه المقالة ، فقد كفرهما قوم ، وفسقهما قوم بسبب ذلك، وكل هذا ليس بصواب، فإنهما مجتهدان مأجوران مثابان، ولو علما الحق في خلاف قولهما لاتبعاه ، ودعوى أن المخالف في مثل هذا يكفر قائله يوصل القائلين بهذا إلى تكفير أئمة هذه الأمة الذين لا يُمارى في إمامتهم، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يذهب إلى أن المسافر إذا لم يجد الماء لا يتيمم ولا يصلي، وقد اتفقت الأمة على خلاف هذا ، والإمام مالك كان يرى أن "بسم الله الرحمن الرحيم" ليست آية من كتاب الله ، وقد أجمعت الأمة على أن مابين الدفتين قرآن، وقال أقوام بعدم زيادة الإيمان ونقصانه مع كونه مثبت بالكتاب والسنة صريح فيهما، والإجماع منعقد عليه.

















الثالث : ينبغي أن ننبه أن لابن تيمية وابن القيم قولاً بعدم فناء النار، جاء في مجموع فتاوى شيخ الإسلام قوله في إجابة سؤال: " وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك، ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين، كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم، وهذا قول باطل يخالف كتاب الله، وسنة رسوله، وجماع سلف الأمة وأئمتها " . (10)

















وإذا كان الأمر كذلك، أي لهما قولان، فلا يجوز أن نجزم بأن القول بفناء النار هو قولهما ما لم يعلم أنه القول الأخير ، وإذا لم يعلم القول الأخير فالأولى التوقف في نسبة أحد المذهبين إليهما.

















(1/137)


























الرابع : الأدلة التي احتج بها شيخ الإسلام وابن القيم على فناء النار، بعضها غير صحيح، والصحيح منها غير صريح، بل يمكن حمله على غير فناء النار، بل على فناء النار التي يكون فيها عصاة الموحدين. وقد ناقش الصنعاني في رسالته التي يرد فيها على ابن تيمية وابن القيم هذه الأدلة، وبين عدم نهوضها على ما ذهبا إليه. وهذه الرسالة هي المسماة " برفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار " . (11)

















ومن الذين تعرضوا لهذه المسألة القرطبي في " التذكرة "، فقد ساق النصوص الدالة على خلود الجنة والنار، والمخبرة بأن الموت يذبح بين الجنة والنار ثم يقال: "يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت" ثم قال: " هذه الأحاديث مع صحتها في خلود أهل الدارين فيها، لا إلى غاية ولا إلى أمد، مقيمين على الدوام والسرمد من غير موت ولا حياة ولا راحة ولا نجاة " . (12)

















ورد القرطبي على الذين قالوا بفناء النار، وبين أن الذي يفنى إنما هو النار التي يدخلها عصاة الموحدين، قال: " فمن قال : إنهم يخرجون منها، وأن النار تبقى خالية بجملتها خاوية على عروشها، وأنها تفنى وتزول، فهو خارج عن مقتضى المعقول، ومخالف لما جاء به الرسول، وما أجمع عليه أهل السنة والأئمة العدول .. وإنما تخلى جهنم وهي الطبقة العلية التي فيها العصاة من أهل التوحيد، وهي التي ينبت على شفيرها الجرجير " . (13)

















(1/138)


























ونقل القرطبي عن فضل بن صالح المعافري قال: " كنا عند مالك بن أنس ذات يوم، فقال لنا: انصرفوا، فلما كان العشية رجعنا إليه، فقال: إنما قلت لكم انصرفوا، لأنه جاءني رجل يستأذن علي زعم أنه قدم من الشام في مسألة فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في أكل الجرجير، فإنه يتحدث عنه أنه ينبت على شفير جهنم ؟ فقلت له : لا بأس به (14) . فقال: أستودعك الله ، وأقرأ عليك السلام، ذكره الخطيب أبو بكر أحمد رحمه الله ، وذكر أبو بكر البزار، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: يأتي على النار زمان تخفق الرياح أبوابها، ليس فيها أحد، يعني من الموحدين ، هكذا رواه موقوفاً عن عبد الله بن عمرو، وليس فيه ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومثله لا يقال من جهة الرأي ، فهو مرفوع " . (15)

















--------------------------------

















(1) شرح الطحاوية: ص 476 .

















(2) الملل والنحل : لابن حزم: ( 4/83).

















(3) مراتب الإجماع : 173.

















(4) تفسير ابن جرير : (1/381).

















(5) تفسير ابن جرير: (1/381) .

















(6) فتح الباري : (11/421).

















(7) راجع في هذا المبحث المصادر التالية: شرح الطحاوية : ص483، شرح عقيدة السفاريني ( 2/234)، بقظة أولي الاعتبار لصديق حسن خان: ص41، فتح الباري: (11/421) .

















(8) فتح الباري : (11/422) .

















(9) يقظة أولي الاعتبار، لصديق حسن خان: ص 42، ورسالة الصنعاني طبعها المكتب الإسلامي بييروت، وقد حققها وكتب لها مقدمة ضافية الشيخ ناصر الدين الألباني فأجاد .

















(10) مجموع فتاوى شيخ الإسلام : 18/307).

















(11) طبعها المكتب الإسلامي / بيروت .

















(12) التذكرة للقرطبي : ص 436.

















(13) هذا القول لا يصح فيه خبر ثابت، وكأن قائله أراد منه خمود النار التي يكون فيها عصاة الموحدين حتى ينبت النبات على حوافها .

















(14) هذه القصة إن كانت صحيحة فقد تكلف هذا السائل في سفره لتبين أمر هو في غاية الوضوح .

















(15) التذكرة للقرطبي : ص 437.

















أهلها المخلدون فيها

















(1/139)


























المطلب الأول

















التعريف بهم

















أهل النار الخالدون فيها الذين لا يرحلون ولا يبيدون – هم الكفرة والمشركون. قال تعالى : ( والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [الأعراف : 36 ]، وقال : ( لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون ) [الأنبياء: 99 ]، وقال: ( إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون ) [الزخرف : 74 ]، وقال : ( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ) [فاطر: 36 ]. وقال: ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [البقرة: 39 ]، وقال: ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين*خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ) [البقرة:160-161].

















وقال: ( ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فإن له نار جهنم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم ) [التوبة : 63 ]، وقال : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون ) [التوبة : 17].

















ولما كانوا خالدين فيها فقد وصف الحق عذاب النار بأنه مقيم، أي لا ينقطع، كما أضافه إلى الخلد، قال تعالى : ( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ) [المائدة:37] وقال : ( ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون ) [يونس: 52 ].

















وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم: يا أهل النار لا موت، ويا أهل الجنة لا موت، خلود " (1) . وروي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة خلود لا موت، ولأهل النار، يا أهل النار خلود لا موت " . (2)

















(1/140)


























وهذا يقال بعد ذبح الموت كما في حديث ابن عمر عند البخاري، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادي: يا أهل الجنة لا موت، يا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم " . (3)

















وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يُجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار،فيقال: يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون، ويقولون:نعم هذا الموت. قال: ويقال: يا أهل النار، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون، ويقولون: نعم، هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح. قال: ثم قال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت". قال: ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ) [مريم : 39 ] . (4)

















وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري يرفعه قال: " إذا كان يوم القيامة أتي بالموت كالكبش الأملح ، فيوقف بين الجنة والنار، فيذبح وهم ينظرون، فلو أن أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنة، ولو أن أحداً مات حزناً لمات أهل النار " قال: حديث حسن صحيح . (5)

















المطلب الثاني

















النار مسكن الكفرة المشركين

















لما كان الكفرة المشركون خالدين في النار فإن النار تعتبر بالنسبة لهم سكناً ومأوى، كما أن الجنة مسكن المؤمنين، ( ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ) [آل عمران: 151 ] ، ( أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ) [يونس: 8 ] ، ( أليس في جهنم مثوى للكافرين ) [العنكبوت: 68 ]. وهي مأواهم تتولى أمرهم ( مأواكم النار هي مولاكم ) [الحديد: 15 ].

















وهي بئس المسكن والمثوى ، ( فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) [البقرة: 206 ]، ( وإن للطاغين لشر مئاب*جهنم يصلونها فبئس المهاد ) [ص:55-56 ].

















(1/141)


























المطلب الثالث

















الدعاة إلى النار

















أصحاب المبادئ الضالة، والمذاهب الباطلة المخالفون لشرع الله، الدعاة المؤمنون بباطلهم هم دعاة النار، ( أولئك يدعون إلى النار ) [البقرة: 221 ]، ( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ) [القصص:41]، ومن هؤلاء الشيطان ( أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ) [لقمان: 21]، ( إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) [فاطر: 6 ].

















وهؤلاء الذين يدعون إلى النار في الدنيا يقودون أقوامهم وأتباعهم إلى النار في الآخرة ، ففرعون مثلاً: ( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ) [هود:98 ]. وكل قادة الشر الذين يدعون إلى عقائد ومبادئ مخالفة للإسلام هم دعاة إلى النار، لأن الطريق الوحيد الذي ينجي من النار ويدخل الجنة هو طريق الإيمان ( ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ) [غافر: 41 ]، كانوا يدعونه إلى فرعون وكفره وشركه، وهو يدعوهم إلى الله وتوحيده والإيمان به .

















ولما كان الكفار دعاة إلى النار حرم الله على المؤمنين الزواج من المشركات، كما حرم على المؤمنات الزواج من المشركين ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ) [البقرة: 221 ].

















المطلب الرابع

















أعظم جرائم الخالدين في النار

















لقد أطال القرآن في تبيان جرائم الخالدين الذين استحقوا بها الخلود في النيران ، ونحن نذكر هنا أهمها :

















(1/142)


























1- الكفر والشرك : فقد أخبرنا الحق تبارك وتعالى أن الذين كفروا يُنادَون عندما يكونون في النار. فيقال لهم: إن مقت الله لكم أعظم من مقتكم أنفسكم بسبب كفركم بالإيمان، ثم بين أن خلودهم في النار إنما هو بسبب كفرهم وشركهم ( إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون*قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل*ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير ) [غافر: 10 ].

















وحدثنا الحق تبارك وتعالى أن خزنة النار يسألون الكفار عند ورودهم النار قائلين: ( أولم تكُ تأتيكم رسلكم بالبينات ) [غافر: 50 ]، فيكون الجواب: أنهم استحقوا النار بسبب تكذيبهم المرسلين ، وما جاؤوا به ( قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير ) [الملك: 9 ].

















