شبكة بحوث وتقارير ومعلومات
تجربة هيدر2
اليوم: الخميس 18 ابريل 2024 , الساعة: 2:49 م


اخر المشاهدات
الأكثر قراءة
اعلانات

مرحبا بكم في شبكة بحوث وتقارير ومعلومات


عزيزي زائر شبكة بحوث وتقارير ومعلومات.. تم إعداد وإختيار هذا الموضوع الطب القديم حتى نهاية العصر الحجري الحديث # اخر تحديث اليوم 2024-04-18 فإن كان لديك ملاحظة او توجيه يمكنك مراسلتنا من خلال الخيارات الموجودة بالموضوع.. وكذلك يمكنك زيارة القسم , وهنا نبذه عنها وتصفح المواضيع المتنوعه... آخر تحديث للمعلومات بتاريخ اليوم 15/10/2023

اعلانات

الطب القديم حتى نهاية العصر الحجري الحديث # اخر تحديث اليوم 2024-04-18

آخر تحديث منذ 6 شهر و 6 يوم
1 مشاهدة

الطب القديم حتى نهاية العصر الحجري الحديث

لقد قمت بمراجعة كتب تاريخ الطب في عدة لغات ووجدت إهمالاً في العصور قبل التاريخية، زالتي تعتبر ركيزة أساسية في توضيح تطور الطب في العالم حتى نستطيع تتبع التطور العام للطب والقائم حسب ما نرى على تطور العقل البشري عبر التاريخ، وإن الثقافة والمعلومات الطبية التي يتمتع بها أي جيل هو عبارة عن انعكاس للواقع السياسي الجتماعي والمادي الذي يعيشه الإنسان.
إن مكتشفات القرن العشرين الهائلة والتي تفوق ما اكتشفه العالم حتى الآن يدعونا إلى الغرور وإلى إهمال الجهود الكثيرة المتراكمة للأجيال السابقة، وإن ما ندعوه الطب العلمي اليوم هو بمقياس عصرنا وما به من اكتشافات، وقد كان الطب دائماً علمياً، أي خاضعاً لحكم العقل من والبرهان ، ولكنه كان علمياً في زمانه ولا ينقص من علميته، أنه لم يعرف الاكتشافات الحديثة، ذلك أنه لو نظرنا بعد عدة قرون للموضوع فسنرى أن اكتشافاتنا المذهلة قد أصبحت لا شيء مقارنة بالاكتشافات القادمة ، إذا استمر التطور يأخذ نفس المنحى والصعود. إن تاريخ الطب ليس هو فقط قصة الاكتشافات الرائعة التي حصلت على مر العصور، بل هو قصة فلسفة التطور الإنساني، وكيف استطاع الإنسان أن يشق طريقه من اللاشيء وأن يصل إلى ما وصل إليه وما سيصل إليه.

يبدأ تاريخ الطب مع بداية الإنسان. فالإنسان وجد نفسه في الطبيعة وحيداً مضطراً لمواجهتها والتغلب عليها من أجل البقاء، وفرض إرادته عليها والتي أدرك أهميتها مع الوقت. ذلك أن وعي الإنسان هو انعكاس لظروفه المعيشية البيئية والاجتماعية. لقد احتاج الإنسان إلى أربعة ملايين سنة حتى أصبح إنساناً عاقلاً HOMO SAPIENS قبل أن يدخل العصر الحجري القديم المبكر الأعلى الذي بدأ 35,000-17,000 ق.م(1).

لقد بدأ الإنسان يدرك ضعفه الذاتي تجاه الطبيعة، وكان لا مفر له من إيجاد، أو الإيمان بوجود قوة خارقة تسيطر على الطبيعة، فبدأت مرحلة الطوطمية، أي تقديس كائنات معينة نظراً لقدرات خارقة يراها الناس.

ومع ازدياد معارفه بدأ يحاول السيطرة على الطبيعة من خلال تراكم الاكتشافات والمعارف التي استمرت تنشأ من العلم القديم أو السحر. وفي تلك المرحلة تطورت حياة الإنسان من مرحلة القنص والصيد كعماد أساس لغذائه وحياته إلى مرحلة امتلاك تلك الحيوانات وتربيتها في مرحلة الرعي. وبينما كان الرجل يقضي معظم وقته خارج المنزل، بقيت المرأة في البيت، أو المغارة لتربية الأطفال فاكتشفت الزراعة، وأدخلت الإنسانية في عصر الزراعة وما تبعه من نقلة حضارية بدأت في أنتاج فائض غذائها، وبدأت تتكون الطبقات. وتبعته الاكتشافات الأخرى مثل الفخار ثم الأدوات والنسيج. واعتمدت الزراعة على الأمطار أول الأمر ثم كان لا بد من تنظيم مصدر دائم للمياه، وهكذا بدأت مرحلة تنظيم المياه، واحتاجت الحياة إلى تنظيم أشمل أوجد الدولة ذات السلطة في الفترة بين 4,500-5000 ق.م. والتي بدأت في بلاد ما بين النهرين ووادي النيل. " استنادا إلى الأدلة الحالية، فإن هذا الإقليم شاهد ظهور ليس أول مستوطنات زراعية، بل أقدم مدن العالم. إن السبب الرئيس الذي لفت انتباهنا إلى الشرق الأدنى هو الحضارتان التقليديتان في ما بين النهرين ومصر، واللتين كانتا توأمين في تطورهما الثقافي وأفرزتا تأثيراً كبيراً على الحضارات اللاحقة من البحر المتوسط إلى الهند"(2)