وقال في المكذبين بالكتاب: ( وقد آتيناك من لدنا ذكرا*من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً خالدين فيها وساء لهم يوم القيامة حملا ) [طه:99-101 ].

















وقال في المكذبين بالكتاب المشركين بالله : ( الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون*إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون* في الحميم ثم في النار يسجرون* ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون* من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئاً كذلك يضل الله الكافرين* ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون* ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ) [غافر: 70-76 ].

















وقال في الكفرة المشركين المسوين آلهتم برب العالمين ( فكبكبوا فيها هم والغاوون* وجنود إبليس أجمعون* قالوا وهم فيها يختصمون*تالله إن كنا لفي ضلال مبين* إذ نسويكم برب العالمين ) [الشعراء: 94-98 ].

















(1/143)


























وقال في حق المكذبين بيوم الدين: ( بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ) [ الفرقان:11] ،( وإن تعجب فعجب قولهم أءذا كنا تراباً أءنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [الرعد: 5 ]. وقال: ( مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا*ذلك بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أءذا كنا عظاماً ورفاتاً أءنا لمبعوثون خلقاً جديدا )[الإسراء: 97-98 ].

















2- عدم القيام بالتكاليف الشرعية مع التكذيب بيوم الدين وترك الالتزام بالضوابط الشرعية ، فقد أخبرنا الحق تبارك وتعالى أن أهل الجنة يسألون أهل النار قائلين: ( ما سلككم في صقر ) [المدثر: 42 ]، فيجيبون قائلين: ( لم نك من المصلين*ولم نك نطعم المسكين* وكنا نخوض مع الخائضين*وكنا نكذب بيوم الدين*حتى أتانا اليقين ) [المدثر: 43-47 ].

















3- طاعة رؤساء الضلال وزعماء الكفر فيما قرروه من مبادئ الضلال وخطوات الكفر التي تصد عن دين الله ومتابعة المرسلين . قال تعالى في هؤلاء: ( وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين*وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون* فلنذيقن الذين كفروا عذاباً شديداً ولنجزينهم أسوأ الذين كانوا يعملون* ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون ) [فصلت: 25-28 ].

















وعندما يحل الكفار في النار، وتقلب وجوههم فيها يتندمون لعدم طاعتهم الله ورسوله، وطاعتهم السادة الكبراء: ( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً*خالدين فيها أبداً لا يجدون وليا ولا نصيرا* يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا* وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ) [الأحزاب : 64-67 ].

















(1/144)


























4- النفاق : وعد الله المنافقين النار، وهو وعد قطعه على نفسه لا يخلفه: ( وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم ) [التوبة: 68 ]، وأخبرنا أن موقع المنافقين في النار هو دركاتها السفلى، وهي أشدها حراً، وأكثرها إيلاماً ) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) [النساء: 145 ].

















5- الكبر : وهذه صفة يتصف بها عامة أهل النار، قال تعالى: ( والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [الأعراف: 36 ].

















وقد عقد مسلم في صحيحه باباً عنون له يقوله: " باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء " وذكر فيه احتجاج الجنة والنار وما قالتا وما قال الله لهما، وساق فيه حديث أبي هريرة يرفعه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه أن النار قالت : "يدخلني الجبارون والمتكبرون" وفي رواية قالت: " أوثرت بالمتكبرين والجبارين ". وقال الله لها: " أنت عذابي أعذب بك من أشاء " . (6)

















وفي صحيحي البخاري ومسلم وسنن الترمذي عن حارثة بن وهب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار، كل عتل جواظ مستكبر " (7) ، وفي رواية لمسلم: " كل جواظ زنيم متكبر " . (8)

















ومصداق هذا في كتاب الله تبارك وتعالى: ( أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ) [الزمر:60 ]، وقوله : ( فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق ) [الأحقاف: 20 ]، وقوله: ( فأما من طغى*وآثر الحياة الدنيا* فإن الجحيم هي المأوى ) [النازعات : 37 ].

















المطلب الخامس

















جملة الجرائم التي تدخل النار

















(1/145)


























سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ما عمل أهل النار، وما عمل أهل الجنة ؟ فأجاب :" عمل أهل النار: الإشراك بالله تعالى، والتكذيب للرسل، والكفر، والحسد، والكذب ، والخيانة، والظلم، والفواحش، والغدر، وقطيعة الرحم، والجبن عن الجهاد، والبخل، واختلاف السر والعلانية، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والجزع عند المصائب، والفخر والبطر عند النعم، وترك فرائض الله، واعتداء حدوده، وانتهاك حرماته، وخوف المخلوق دون الخالق، والعمل رياءً وسمعة، ومخالفة الكتاب والسنة ، أي اعتقاداً وعملاً، وطاعة المخلوق في معصية الخالق، والتعصب للباطل، واستهزاء بآيات الله ، وجحد الحق، والكتمان لما يجب إظهاره من علم وشهادة، والسحر، وعقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم ، والربا ، والفرار من الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " . (9)

















وقد ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - جماع الذنوب التي تدخل النار، ففي صحيح مسلم عن عياض بن حمار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبة له طويلة: " وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زَبْرَ له (10) ، الذين هم فيكم تبعاً لا يبتغون أهلا ولا مالاً ، والخائن الذي لا يخفى له طمع (11) ، وإن دقّ إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسى إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك. وذكر البخل، والكذب ، والشنظير(12) ، الفحاش " . (13)

















المطلب السادس

















أشخاص بأعيانهم في النار

















الكفار المشركون في النار لا شك في ذلك، وقد أخبرنا القرآن الكريم ، كما أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن أشخاصاً بأعيانهم في النار، فمن هؤلاء فرعون موسى، ( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ) [هود: 98].

















(1/146)


























ومنهم امرأة نوح وامرأة لوط ، ( ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين ) [التحريم : 10 ].

















ومنهم أبو لهب وامرأته ( تبت يدا أبي لهب وتب*ما أغنى عنه ماله وما كسب* سيصلى ناراً ذات لهب* وامرأته حمالة الحطب* في جيدها حبل من مسد ) [المسد ] ومنهم عمرو بن عامر الخزاعي، فقد رآه الرسول يجر أمعاءه في النار (14) ، ومنهم الذي قتل عمار وسلبه، ففي معجم الطبراني بإسناد صحيح عن عمرو بن العاص وعن ابنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " قاتل عمار وسالبه في النار " . (15)

















المطلب السابع

















كفرة الجن في النار

















كفرة الجن يدخلون النار كما يدخلها كفرة الإنس، فالجن مكلفون كالإنس ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [الذاريات: 56 ].

















وفي يوم القيامة يحشر الجن والإنس على حد سواء: ( ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس ) [الأنعام: 128 ]، ( فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا* ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا*ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ) [مريم : 68-70 ] ثم يقال للكفرة منهم: ( ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار ) [الأعراف: 38 ]، وعند ذلك يكبكبون في النار: ( فكبكبوا فيها هم والغاوون*وجنود إبليس أجمعون ) [الشعراء: 94-95 ]، وبذلك تتم كلمة الله القاضية بملء النار من كفرة الجن والإنس ( وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) [هود : 119 ] ( وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس ) [فصلت : 25 ].

















--------------------------------

















(1) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب، فتح الباري: (11/406).

















(2) المصدر السابق .

















(1/147)


























(3) صحيح البخاري، كتاب الرقاق: باب صفة الجنة والنار ، فتح الباري: (11/415).

















(4) صحبح مسلم ، كتاب الجنة وصفة نعيمها: ( 4/2188).

















(5) سنن الترمذي : 2558.

















(6) صحيح مسلم : (4/2186) ورقم الحديث : 2846.

















(7) جامع الأصول : (10/547) ورقم الحديث : 8111

















(8) انظر الحديث ورواياته في (صحيح مسلم) كتاب الجنة (باب النار يدخلها الجبارون): (4/2190) ورقمه 2853، والمتل: الغليظ الجافي الذي لا يتقاد للخير، والزنيم: الدعي الملصق بالقوم وليس منهم، أو هو اللثيم في أخلاق الناس، والجواظ: الذي جمع ومنع.

















(9) يقظة أولي الاعتبار ، ص 222.

















(10) أي لا عقل له يمنعه مما لا ينبغي، وقيل: هو الذي لا مال له .

















(11) أي لا يظهر له.

















(12) هو الفحاش كما هو مفسر في الحديث.

















(13) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار: (4/2197). ورقمه : 2865.

















(14) حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأحمد ، وقد ذكرنا نص الحديث في موضع آخر.

















(15) صحيح الجامع: (4/110) ورقمه : 4170.

















الذين لا يخلدون في النار

















المطلب الأول

















التعريف بهم

















الذين يدخلون النار ، ثم يخرجون منها هم أهل التوحيد الذين لم يشركوا بالله شيئاً ، ولكن لهم ذنوب كثيرة فاقت حسناتهم ، فخفت موازينهم ، فهؤلاء يدخلون النار مدداً يعلمها الله تبارك وتعالى ، ثم يخرجون بشفاعة الشافعين ، ويخرج الله برحمته أقواماً لم يعملوا خيراً قط .

















المطلب الثاني

















الذنوب المتوعد عليها بالنار

















سنذكر هنا بعض الذنوب التي جاءت النصوص مخبرة أن أهلها يعذبون بسببها في النار :

















1- الفرق المخالفة للسنة :

















(1/148)


























روى أبو داود والدارمي وأحمد والحاكم وغيرهم عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال: ألا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فينا فقال: " ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة ".

















وهذا حديث صحيح. قال فيه الحاكم بعد سياقه لأسانيده: "هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح الحديث". ووافقه الذهبي . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية فيه: " هو حديث صحيح مشهور ". وصححه الشاطبي في " الاعتصام "، وقد جمع الشيخ ناصر الدين الألباني طرقه وتكلم على أسانيده ، وبين أنه حديث صحيح لا شك في صحته . (1)

















وقد ذهب صديق حسن خان إلى أن الزيادة التي في الحديث وهي " كلها هالكة إلا واحدة " ومثلها: " ثنتان وسبعون في النار " زيادة ضعيفة . ونقل تضعيف ذلك عن شيخه الشوكاني ومن قبله عن ابن الوزير ومن قبله عن ابن حزم . وقد استحسن قول من قال: " إن هذه الزيادة من دسيس الملاحدة ، فإن فيها التفير عن الإسلام والتخويف من الدخول فيه " . (2)

















وقد رد الشيخ ناصر الدين الألباني على من ضعّف هذه الزيادة من وجهين :

















الأول : أن النقد العلمي الحديثي قد دل على صحة هذه الزيادة، فلا عبرة بقول من ضعفها .

















الثاني : أن الذين صححوها أكثر وأعلم من ابن حزم ، لا سيما وهو معروف عند أهل العلم بتشدده بالنقد، فلا ينبغي أن يحتج به إذا تفرد عند عدم المخالفة، فكيف إذا خالف .

















وأما ابن الوزير فإنه يرد الزيادة من جهة المعنى لا من جهة الإسناد، وقد تكلم على هذا صديق حسن خان في "يقظة أولى الاعتبار" مبيناً أن مقتضى الزيادة أن الذي يدخل الجنة من هذه الأمة قليل ، والنصوص الصحيحة الثابتة تدل على أن الداخلين من هذه الأمة الجنة كثير كثير، يبلغون نصف أهل الجنة . (3)

















والرد على هذا من عدة وجوه :

















(1/149)


























الأول : ليس معنى انقسام الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة أن يكون أكثر الأمة في النار، لأن أكثر الأمة عوام لم يدخلوا في تلك الفرق، والذين افترقوا وقعّدوا وأصّلوا مخالفين السنة قليل بالنسبة للذين جانبوا ذلك كله.

















الثاني : ليس كل من خالف أهل السنة في مسألة من مسائل يعد من الفرق المخالفة للسنة، بل المراد بهم الذين تبنوا أصولاً تصيرهم فرقة مستقلة بنفسها، تركوا من أجلها كثيراً من نصوص الكتاب والسنة، كالخوارج والمعتزلة والرافضة.

















أما الذين يتبنون الكتاب والسنة ولا يحيدون عنهما، فإنهم إذا خالفوا في مسألة من المسائل لا يعدون فرقة من الفرق.

















الثالث : الزيادة دلت على أن الفرق في النار، ولكنها لم توجب لهم الخلود في النار.

















ومن المعلوم أن بعض أهل هذه الفرق كفرة خالدون في النار، كغلاة الباطنية الذين يُظِهرون الإيمان ويُبطنون الكفر كالإسماعيلية والدروز والنصيرية ونحوهم.

















ومنهم الذين خالفوا أهل السنة في مسائل كبيرة عظيمة، ولكنها لا تصل إلى الكفر، فهؤلاء ليس لهم وعد مطلق بدخول الجنة، ولكنهم تحت المشيئة إن شاء الله غفر لهم وإن شاء عذبهم، وقد تكون لهم أعمال صالحة عظيمة تنجيهم من النار، وقد ينجون من النار بشفاعة الشافعين، وقد يدخلون النار، ويمكثون فيها ما شاء الله أن يمكثوا، ثم يخرجون منها بشفاعة الشافعين ورحمة أرحم الراحمين.

















2- الممتنعون من الهجرة :

















(1/150)


























لا يجوز للمسلم أن يقيم في ديار الكفر إذا وجدت ديار الإسلام خاصة إذا كان مكثه في ديار الكفر يعرضه للفتنة، ولم يقبل الله الذين تخلفوا عن الهجرة، فقد أخبرنا الحق أن الملائكة تُبَكّت هذا الصنف من الناس حال الموت، ولا تعذرهم عندما يدعون أنهم كانوا مستضعفين في الأرض ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تك أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً * إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ) [النساء: 97 - 98]، فلم يعذر الله من هؤلاء إلا المستضعفين الذين لا يجدون حيلة للخروج، ولا يهتدون إلى الطريق الذي يوصلهم إلى ديار الإسلام .

















3- الجائرون في الحكم :

















أنزل الله الشريعة ليقوم الناس بالقسء وأمر الله عباده بالعدل ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) [النحل: 90 ]، وفرض على الحكام والقضاة الحكم بالعدل وعدم الجور ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) [النساء: 58 ]، وقد تهدد الحق الذين لا يحكمون بالحق بالنار، فقد روى بريدة بن الحصيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " القضاة ثلاثة : واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة: فرجل عرف الحق وقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم، فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل، فهو في النار" أخرجه أبو داود . (4)

















4- الكذب على الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

















عقد ابن الأثير في كتابه الكبير: " جامع الأصول فصلاً ساق فيه كثيراً من الأحاديث التي تحذر من الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فمنها ما رواه البخاري ومسلم والترمذي عن على بن أبي طالب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تكذبوا على، فإنه من كذب علي يلج النار ".

















(1/151)


























ومنها ما رواه البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من تقول عليّ ما لم أقل (5) ، فليتبوأ مقعده في النار " . (6)

















ومنها ما رواه البخاري في صحيحه، وأبو داود في سننه عن عبد الله بن الزبير عن أبيه الزبير بن العوام، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ".

















ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن كذباً عليّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي معتمداً فليتبوأ مقعده من النار " . (7)

















5- الكبر :

















من الذنوب الكبار الكبر، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما أدخلته النار " وفي رواية " أذقته النار " رواه مسلم.

















وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ، ونعله حسنة ، قال: " إن الله جميل يحب الجمال. الكبر: بطر الحق، وغمط الناس " رواه مسلم . (8)

















6- قاتل النفس بغير حق :

















قال تعالى: ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيما ) [النساء: 93 ].

















فلا يجوز في دين الله قتل النفس المسلمة إلا بإحدى ثلاث كما في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والمارق من الدين ، التارك للجماعة " . (9)

















(1/152)


























وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً ". قال ابن عمر: " إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله " (10) . وقد حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - المسلمين أن يقاتل بعضهم بعضاً ، وأخبر أن القاتل والمقتول في النار ، فعن أبي بكرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار" قال: فقلت، أو قيل : يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: " إنه كان حريصاً على قتل صاحبه " (11) . ولذا فإن العبد الصالح أبى أن يقاتل أخاه ، خشية أن يكون من أهل النار ، فباء القاتل بإثمه وإثم أخيه ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين*لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقلتك إني أخاف الله رب العالمين* إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ) [المائدة: 27 - 29 ].

















7- أكلة الربا :

















من الذنوب التي توبق صاحبها الربا ، وقد قال الحق في الذين يأكلونه بعد أن بلغهم تحريم الله له : ( ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [البقرة: 275 ]، وقال: ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون * واتقوا النار التي أعدت للكافرين ) [آل عمران : 130-131 ] .

















(1/153)


























وقد عده الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه واحداً من سبعة ذنوب توبق صاحبها، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اجتنبوا السبع الموبقات " . قالوا : يا رسول الله وما هنّ ؟ قال : " الشرك بالله ، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " . (12)

















8- أكلة أموال الناس بالباطل :

















من الظلم العظيم الذي يستحق به صاحبه النار أكل أموال الناس بالباطل ، كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما* ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً ( [النساء: 29-30 ].

















ومن أكل أموال الناس بالباطل أكل أموال اليتامى ظلماً، وقد خص الحق أموالهم بالذكر لضعفهم وسهولة أكل أموالهم، ولشناعة هذه الجريمة ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا ) [النساء: 10 ].

















9- المصورون :

















أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون الذين يضاهئون خلق الله، ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن أشدّ الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصورون " . (13)

















وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفساً، فتعذبه في جهنم " متفق عليه . (14)

















وعن عائشة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال في النمرقة التي فيها تصاوير: " إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم " متفق عليه . (15)

















(1/154)


























وعن عائشة أيضاً، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أشدّ الناس عذاباً الذين يضاهون بخلق الله " متفق عليه . (16)

















وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " قال عزّ وجلّ : ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ، فليخلقوا ذرة ، أو ليخلقوا حبة ، أو ليخلقوا شعيرة " متفق عليه . (17)

















10 – الركون إلى الظالمين :

















من الأسباب التي تدخل النار الركون إلى الظالمين أعداء الله وموالاتهم ، ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) [هود:113 ].

















11 – الكاسيات العاريات والذين يجلدون ظهور الناس :

















من الأصناف التي تصلى النار الفاسقات المتبرجات اللواتي يفتن عباد الله، ولا يستقمن على طاعة الله، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " صنفان من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا " أخرجه مسلم ، والبيهقي ، وأحمد . (18)

















قال القرطبي في الذين معهم سياط كأذناب البقر: "وهذه الصفة للسياط مشاهدة عندنا بالمغرب إلى الآن " قال صديق حسن خان معقباً على قول القرطبي: " بل هو مشاهد في كل مكان وزمان، ويزداد يوماً فيوماً عند الأمراء والأعيان ، فنعوذ بالله من جميع ما كرهه الله " (19) . أقول : ولا زلنا نرى هذا الصنف من الناس في كثير من الديار يجلدون أبشار الناس ، فتبّاً لهؤلاء وأمثالهم .

















والكاسيات العاريات كثيرات في زماننا، ولعله لم يسبق أن انتشرت فتنتهن كما انتشرت في زماننا، وهن على النعت الذي وصفه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت .

















12- الذين يعذبون الحيوان :

















(1/155)


























روى مسلم في صحيحه عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عُرضَت عليّ النار، فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تُعذّب في هرة لها، ربطتها فلم تُطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ، حتى ماتت جوعاً " . (20)

















إذا كان هذا حال من يعذب هرة ، فكيف من يتفنن في تعذيب العباد ؟ فكيف إذا كان التعذيب للصالحين منهم بسبب إيمانهم وإسلامهم ؟

















13 – عدم الإخلاص في طلب العلم :

















ساق الحافظ المنذري كثيراً من الأحاديث التي ترهب من تعلّم العلم لغير الله ، منها: عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله عز وجل، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة " يعنى ريحها . رواه أبو داود وابن ماجة ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم . (21)

















وعن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، من فعل ذلك فالنار النار " رواه ابن ماجة، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي . (22)

















وعن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من تعلم علماً لغير الله ، أو أراد به غير الله ، فليتبوأ مقعده من النار". رواه الترمذي وابن ماجة كلاهما عن خالد بن دريك عن ابن عمر، ولم يسمع منه . ورجال إسنادهما ثقات . (23)

















14- الذين يشربون في آنية الذهب والفضة :

















روى البخاري ومسلم عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجر في بطنه نار جهنم ". وفي رواية لمسلم: " إن الذي يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب ..." . (24)

















(1/156)


























وعن حذيفة، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة " متفق عليه . (25)

















15- الذي يقطع السدر الذي يظل الناس :

















عن عبد الله بن حبيش قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار " رواه أبو داود . (26)

















وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الذين يقطعون السدر يصبون في النار على رؤوسهم صباً " . (27)

















16- جزاء الانتحار :

















ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يتوجّأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سمّاً فقتل نفسه، فهو في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً " . (28)

















وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار " . (29)

















--------------------------------

















(1) انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة، ورقم الحيث : (204).

