لقد مر التطور الكوني في عصور كثيرة امتدت أكثر من خمسة بلايين سنة: من الزمن ما قبل الكمبري، حيث كانت الأرض كثلة من الصخور المنصهرة، أخذت تبرد فتكونت القشرة الأرضية، والزمن الباليوليزي (زمن الحياة القديمة) حيث نشأت الفقاريات والأسماك والبرمائيات ثم الزمن الميزوزوي( زمن الحياة المتوسطة) وهو عشر الديناصورات والغابات الضخمة،ثم الزمن السينوزوي (زمن الحياة الثالث) وهو زمن ظهور الثدييات القديمة أو الحديثة، ثم الزمن الرابع وهو عصر ظهور الإنسان والبشر.(3).

ونستطيع أن نقسم فترة ما قبل التاريخ الإنساني إلى عدة مراحل:

1-العصر الحجري السحيق:Age Eolithic ويأتي بعد وقت طويل من تكون الأرض،وفيه ظهر الإنسان الأول وربما استطاع في نهاية هذا العصرمن صناعة واستخدام الأدوات العظمية والحجارة.

2- العصر الحجري القديم Age Paleolithic والذي امتد من 500,000-12,000 ق.م. وفيه بدأ يتطور الإنسان العاقل ويتطور عن الحيوانات، وبدأ يدرك بيئته الطبيعية ويتكيف معها من أجل البقاء على قيد الحياة والمحافظة على مصالحه. وقد تم تقسيم العصر الحجري القديم إلى ثلاثة مراحل: الباليوليتي الأولي والمتوسط والأعلى حيث ظهر الإنسان النياندرتالي ((Neanderthale. وفيه بدأ تكوين ثقافة ومجموعة من التقاليد والقيم، ودخل الإنسان في ارتباط عاطفي روحي مع الطبيعة نبات وحيوان، فكان يخاف من الحيوانات وبالتالي يقدسها ويؤلهها، مما دعته إلى إقامة علاقة هي بداية التدجين. وظهر التوتم " وهو الحيوان المؤله الذي ينتمي إلى النوع الذي تصطاده القبيلة أكثر من غيره ويلعب الدور الأساس في استراتيجيتها الغذائية".(4)

3- العصر الحجري الوسيط(الميزوليت) 8000 – 12000 Mesolithoc ageق.م.

وهو عصر ذوبان الثلوج في أوروبا، وهو فترة انتقال الإنسان من العصور الحجرية القديمة إلى العصور الحجرية الحديثة، وفي الشرق الأدنى بدأت المرحلة الكبارية والنطوفية في فلسطين والزرزية في العراق.

وفي العصر الوسيط بدأ جمع الحبوب البرية ، وبدأ تدجين الحيوانات وظهرت المقابر والأكواخ بدلاً من الكهوف، وكانت بداية الاعتقاد بوجود حياة أخرى بعد الوفاة مما جعلهم يدفنون مع الميت حليه وأجزاء مقدسة من الحيوان.

ونحن لا نستطيع متابعة تطور المعلومات الطبية بدقة في هذه المرحلة الطويلة ، ولكننا نفترض أن الإنسان العاقل بدأ يستخدم عقله في محاولة إصلاح أمراضه، أي الخلل الحاصل في الأعضاء سواء الكسور، أو الآلام، أو الولادة، وهي أمور تحدث كل يوم ما دام الإنسان هو الإنسان، والعقل الذي يستخدمه الإنسان لا يختلف عضوياً، ولكنه يختلف بأمور كثيرة خاضعة لوضعه الاقتصادي والاجتماعي، وخاصة لوعيه الذي يتحدد بناء ذلك، كما تخضع لكمية المعلومات التي يعرفها ويختزنها عقل الإنسان، وعلى طريقة تفكيره. وجميع هذه العوامل كانت محدودة بزمانه ومكانه. فلا شك أن البداية كانت أصعب من الأوقات التي تلتها، وإن تتابع الاكتشافات من اكتشاف الزراعة والمعادن قد أضاف إلى طرق العلاج كما يضيف اكتشاف الأشعة والليزر في أيامنا إلى العلاج، وكما تضيف علوم الفضاء.