(2) يقظة أولي الاعتبار: ص 206.

















(3) انظر كلام الشيخ في (سلسلة الأحاديث الصحيحة) حديث رقم (204)، و (بقظة أولي الاعتبار). ص207.

















(4) جامع الأصول : (10/167)، وقال محقق الكتاب، وهو حديث صحيح.

















(5) تقول عليه: إذا قال عنه ما لم يقله.

















(6) التبوؤ : اتخاذ المنزل، لأن المباءة المنزل.

















(7) جامع الأصول: (10/611)، وقد ساق روايات أخرى فارجع إليه إن أحببت الاطلاع على جميع ما ساقه.

















(8) انظر هذين الحديثين وأحاديث أخرى في ذم الكبر والترهيب منه في (مشكاة المصابيح) (3/634-635). وهو في مسلم برقم : 91.

















(1/157)


























(9) تفسير ابن كثير : (2/355) . وهو في البخاري برفم : 6878. وفي مسلم برقم : 1676.

















(10) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب قول الله تعالى : [ ومن يقتل مؤمنا متعمد] ، فتح الباري : (12/187).

















(11) رواه مسلم، كتاب الفتن، باب إذا تواجه المسلمان بسيفهما: (4/2213).

















(12) صحيح البخاري: 2766. وصحيح مسلم : 89.

















(13) صحيح البخاري: 5950، وصحيح مسلم : 2109.

















(14) صحيح مسلم: 2110. ورواه البخاري بألفاظ مقاربة: 2225، 5963.

















(15) صحيح البخاري: 5957. وصحيح مسلم: 2107.

















(16) صحيح البخاري : 5954. وصحيح مسلم : 2107.

















(17) صحيح البخاري : 5953، وصحيح مسلم: 2111. واللفظ لمسلم .

















(18) انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة: (3/316) ورقم الحديث : 1326.

















(19) يقظة أولي الاعتبار: ص 113.

















(20) مشكاة المصابيح : (3/688).

















(21) وهو في سنن أبي داود: 3664. وأورده الألباني في صحيح أبي داود: 3112، وصحيح ابن ماجه: 252، وقال: صحيح.

















(22) أورده الألباني في صحيح سنن ابن ماجه : 254. وقال فيه: صحيح.

















(23) انظر هذه الأحاديث وتخريجها في : (الترغيب والترهيب) للحافظ المنذري: (1/91).

















(24) مشكاة المصابيح: (2/462). صحيح مسلم : 2065. ورواه البخاري: 5634 بلفظ "الذي يشرب في إناء الفضة ... ".

















(25) صحيح البخاري: 5426. وصحيح مسلم : 2067.

















(26) مشكاة المصابيح : (2/125)، وأورده الشيخ ناصر في (صحيح الجامع): (5/341)، ورقم الحديث : (6352) وعزاه إلى أبي داود والضياء في ( المختارة) وقال: صحيح.

















وهو في سنن أبي داود برقم : 5239. وبعد رواية الحديث جاء ما يلي : سئل أبو داود معنى هذا الحديث ، فقال : هذا الحديث مختصر ، يعني : من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم ، عبثاً وظلماً بغير حق له فيها، صوب الله رأسه في النار .

















(27) عزاه في (صحيح الجامع) (2/88) إلى البيهقي في (السنن) وقال فيه: صحيح.

















(28) صحيح البخاري: 5778. وصحيح مسلم : 109 واللفظ لمسلم.

















(1/158)


























(29) صحيح البخاري : 1365.

















كثرة أهل النار

















النصوص الدالة على ذلك

















جاءت النصوص كثيرة وافرة دالة على كثرة من يدخل النار من بني آدم ، وقلة من يدخل الجنة منهم .

















قال تعالى: ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [يوسف: 103 ]، وقال: ( ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين ) [سبأ: 20 ] . وقال الحق تبارك وتعالى لإبليس: ( لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) [ص: 85 ]. فكل من كفر فهو من أهل النار على كثرة من كفر من بني آدم .

















ويدلك على كثرة الكفرة المشركين الذين رفضوا دعوة الرسل أن النبي بأتي في يوم القيامة ومعه الرهء وهم جماعة دون العشرة، والنبي ومعه الرجل والرجلان، بل إن بعض الأنبياء يأتي وحيداً لم يؤمن به أحد، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " عرضت عليّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيء والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد .." . (1)

















وجاءت نصوص كثيرة تدل على أنه يدخل في النار من بني آدم تسعمائة وتسعة وتسعون من كل ألف ، وواحد فقط هو الذي يدخل الجنة . فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يقول الله : يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، ثم يقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذاك حين يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكرى وما هم بسكرى، ولكن عذاب الله شديد . فاشتد ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله، أينا ذلك الرجل ؟ قال: أبشروا، فإن من يأجوج ومأجوج ألفاً ومنكم رجل . ثم قال: والذي نفسي بيده، إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة. قال: فحمدنا الله وكبرنا. ثم قال: والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة، إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالرقمة في ذراع الحمار " . (2)

















(1/159)


























وروى عمران بن حصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو في بعض أسفاره، وقد تفاوت بين أصحابه السير، رفع بهاتين الآيتين صوته: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم* يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) [الحج: 1-2 ]، فلما سمع أصحابه ذلك حثوا المطي ، وعرفوا أنه عند قول يقوله ، فلما دنوا حوله قال : " أتدرون أي يوم ذاك ؟ قال : ذاك يوم يُنادى آدم عليه السلام، فيناديه ربه عز وجل، فيقول : يا آدم ابعث بعثاً إلى النار. فيقول: يا رب، وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحد في الجنة ". قال: فأبلس أصحابه، حتى ما أوضحوا بضاحكة. فلما رأى ذلك قال: " أبشروا واعملوا، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه : يأجوج يأجوج ، ومن هلك من بنى آدم وبني إبليس " قال: فسري عنهم ، ثم قال : " اعملوا وأبشروا ، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو الرقمة في ذراع الدابة " رواه أحمد والترمذي والنسائي في كتاب التفسير في سننهما، وقال الترمذي : حسن صحيح . (3)

















(1/160)


























وروى الترمذي في سننه عن عمران بن حصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لما نزلت ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) [الحج: 1 ]، قال: نزلت عليه هذه الآية وهو في سفر، فقال: " أتدرون أي يوم ذلك؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " ذلك يوم يقول الله لآدم: ابعث بعث النار. قال: يا رب، وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة "، فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قاربوا وسددوا، فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية، قال: فيؤخذ العدد من الجاهلية، فإن تمت، وإلا كملت من المنافقين، وما مثلكم ومثل الأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة، أو كالشامة في جنب البعير "، ثم قال : " إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا "، ثم قال: ولا أدري أقال: الثلثين أم لا. وكذا رواه الإمام أحمد، وقال الترمذي فيه: هذا حديث حسن صحيح . (4)

















وقد يقال كيف تجمع بين هذه الأحاديث وبين ما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أول من يدعى يوم القيامة آدم، فتراءى ذريته، فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرج بعث جهنم من ذريتك، فيقول: أخرج بعث جهنم من ذريتك، فيقول: يا رب، كم أخرج ؟ فيقول: أخرج من كل مائة تسعة وتسعين فقالوا: يا رسول الله، إذا أخذ منا من كل مائه تسعة وتسعون، فما يبقى منا؟ قال: إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود " . (5)

















والظاهر أن هذه الرواية لا تخالف الروايات الأخرى الصحيحة التي سقناها من قبل، فإن ذلك العدد باعتبار معين ، وهذا العدد باعتبار آخر .

















(1/161)


























فالأحاديث التي تجعل النسبة تسعمائة وتسعة وتسعين يمكن تحمل على جميع ذرية أدم، وحديث البخاري الذي يجعلها تسعة وتسعين تحمل على جميع ذريته ما عدا يأجوج ومأجوج، ويقرب هذا الجمع – كما يقول ابن حجر – أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة ، ويمكن أن يقال : إن الأحاديث الأولى تتعلق بالخلق أجمعين ، فإذا جعلت نسبة من يدخل النار إلى من يدخل الجنة باعتبار الأمم جميعاً تكون النسبة (999) ، ويكون حديث البخاري الأخير مبيناً نسبة من يدخل النار من هذه الأمة دون سواها، قال ابن حجر: " ويُقربه – أي هذا القول – قولهم في حديث أبى هريرة " إذا أخذ منا "، ثم قال: " ويحتمل أن تقع القسمة مرتين مرة من جميع الأمم قبل هذه الأمة ، فيكون من كل ألف واحد إلى الجنة ، ومرة من هذه الأمة ، فيكون من كل ألف عشرة " . (6)

















--------------------------------

















(1) صحيح مسلم : (1/198). ورقم الحديث : 220.

















(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب قول الله عز وجل : ( إن زلزلة الساعة شيء عظيم) فتح الباري: (11/388).

















(3) تفسير ابن كثير: (4/610). وهو في مسند أحمد (4/435). سنن الترمذي : 3169.

















(4) تفسير ابن كثير : (4/610). وهو في سنن الترمذي : 3168.

















(5) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب الحشر، فتح الباري : (11/378).

















(6) فتح الباري: (11/390)، وقد ساق أقوالاً أخرى، فارجع إليه إن أحببت الاطلاع على المزيد.

















السر في كثرة أهل النار

















ليس السبب في كثرة أهل النار هو عدم بلوغ الحق إلى البشر على اختلاف أزمانهم وأمكنتهم، فإن الله لا يؤاخذ العباد إذا لم تبلغهم دعوته، ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [الإسراء: 15 ]، ولذلك فإن الله أرسل في كل أمة نذيراً، ( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) [فاطر : 24 ] .

















(1/162)


























ولكن السبب وراء ذلك يعود إلى قلة الذين استجابوا للرسل وكثرة الذين كفروا بهم ، وكثير من الذين استجابوا لم يكن إيمانهم خالصاً نقياً.

















وقد تعرض ابن رجب في كتابه " التخويف من النار " إلى السبب في قلة أهل الجنة ، وكثرة أهل النار فقال : " فهذه الأحاديث وما في معناها تدل على أن أكثر بني آدم من أهل النار ، وتدل أيضاً على أن أتباع الرسل قليل بالنسبة إلى غيرهم ، وغير أتباع الرسل كلهم في النار إلا من لم تبلغه الدعوة أو لم يتمكن من فهمها على ما جاء فيه من الاختلاف ، والمنتسبون إلى أتباع الرسل كثير منهم من تمسك بدين منسوخ، وكتاب مبدل، وهم أيضاًَ من أهل النار كما قال تعالى: ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ) [هود: 17 ] .

















وأما المنتسبون إلى الكتاب المحكم والشريعة المؤيدة والدين الحق فكثير منهم من أهل النار أيضاً، وهم المنافقون الذين هم في الدرك الأسفل من النار، وأما المنتسبون إليه ظاهراً وباطناً فكثير منهم فتن بالشبهات، وهم أهل البدع والضلال، وقد وردت الأحاديث على أن هذه الأمة ستفترق على بضع وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة، وكثير منها أيضاً فتن بالشهوات المحرمة المتوعد عليها بالنار – وإن لم يقتض ذلك الخلود فيها – فلم ينج من الوعيد بالنار، ولم يستحق الوعد المطلق بالجنة من هذه الأمة إلا فرقة واحدة، وهو ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ظاهراً وباطناً، وسلم من فتنة الشهوات والشبهات، وهؤلاء قليل جداً لا سيما في الأزمان المتأخرة " . (1)

















ولعل السبب الأعظم هو اتباع الشهوات ، ذلك أن حب الشهوات مغروس في أعماق النفس الإنسانية ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا ) [آل عمران: 14 ] .

















(1/163)


























وكثير من الناس يريد الوصول إلى هذه الشهوات عن الطريق التي تهواها نفسه ويحبها قلبه، ولا يراعي في ذلك شرع الله المنزل، أضف إلى هذا تمسك الأبناء بميراث الآباء المناقض لشرع الله ( ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون * قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ) [الزخرف: 23-24] .

















وإلف ما كان عليه الآباء وتقديسه داء ابتليت به الأمم ، لا يقل أثره عن الشهوات المغروسة في أعماق الإنسان ، إن لم يكن هو شهوة في ذاته .

















وقد روى الترمذي وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لما خلق الله النار، قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها ثم جاء، فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات، فقال: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، فلما رجع، قال: وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها". أخرجه الترمذي وأبو داود، وزاد النسائي: بعد قوله: "اذهب فانظر إليها"، "وإلى ما أعددت لأهلها فيها " . (2)

















وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره ". أخرجه البخاري ومسلم، ولمسلم " حفت " بدل: " حجبت " . (3)

















قال صديق حسن خان: "والمراد بالشهوات مرادات النفوس ومستلذاتها وأهويتها " (4) ، وقال القرطبي: " الشهوات كل ما يوافق النفس ويلائمها ، وتدعو إليه ، ويوافقها ، وأصل الحفاف الدائر بالشيء المحيط به ، الذي لا يتوصل إليه بعد أن يتخطى " . (5)

















--------------------------------

















(1) التخويف من النار ، لابن رجب ، ص 214 .

















(2) جامع الأصول: (10/520)، ورقمه : 8068، وقال المحقق: قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

















(3) المصدر السابق : (10/520)، ورقمه : 8069.

















(4) يقظة أو لي الاعتبار: ص 220.

















(1/164)


























(5) المصدر السابق.

















أكثر من يدخل النار النساء

















أكثر من يدخل النار من عصاة الموحدين النساء، كما في الصحيحين عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إنه قال في خطبة الكسوف " أريت النار، فلم أر منظر كاليوم أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء " . (1)

















وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار " فقلن: ولم ذلك يا رسول الله ؟ قال: " تكثرن اللعن، وتكفرن المشير " . (2)

















وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد: " وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء ".

















وفي صحيح مسلم عن عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أقل ساكني الجنة النساء " . (3)

















وهذا لا ينافي أن كل واحد من أهل الجنة له أكثر من زوجة، فإن المراد بالنساء اللواتي هن أكثر أهل النار من كان منهن من ذرية آدم، أما زوجات أهل الجنة الكثيرات فهن من الحور العين .

















" وإنما كان النساء أقل ساكني الجنة لما يغلب عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا، لنقصان عقولهن أن تنفذ بصائرها إلى الآخرى ، فيضعفهن عن عمل الآخرة والتأهب لها ، ولميلهن إلى الدنيا والتزين لها ، ومع ذلك هن أقوى أسباب الدنيا التي تصرف الرجال عن الآخرة ، لما فيهن من الهوى والميل لهن ، فأكثرهن معرضات عن الآخرة بأنفسهن صارفات عنها لغيرهن ، سريعات الانخداع لداعيهن من المعرضين عن الدين، عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إلى الأخرى، وأعمالها من المتقين " (4) . ومع ذلك ففيهن صالحات كثير، يقمن حدود الله، ويلتزمن شريعته ويطعن الله ورسوله، ويدخل منهن الجنة خلق كثير، وفيهن من يسبقن كثيراً من الرجال بإيمانهن وأعمالهن الصالحة.

















--------------------------------

















(1) صحيح البخاري : 1052. وصحيح مسلم: 907.

















(2) صحيح البخاري: 1462، وصحيح مسلم : 79، 80

















(3) صحيح البخاري: 2546، وصحيح مسلم : 2736.

















(1/165)


























(4) التذكرة للقرطبي : (1/369).

















عظم خلق أهل النار

















يدخل أهل الجحيم النار على صورة ضخمة هائلة لا يقدر قدرها إلا الذي خلقهم، ففي الحديث الذي يرفعه أبو هريرة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع " رواه مسلم (1) . وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ضرس الكافر، أو ناب الكافر، مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث " . (2)

















وقال زيد بن أرقم: " إن الرجل من أهل النار ليعظم للنار، حتى يكون الضرس من أضراسه كأحد ". رواه أحمد وهو مرفوع، ولكن زيداً لم يصرح برفعه . (3)

















وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعاً، وإن ضرسه مثل أحد، وإن مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة " رواه الترمذي . (4)

















وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد، وعرض جلده سبعون ذراعاً ، وعضده مثل البيضاء، وفخذه مثل ورقان، ومقعده من النار ما بيني وبين الربذة " أخرجه الحاكم وأحمد . (5)

















وهذا التعظيم لجسد الكافر ليزداد عذابه وآلامه، يقول النووي في شرحه لأحاديث مسلم في هذا الباب: " هذا كله لكونه أبلغ في إيلامه، وكل هذا مقدور لله تعالى يجب الإيمان به لإخبار الصادق به " (6) . وقال ابن كثير معلقاً على ما أورده من هذه الأحاديث : "ليكون ذلك أنكى في تعذيبهم، وأعظم في تعبهم ولهيبهم، كما قال شديد العقاب : ( ليذوقوا العذاب ) [النساء: 56 ] . (7)

















--------------------------------

















(1) صحيح مسلم ، كتاب الجنة، باب يدخلها الجبارون: (4/2190).

















(2) صحيح مسلم ، كتاب الجنة، باب النار يدخلها الجبارون: (4/2189)، وعزاه في سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/132) إلى مسلم والترمذي والحاكم وابن حبان وأحمد.

















(3) سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/131)، وقال فيه: إسناده صحيح على شرط مسلم.

















(1/166)


























(4) مشكاة المصابيح: (3/103)، وقال محقق المشكاة: "رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، قلت: وسنده صحيح" .

















(5) سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/94)، ونسب إلى الحاكم والذهبي تصحيح الحديث ووافقهما عل ذلك على ضعف في أحد رواة الحديث وهو ابن إسحاق، وقد ساق المؤلف كثيراً من المتابعات والشواهد للحديث. والبيضاء اسم جبل. أو يعني بها المدينة المعروفة بالمغرب.

















(6) شرح النووي على مسلم: (17/186).

















(7) النهاية لابن كثير: (2/139).

















طعام أهل النار وشرابهم ولباسهم

















طعام أهل النار الضريع والزقوم، وشرابهم الحميم والغسلين والغساق، قال تعالى: ( ليس لهم طعام إلا من ضريع* لا يسمن ولا يغني من جوع ) [الغاشية: 6-7 ]، والضريع شوك بأرض الحجاز يقال له الشبرق. وعن ابن عباس : الشبرق : نبت ذو شوك لاطئ بالأرض، فإذا هاج سمي ضريعاً . وقال قتادة : من أضرع الطعام وأبشعه (1) . وهذا الطعام الذي يأكله أهل النار لا يفيدهم ، فلا يجدون لذة ، ولا تنتفع به أجسادهم ، فأكلهم له نوع من أنواع العذاب .

















وقال تعالى: ( إن شجرت الزقوم*طعام الأثيم*كالمهل يغلي في البطون* كغلي الحميم ) [ الدخان: 43-46] وقد وصف شجرة الزقوم في آية أخرى فقال: ( أذلك خيرٌ نزلاً أم شجرة الزقوم* إنا جعلناها فتنة للظالمين* إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم*طلعها كأنه رؤوس الشياطين* فإنهم لأكلون منها فمالئون منها البطون* ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم* ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ) [الصافات: 62-68 ].

















وقال في موضع آخر: ( ثم إنكم أيها الضالون المكذبون* لأكلون من شجر من زقوم * فمالئون منها البطون* فشاربون عليه من الحميم* فشاربون شرب الهيم* هذا نزلهم يوم الدين ) [الواقعة: 51-56 ].

















(1/167)


























ويؤخذ من هذه الآيات أن هذه الشجرة شجرة خبيثة، جذورها تضرب في قعر النار، وفروعها تمتد في أرجائها، وثمر هذه الشجرة قبيح المنظر ولذلك شبهه برؤوس الشياطين، وقد استقر في النفوس قبح رؤوسهم وإن كانوا لا يرونهم، ومع خبث هذه الشجرة وخبث طلعها، إلا أن أهل النار يلقى عليهم الجوع بحيث لا يجدون مفراً من الأكل منها إلى درجة ملء البطون، فإذا امتلأت بطونهم أخذت تغلي في أجوافهم كما يغلي دردي الزيت، فيجدون لذلك الآماً مبرحة، فإذا بلغت الحال بهم هذا المبلغ اندفعوا إلى الحميم، وهو الماء الحار الذي تناهى حره، فشربوا منه كشرب الإبل التي تشرب وتشرب ولا تروى لمرض أصابها، وعند ذلك يقطع الحميم أمعاءهم ( وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم ) [ محمد : 15 ]. هذه هي ضيافتهم في ذلك اليوم العظيم ، أعاذنا الله من حال أهل النار بمنه وكرمه.

















وإذا أكل أهل النار هذا الطعام الخبيث من الضريع والزقوم غصوا به لقبحه وخبثه وفساده ( إن لدينا أنكالاً وجحيماً* وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليما ) [المزمل : 12-13 ]، والطعام ذو الغصة هو الذي يغص به آكله، إذ يقف في حلقه.

















وقد صور لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - شناعة الزقوم وفظاعته، فقال: " لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا، لأفسدت على أهل الأرض معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه " رواه الترمذي ، وقال: حديث حسن صحيح . (2)

















ومن طعام أهل النار الغسلين، قال تعالى: ( فليس له اليوم هاهنا حميم * ولا طعام إلا من غسلين * لا يأكله إلا الخاطئون )[الحاقة: 35-37 ]، وقال تعالى : ( هذا فليذوقوه حميم وغساق* وآخر من شكله أزواج ) [ص : 57-58 ] .

















والغسلين والغساق بمعنى واحد، وهو ما سال من جلود أهل النار من القيح والصديد ، وقيل : ما يسيل من فروج النساء الزواني ومن نتن لحوم الكفرة وجلودهم، وقال القرطبى : هو عصارة أهل النار . (3)

















(1/168)


























وقد أخبر الحق أن الغسلين واحد من أنواع كثيرة تشبه هذا النوع في فظاعته وشناعته.

















أما شرابهم فهو الحميم، قال تعالى: ( وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم ) [محمد: 15 ]، وقال : ( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ) [الكهف: 29 ]، وقال : ( ويسقى من ماء صديد* يتجرعه ولا يكاد يسيغه ) [إبراهيم:16-17]، وقاا : ( هذا فليذوقوه حميم وغساق ) [ص: 57 ].

















وقد ذكرت هذه الآيات أربعة أنواع من شراب أهل النار :

















الأول : الحميم ، وهو الماء الحار الذي تناهي حره، كما قال تعالى: ( يطوفون بينهم وبين حميم آن ) [الرحمن : 44 ]، والـ ( آن ): هو الذي انتهى حره، وقال: ( تسقى من عين آنية ) [الغاشية:5 ]، وهي التي انتهى حرها فليس بعدها حر.

















النوع الثاني : الغساق ، وقد مضى الحديث عنه ، فإنه يذكر في مأكول أهل النار ومشروبهم .

















النوع الثالث : الصديد ، وهو ما يسيل من لحم الكافر وجلده ، وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن على الله عهداً لمن شرب المسكرات ليسقيه طينة الخبال . قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال : عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار ".

















الرابع : المهل . وفي حديث أبي سعيد الخدري عند أحمد والترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: " كعكر الزيت، فإذا قرب وجهه سقطت فروة وجهه فيه ".

















وقال ابن عباس: في تفسير المهل : " غليظ كدردي الزيت ".

















أكلهم النار :

















من أصحاب الذنوب من يطعمه الله جمر جهنم جزاء وفاقاً، ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً ) [ النساء: 10 ].

















وقال: ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ) [البقرة:174 ].

















(1/169)


























أما لباس أهل النار فقد أخبرنا الحق تبارك وتعالى أنه يُفصّل لأهل النار حلل من النار، كما قال تعالى: ( فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم ) [ الحج: 19 ]. وكان إبراهيم التيمي إذا تلا هذه الآية يقول: سبحان من خلق من النار ثياباً . (4)

















وقال تعالى: ( وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد* سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ) [ إبراهيم: 49]. والقطران: هو النحاس المذاب . وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الاشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة، وعليه سربال من قطران ودرع من جرب ".

















وخرجه ابن ماجه ولفظه: " النائحة إذا ماتت ولم تتب قطع الله لها ثياباً من قطران ودرعاً من جرب ".

















--------------------------------

















(1) التخويف من النار، لابن رجب : ص 115 .

















(2) مشكاة المصابيح : (3/105)، وراوي الحديث هو ابن عباس.

















(3) يقظة أولي الاعتبار: ص 86 .

















(4) التخويف من النار : ص 126.

















عذاب أهل النار

















شدة ما يكابده أهل النار من عذاب

















النار عذابها شديد ، وفيها من الأهوال وألوان العذاب ما يجعل الإنسان يبذل في سبيل الخلاص منها نفائس الأموال ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين ) [آل عمران: 91 ]، وقال الحق في هذا المعنى: ( إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثلهم معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تُقُبل منهم ولهم عذاب أليم ) [المائدة: 36 ].

















وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يؤتي بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب " . (1)

















إنها لحظات قليلة تُنسي أكثر الكفار نعيماً كلّ أوقات السعادة والهناء .

















(1/170)


























وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يقول الله – تبارك وتعالى – لأهون أهل النار عذاباً لو كانت لك الدنيا وما فيها، أكنت مفتدياً بها؟ فيقول : نعم . فيقول أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب آدم أن لا تشرك (أحسبه قال ولا أدخلك النار، فأبيت إلا الشرك " . (2)

















إن شدة النار وهولها تفقد الإنسان صوابه، وتجعله يجود بكل أحبابه لينجو من النار، وأنى له النجاة: ( يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه* وصاحبته وأخيه* وفصيلته التي تؤيه* ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه* كلا إنها لظى * نزاعة للشوى ) [المعارج: 11-16 ] .

















وهذا العذاب الهائل المتواصل يجعل حياة هؤلاء المجرمين في تنغيص دائم، وألم مستمر.

















--------------------------------

















(1) روه مسلم : 2807.

















(2) رواه البخاري : صحيح البخاري : 3334، ورواه مسلم: 2805. المصابيح: (3/102).

















صور من عذابهم ( الجزء الأول )

















المطلب الأول

















تفاوت عذاب أهل النار

















لما كانت النار دركات بعضها أشد عذاباً وهولاً من بعض كان أهلها متفاوتون في العذاب ، ففي الحديث الذي يرويه مسلم وأحمد عن سمرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في أهل النار : " إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من تأخذه إلى حجزته ، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته " وفي رواية " إلى عنقه ". (1)

















وقد حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن أخف أهل النار عذاباً، ففي صحيح البخاري عن النعمان بن بشير قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه ". وفي رواية أخرى في صحيح البخاري أيضاً عن النعمان بن بشير: " إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل في القمقم ". (2)

















(1/171)


























وفي رواية النعمان بن بشير عن مسلم : " إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار ، يغلي منهما دماغه، كما يغلي المرجل ، ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً ". (3)

















وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أدنى أهل النار عذابا ينتعل نعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه ". (4)

















وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه انه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذُكر عنده عمه أبو طالب، فقال: " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه، يغلي منه أم دماغه ". (5)

















وقد جاءت النصوص القرآنية مصدقة لتفاوت أصحاب النار في العذاب كقوله تعالى: ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) [ النساء:145] ، وقوله: ( ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) [ غافر:46]، وقوله : ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ) [ النحل: 88].

















يقول القرطبي في هذا الموضوع: " هذا الباب يدلك على أن كفر من كفر فقط ، ليس ككفر من طغى وكفر وتمرد وعصى، ولا شك أن الكفار في عذاب جهنم متفاوتون كما قد علم من الكتاب والسنة،ولأنا نعلم على القطع والثبات أنه ليس عذاب من قتل الأنبياء والمسلمين وفتك فيهم وأفسد في الأرض وكفر ،مساوياً لعذاب من كفر فقط وأحسن للأنبياء والمسلمين ، ألا ترى أبا طالب كيف أخرجه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ضحضاح لنصرته إياه ، وذبّه عنه وإحسانه إليه ؟ وحديث مسلم عن سمرة يصح أن يكون في الكفار بدليل حديث أبي طالب ، ويصح أن يكون فيمن يعذب من الموحدين " . (6)

















(1/172)


























وقال ابن رجب : " واعلم أن تفاوت أهل النار في العذاب هو بحسب تفاوت أعمالهم التي أدخلوا بها النار " ثم ساق الأدلة الدالة على ذلك، وساق قول ابن عباس : " ليس عقاب من تغلظ كفره وأفسد في الأرض ودعا إلى الكفر كمن ليس كذلك" ثم قال ابن رجب : " وكذلك تفاوت عذاب عصاة الموحدين في النار بحسب أعمالهم ، فليس عقوبة أهل الكبائر كعقوبة أهل الصغائر، وقد يخفف عن بعضهم بحسنات أخرى له أو بما شاء الله من الأسباب، ولهذا يموت بعضهم في النار " . (7)

















المطلب الثاني

















إنضاج الجلود

















إن نار الجبار تحرق جلود أهل النار ، والجلد موضع الإحساس بألم الاحتراق ، ولذلك فإن الله يبدل لهم جلوداً أخرى غير تلك التي احترقت، لتحترق من جديد ، وهكذا دواليك، ( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً ) [ النساء: 56].

















المطلب الثالث

















الصهر

















من ألوان العذاب صب الحميم فوق رؤوسهم، والحميم هو ذلك الماء الذي انتهى حره ، فلشدة حره تذوب أمعاؤهم وما حوته بطونهم ( فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم * يصهر به ما بطونهم والجلود ) [الحج:19-20] .

















أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الحميم ليصب على رؤوسهم ، فينفذ حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه، حتى يمرق من قدميه ، وهو الصهر ، ثم يعود كما كان "، وقال: حسن غريب صحيح. (8)

















المطلب الرابع

















اللفح

















(1/173)


























أكرم ما في الإنسان وجهه ،ولذلك نهانا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ضرب الوجه ، ومن إهانة الله لأهل النار أنهم يحشرون في يوم القيامة على وجوههم عمياً وصما وبكماً ( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ) [ الإسراء:97]، ويلقون في النار على وجوههم ( ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ) [ النمل:90].

















وتلفح النار وجوههم وتغشاها أبداً لا يجدون حائلا يحول بينهم وبينها ( لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون ) [ الأنبياء:39]، ( تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ) [المؤمنون:104]، ( سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ) [ إبراهيم:50]، ( أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ) [الزمر:24]، وانظر إلى هذا المنظر الذي تقشعر لهوله الأبدان: ( يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ) [ الأحزاب: 66]، أرأيت كيف يقلب اللحم على النار، والسمك في المقلى ، كذلك تقلب وجوههم في النار ، نعوذ بالله من عذاب أهل النار .

















المطلب الخامس

















السحب

















ومن أنواع العذاب الأليم سحب الكفار في النار على وجوههم ( إن المجرمين في ضلال وسعر* يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر ) [ القمر:47-48]، ويزيد من آلامهم حال سحبهم في النار أنهم مقيدون بالقيود والأغلال والسلاسل ( فسوف يعلمون* إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون* في الحميم ثم في النار يسجرون ) [ غافر:70-72]، قال قتادة : يسحبون مرة في النار وفي الحميم مرة . (9)

















المطلب السادس

















تسويد الوجوه

















(1/174)


























يسود الله في الدار الآخرة وجوه أهل النار ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) [ آل عمران:106]، وهو سواد شديد، كأنما حلت ظلمة الليل في وجوههم ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعًا من الليل مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [ يونس: 27].

















--------------------------------

















(1) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها ، باب شدة حر النار ، (4/2185).

















(2) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الرقاق ، باب صفة الجنة والنار ، فتح الباري (11/417) ، ورواه مسلم في صحيحه ، كتاب الإيمان : (1/196)، ورقمه 363 ، واللفظ للبخاري .

















(3) صحيح مسلم ، كتاب الإيمان : (1/196) ، ورقم الحديث (364).

















(4) صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ( 1/195) ، ورقم الحديث(361).

















(5) رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، فتح الباري (11/417) ورواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان ، باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب ، (1/195)، وحديث رقم (360) ، وساق فيه عدة أحاديث أخرى.

















(6) التذكرة للقرطبي:ص409.

















(7) التخويف من النار : ص142 – 143 .

















(8) التخويف من النار لابن رجب :145، جامع الأصول10/540). وهو في الترمذي برقم: 2582.

















(9) التخويف من النار لابن رجب:147.

















صور من عذابهم ( الجزء الثاني )

















المطلب السابع

















إحاطة النار بالكفار

















(1/175)


























أهل النار هم الكفار الذين أحاطت بهم ذنوبهم ومعاصيهم ، فلم تبق لهم حسنة ، كما قال تعالى في الرد على اليهود الذين قالوا: لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ، ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [ البقرة:81]، ولا يكون المرء كذلك إلا إذا كان كافراً مشركاً، يقول صديق حسن خان: " المراد بالسيئة هنا الجنس ، ولابد أن يكون سببها محيطاً بها من جميع جوانبه، فلا تبقى له حسنة ، وسدت عليها مسالك النجاة ، والخلود في النار هو للكفار والمشركين ، فيتعين تفسير السيئة والخطيئة في هذه الآية بالكفر والشرك، وبهذا يبطل تشبث المعتزلة والخوارج لما ثبت في السنة متواتراً من خروج عصاة الموحدين من النار ". (1)

















ولما كانت الخطايا والذنوب تحيط بالكافر إحاطة السوار بالمعصم، فإن الجزاء من جنس العمل، ولذا فإن النار تحيط بالكفار من كل جهة، كما قال تعالى : ( لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ) [ الأعراف:41]. والمهاد ما يكون من تحتهم ، والغواش جمع غاشية، وهي التي تغشاهم من فوقهم، والمراد أن النيران تحيط بهم من فوقهم ومن تحتهم ، كما قال تعالى : ( يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجهلم ) [ العنكبوت:55]، وقال في موضع آخر : ( لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ) [ الزمر:16]، وقد صرح بالإحاطة في موضع آخر : ( وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) [ التوبة:49]. وقد فسر بعض السلف المهاد بالفرش ، والغواش باللحف . (2)

















وتأتي الإحاطة من ناحية أخرى، ذلك أن للنار سوراً يحيط بالكفار، فلا يستطيع الكفار مغادرتها أو الخروج منها، كما قال تعالى : ( إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ) [ الكهف:29]. وسرادق النار سورها وحائطها الذي يحيط بها.

















المطلب الثامن

















إطلاع النار على الأفئدة

















(1/176)


























ذكرنا أن أهل النار يضخم خلقهم في النار شيئاً عظيماً، ومع ذلك فإن النار تدخل في أجسادهم حتى تصل إلى أعمق شيء فيهم ( سأصليه سقر* وما أدراك ما سقر* لا تبقي ولا تذر* لواحة للبشر ) [ المدثر:26-29]، قال بعض السلف في قوله: ( لا تبقي ولا تذر ) ، قال: " تأكل العظم واللحم والمخ ولا تذره على ذلك ". (3)

















وقال الحق تبارك وتعالى: ( كلا لينبذن في الحطمة* وما أدراك ما الحطمة * نار الله الموقدة * التي تطلع على الأفئدة ) [ الهمزة:4-7].

















قال محمد بن كعب القرظي: " تأكله النار إلى فؤاده، فإذا بلغت فؤاده أنشئ خلقه ". وعن ثابت البناني أنه قرأ هذه الآية، ثم قال: " تحرقهم النار إلى الأفئدة وهم أحياء، لقد بلغ منهم العذاب، ثم يبكي ". (4)

















المطلب التاسع

















اندلاق الأمعاء في النار

















في الصحيحين عن أسامة بن زيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يُجاء بالرجل يوم القيامة، فيُلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه ، فيجتمع أهل النار عليه ، فيقولون: أي فلان، ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ قال : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه ". (5)

















ومن الذين يجرون أمعاءهم في النار عمرو بن لحي، وهو أول من غير دين العرب ، وقد رآه الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجر قصبه في النار، ففي الصحيحين عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار ، وكان أول من سيب السوائب " . (6)

















المطلب العاشر

















قيود أهل النار وأغلالهم وسلاسلهم ومطارقهم

















(1/177)


























أعد الله لأهل النار في النار سلاسل وأغلالاً وقيوداً ومطارق ( إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيرا ) [ الإنسان:4]، ( إن لدينا أنكالاً وجحيماً * وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليماً ) [ المزمل:12-13]، والأغلال توضع في الأعناق ( وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ) [ سبأ:33]، ( إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون ) [غافر:71]، والأنكال : القيود ، سميت أنكالاً لأن الله يعذبهم وينكل بهم بها ( إن لدينا أنكالاً وجحيماً ) [ المزمل:12]، والسلاسل نوع آخر من ألوان العذاب التي يقيد بها المجرمون كما يقيد المجرمون في الدنيا، وانظر إلى هذه الصورة التي أخبرنا بها الكتاب الكريم ( خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه ) [ الحاقة:30-32].

















وأعد الله لأهل النار مقامع من حديد ، وهي المطارق التي تهوي على المجرمين وهم يحاولون الخروج من النار، فإذا بها تطوح بهم مرة أخرى إلى سواء الجحيم، ( ولهم مقامع من حديد* كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق ) [ الحج:21-22] .

















المطلب الحادي عشر

















قرن معبوداتهم وشياطينهم بهم في النار

















كان الكفار والمشركون يعظمون الآلهة التي يبعدونها من دون الله ، ويدافعون عنها، ويبذلون في سبيل ذلك النفس والمال، وفي يوم القيامة يدخل الحق تلك الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله النار إهانة لعابديها وإذلالاً لهم ، ليعلموا أنهم كانوا ضالين، يعبدون ما لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً ( إنكم وما تعبدون من دون حصب جهنم أنتم لها واردون * لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون ) [ الأنبياء:98-99].

















(1/178)


























يقول ابن رجب: " لما عبد الكفار الآلهة من دون الله، واعتقدوا أنها تشفع لهم عند الله ، وتقربهم إليه ، عوقبوا بأن جعلت معهم في النار إهانة لهم وإذلالاً ، ونكاية لهم وإبلاغاً في حسرتهم وندامتهم، فإن الإنسان إذا قرن في العذاب بمن كان سبب عذابه كان أشد في ألمه وحسرته ". (7)

















ومن أجل ذلك يقذف في يوم القيامة بالشمس والقمر في النار، ليكونا مما توقد به النار ، تبكيتاً للظالمين الذين كانوا يعبدونها من دون الله، ففي الحديث : " الشمس والقمر مكوران في النار ". (8)

















يقول القرطبي: " وإنما يجمعان في جهنم ، لأنهما قد عُبداً من دون الله لا تكون النار عذاباً لهم، لأنهما جماد ، وإنما يفعل ذلك بهما زيادة في تبكيت الكافرين وحسرتهم ، هكذا قال بعض أهل العلم ". (9)

















ولهذا المعنى يقرن الكفار بشياطينهم ليكون أشد لعذابهم: ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون* حتى إذا جاءنا قال يا ليت بين وبينك بعد المشرقين فبئس القرين* ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ) [الزخرف:36-39].

















المطلب الثاني عشر

















حسرتهم وندمهم ودعاؤهم

















عندما يرى الكفار النار يندمون أشد الندم ،ولات ساعة مندم ( وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ) [يونس:54] . ، وعندما يطلع الكافر على صحيفة أعماله، فيرى كفره وشركه الذي يؤهله للخلود في النار ، فإنه يدعو بالثبور والهلاك ( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبوراً *ويصلى سعيراً ) [ الانشقاق : 10-12].

















(1/179)


























ويتكرر دعاؤهم بالويل والهلاك عندما يلقون في النار، ويصلون حرها ( وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً* لا تدعوا اليوم ثبوراً واحدة وادعوا ثبوراً كثيراً ) [ الفرقان:13-14]. وهناك يعلو صراخهم ويشتد عويلهم ،ويدعون ربهم آملين أن يخرجهم من النار ، ( وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل ) [فاطر:37]، وهم يعترفون في ذلك الوقت بضلالهم وكفرهم وقلة عقولهم ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) [الملك:10]، ( قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ) [ غافر:11].

















ولكن طلبهم يرفض بشدة ، ويجابون بما تستحق أن تجاب به الأنعام ( قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين* ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون* قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون ) [ المؤمنون:106-108].

















لقد حق عليهم القول ، وصاروا إلى المصير الذي لا ينفع معه دعاء ولا يقبل فيه رجاء ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون* ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين * فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ) [ السجدة:12-14].

















ويتوجه أهل النار بعد ذلك بالنداء إلى خزنة النار، يطلبون منهم أن يشفعوا لهم كي يخفف الله عنهم شيئاً مما يعانونه ( وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب* قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) [غافر:49-50].

















عند ذلك يسألون الشفاعة كي يهلكهم ربهم ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون ) [الزخرف:77].

















(1/180)


























إنه الرفض لكل ما يطلبون، لا خروج من النار ،ولا تخفيف من عذابها ، ولا إهلاك ، بل هو العذاب الأبدي السرمدي الدائم، ويقال لهم آن ذاك : ( فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون ) [الطور:16].

















هناك يشتد نحيبهم ،وتفيض دموعهم، ويطول بكاؤهم ( فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون ) [ التوبة:82]، إنهم يبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون دماً ، وتؤثر دموعهم في وجوههم كما يؤثر السيل في الصخر، ففي مستدرك الحاكم عن عبد الله بن قيس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أهل النار ليبكون ، حتى لو أجريت السفن في دموعهم، لجرت وإنهم ليبكون الدم – يعني – مكان الدمع ".

















وعن أنس بن مالك مرفوعاً بلفظ : " يرسل البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع ، ثم يبكون الدم حتى تصير في وجوههم كهيئة الأخدود ، لو أرسلت فيه السفن لجرت ". (10)

















لقد خسر هؤلاء الظالمون أنفسهم وأهليهم عندما استحبوا الكفر على الإيمان، واستمع إلى عويلهم وهم يرددون حال العذاب ( يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول *وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا* ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً ) [ الأحزاب:66-68].

















وتأمل قوله تعالى يصف حالهم ، ونعوذ بالله من حالهم ( فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق* خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ) [ هود:106]، قال الزجاج: الزفير من شدة الأنين وهو المرتفع جداً . وقيل : الزفير : ترديد النفس في الصدر من شدة الخوف حتى تنتفخ منه الأضلاع ، والشهيق النفس الطويل الممتد ، أو رد النفس إلى الصدر ، والمراد بهما الدلالة على شدة كربهم وغمهم وتشبيه حالهم بمن استولت الحرارة على قلبه وانحصر فيه روحه.

















(1/181)


























وقال الليث : الزفير أن يملأ الرجل صدره حال كونه في الغم الشديد من النفس ويخرجه ، والشهيق أن يخرج ذلك النفس . (11)

















--------------------------------

















(1) يقظة أولي الاعتبار:ص67.

















(2) تفسير ابن كثير: (3/168).

















(3) التخويف من النار لابن رجب:146.

















(4) التخويف من النار لابن رجب : 146.

















(5) صحيح البخاري:3267، 7098، ومسلم : 2989.

















(6) صحيح البخاري:3521. وصحيح مسلم: 2856 ، تسييب السوائب: تشريع سنة عمرو للعرب حرم فيه ما أحل الله تعالى ، فقد حرم أنواعاً من الأنعام بأسباب لم ينزل الله بها من سلطان ، كأن يمنع ذبح تلك الحيوانات وحلبها والركوب عليها. قال سعيد بن المسيب فيما رواه عنه البخاري ومسلم في روايتهما للحديث السابق:" البحيرة التي يمنع درها للطواغيت، ولا يحلبها أحد من الناس " .

















(7) التخويف من النار:ص105.

















(8) رواه البيهقي في (شعب الإيمان)، والبزاز والإسماعيلي والخطابي ، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة : (1/32).

















(9) التذكرة للقرطبي: ص392.

















(10) أورد الشيخ ناصر الحديثين في سلسلة الأحاديث الصحيحة : (4/245) حديث رقم : 1679، وعزا الحديث الأول منهما إلى الحاكم في مستدركه ، وقد قال فيه الحاكم: (حديث صحيح الإسناد) .ووافقه الذهبي: قال الشيخ ناصر: وحقه أن يزيد: على شرط الشيخين(فإن رجاله كلهم من رجالهما ، وذكر أن أحد رجاله وهو أبو النعمان ويلقب ( بعارم) كان قد اختلء وساق الشيخ ناصر الحديث الثاني شاهداً للأول، وعزاه إلى ابن ماجة وابن أبي الدنيا ، ويزيد الرقاشي أحد رواته ضعيف، وباقي رجاله رجال الشيخين.

















(11) يقظة أولي الاعتبار، لصديق حسن خان ص72.

















المحاجة بين الجنة والنار

















(1/182)


























أخبرنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أن الجنة والنار تحاجتا عند ربهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: فمالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم ؟ - زاد في رواية : وغرتهم – فقال الله عز وجل للجنة : أنت رحمتي أرحمن بك من أشاء من عبادي، وقال للنار : إنما أنت عذابي، أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار: فلا تمتلئ حتى يضع رجله – وفي رواية : حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله – فتقول : قط قط قط ، فهنالك تمتلئ، ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحداً، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقاً " أخرجه البخاري ومسلم.

















وللبخاري قال: " اختصمت الجنة والنار ( إلى ربهما )، فقالت الجنة: يا رب مالها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم ؟ وقالت النار (1)، فقال (الله) للجنة : أنت رحمتي، وقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما الجنة، فإن الله لا يظلم من خلقه أحداً، وإنه ينشئ للنار (2) . من يشاء، فيلقون فيها، فتقول: هل من مزيد ؟ ويلقون فيها، فتقول هل من مزيد ؟ حتى يضع قدمه فيها، فتمتلئ ، ويزوى بعضها إلى بعض، فتقول: قط قط قط ".

















وله في أخرى: - وكان كثيراً ما يقفه أبو سفيان الحميري، أحد رواته، قال : " يقال لجهنم، هل امتلأت ؟ وتقول: هل من مزيد ؟ فيضع الرب قدمه عليها، فتقول : قط قط ".

















ولمسلم بنحو الأولى ، وانتهى عند قوله : " ولكل واحدة منهما ملؤها ".

















وقال في رواية: " فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم (3) وغرتهم ؟ " وفي آخره: " فأما النار، فلا تمتلئ حتى يضع قدمه عليها، فهنالك تمتلئ، ويزوى بعضها إلى بعض " وأخرجه الترمذي نحو الأولى (4) (5) .

















--------------------------------

















(1/183)


























(1) قال محقق جامع الأصل: كذا في الأصول المخطوطة. وفي النسخ المطبوعة: يعني: أوثرت بالمتكبرين، قال الحافظ في (الفتح): كذا وقع هنا مختصراً، قال ابن بطال: سقط قول النار هنا من جميع النسخ، وهو محفوظ في الحديث وانظر (الفتح) (13/434).

















(2) جزم غير واحد من أهل العلم أن هذا خطأ من بعض الرواة، وصوابه ينشئ للجنة .

















(3) السّقط: المزدرى به ، ومنه السَّقط: لرديء المتاع. وغرتهم: الغرّ الذي لم يجرب الأمور، فهو قليل الشر منقاد.

















(4) رواه البخاري (8/458) في تفسير سورة (ق) ، باب قوله تعالى : ( وتقول هل من مزيد ) [ق: 30] وفي التوحيد، باب ما جاء في قول الله تعالى: ( إن رحمت الله قريب من المحسنين ) [الأعراف : 56 ]، ومسلم رقم (2846) في الجنة ، باب النار ويدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، والترمذي رقم (2564) في صفة الجنة ، باب ما جاء في احتجاج الجنة والنار.

















(5) جامع الأصول: (10/544-547) .

















كيف يتقي الإنسان نار الله ؟

















لما كان الكفر هو السبب في الخلود في النار فإن النجاة من النار تكون بالإيمان والعمل الصالح، ولذا فإن المسلمين يتوسلون إلى ربهم بإيمانهم كي يخلصهم من النار ، ( الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار ) [ آل عمران:16]، ( ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار * ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار* ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار* ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) [آل عمران:191-194].

















وقد فصلت النصوص هذا الموضوع فبينت الأعمال التي تقي النار فمن ذلك محبة الله ، ففي مستدرك الحاكم ومسند أحمد عن أنس بن مالك ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " والله لا يلقي الله حبيبه في النار ". (1)

















(1/184)


























والصيام جنة من النار ، ففي مسند أحمد ، والبيهقي في شعب الإيمان بإسناد حسن عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " قال الله تعالى : الصيام جنة يستجن بها من النار ". (2)

















وعند البيهقي في الشعب من حديث عثمان بن أبي العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الصوم جنة من عذاب الله " ورواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن خزمية وإسناده صحيح . (3)

















أما إذا كان الصوم في حال جهاد الأعداء فذاك الفوز العظيم، فعن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من صام يوماً في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ". رواه أحمد ، والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي. (4)

















ومما ينجي من النار مخافة الله ، والجهاد في سبيل الله ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) [ الرحمن:46]، وروى الترمذي والنسائي في سننهما عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم ". (5)

















وفي صحيح البخاري عن ابن عبس وهو عبد الرحمن بن جبر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله ، فتمسه النار " (6) ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبداً " . (7)

















ومما يقي العبد من النار استجارة العبد بالله من النار، ( والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً* إنها ساءت مستقراً ومقاماً ) [ الفرقان:65-66] ، وفي مسند أحمد وسنن ابن ماجة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم بإسناد صحيح عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما سأل أحد الله الجنة ثلاثاً، إلا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة ، ولا استجار رجل مسلم الله من النار ثلاثاً، إلا قالت النار: اللهم أجره مني". (8)

















(1/185)


























وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذكر الملائكة الذين يلتمسون مجالس الذكر وفيه : " أن الله عز وجل يسألهم وهو أعلم بهم ، فيقول: " فمم يتعوذون؟ فيقولون: من النار ، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها، فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً ،وأشد مخافة ، فأشهدكم أني قد غفرت لهم ". (9)

















--------------------------------

















(1) حديث صحيح ، انظر صحيح الجامع (6/104)،ورقم الحديث6/104).

















(2) صحيح الجامع4/114) .

















(3) صحيح الجامع: (3/264).

















(4) صحيح الجامع: (5/310).وفي صحيح البخاري:2840.وصحيح مسلم: 1153.

















(5) مشكاة المصابيح: (2/356)، حديث رقم: 3828،وقال المحقق في إسناده: صحيح . انظره في سنن الترمذي: 1633 ، 2311. وقال الترمذي فيه: هذا حديث حسن صحيح.

















(6) مشكاة المصابيح : (2/349)، ورقمه:3794.وهو في صحيح البخاري برقم : 2811.

















(7) مشكاة المصابيح: (2/349)، ورقمه: 3795. وهو في صحيح مسلم برقم : 1891.

















(8) صحيح الجامع : (5/145)، ورقمه: 5506.

















(9) صحيح الجامع 2/233) ،ورقمه: 2169، وعزاه إلى البخاري ومسلم وأحمد.

















(1/186)
































شاركنا رأيك

 
التعليقات

لم يعلق احد حتى الآن .. كن اول من يعلق بالضغط هنا

أقسام شبكة بحوث وتقارير ومعلومات عملت لخدمة الزائر ليسهل عليه تصفح الموقع بسلاسة وأخذ المعلومات تصفح هذا الموضوع [بحث] الجنة والنار - ملخصات وتقارير جاهزة للطباعة # اخر تحديث اليوم 2024-03-28 ويمكنك مراسلتنا في حال الملاحظات او التعديل او الإضافة او طلب حذف الموضوع ...آخر تعديل اليوم 24/03/2024


اعلاناتتجربة فوتر 1