لقد بحث الإنسان الأول عن سبب لهذه الأمراض حوله، فلم يجد سبباً مباشراً، ورد الأمر إلى قوة إلهية خاصة استسلم لها أول الأمر، بدأ يخاف ويحترم كل ما لا يفهمه حوله، وتطور الأمر إلى تأليه كل القوى الأقوى منه والتي لا يعرف لها تفسيراً، ثم فصل هذه القوى إلى قوى خيرة تفيده وتعمل لصالحه، وقوى شريرة تعمل ضد مصلحته ومن ضمنها الأمراض التي عزاها إلى أرواح شريرة، وهذا هو محور المرحلة الروحانية، وهي بداية نشوء الأديان.ولما اكتشف الإنسان قدرته على السيطرة على بعض هذه القوى المؤثرة سواء خيرة أم شريرة، بدأت مرحلة السحر ومحاولة تطوير هذه السيطرة، ومن الطريف ملاحظة أن كلمة ماجيك Magic اللاتينية المشتقة من الفارسية تعني العلم، وكلمة Magician أي الساحر تعني العالم.


4- العصر الحجري الحديث Neolithic Age 8000- 4500 ق.م.

وقد بدأ في سوريا و فلسطين وبين النهرين بعدة ميزات جديدة:

أ- الاستقرار في الأرض وبناء مستوطنات جديدة.

ب- اكتشاف الزراعة والبداية المنظمة لإنتاج الغذاء.

ت- تدجين المواشي.

ث- التبادل التجاري الداخلي والخارجي.

ج- اكتشاف الفخار

وقد أدت هذه التغييرات إلى خروج الحضارة من حضن الطبيعة المسيطرة وإلى محاولة امتلاك مصيرها ومحاولة التأثير فيها بشكل يخدم أهداف الإنسان. وقد تطورت أول المستوطنات إلى بداية تشكيل المدن كأريحا في فلسطين وعدة مواقع في العراق وسوريا. وقد امتازت هذه المدن بوجود سور يحمي المدينة، ووجود سلطة محلية ومعبد للآلهة. حيث وجود عناصر حضارة مدينية بدأت تشق طريقها وتفرض نفسها حيث تشكلت في الحضارة النطوفية قرى صغيرة من 50-250 نسمة، فيها بيوت ذات أساسات وجدران ثابتة، مثل أريحا التي ثبت وجود قرية قديمة منذ عام 8350 ق.م. ومع توفر المواد الزراعية والحيوانية فقد بدأ التبادل التجاري بين المناطق المتجاورة بالتوسع. وفي نهاية الألف السابعة وبداية الألف السادسةقبل الميلاد، انتهى العصر الحجري الحديث ما قبل الفخاري وبدأ عصر الفخار وانتقل الثقل الحضاري من سوريا إلى العراق، حيث نشأت عدة مراكز حضارية؛ مثل حضارة حسونة وسمارة وتل حلف 5500- 4500 ق.م. وامتد أثر هذه الحضارات من الهند إلى المتوسط على طول الخطوط التجارية، وانتشرت فنون النحت والعمارة والحياكة والتقنيات الزراعية، وظهر فائض في الإنتاج الزراعي والحيواني. كما بدأ في هذه الفترة عصر التعدين.وكانت نهاية الثقافة النيوليتية في حوالي 4500 ق.م.

وظهر بعدها حضارة تل العبيد جنوبي وادي الرافدين وظهر عصر المدينة كمقدمة لظهور الحضارة السومرية التي تابعت البناء الحضاري وشكلت استمراراً لحضارة تل العبيد ظهرت الحضارة السومرية متطورة متقدمة عن سابقاتها، فأدخلت عصر الكتابة لأول مرة في التاريخ باستعمال الرموز المسمارية، وهي أول كتابة معروفة في التاريخ، ولا يعرف أنها وجدت في مكان آخر غير وادي الرافدين. وأدخلوا النظام العشري والأبراج وعلم الفلك والرياضيات وأسسوا نظم الحكم المكتوبة.

ويعتبر عصر السومريين عصر بداية التاريخ المكتوب الذي يبدأ حوالي 3500 ق.م. وانطلقت حضارة المدينة إلى مصر والهند والصين، ثم إلى كريت حوالي 2600 ق.م. وظلت الثقافة النيوليتية تحاول الوصول إلى باقي العالم.

الآلهة النيوليتية:

"أول ظهور مادي لعبادة زراعية ظهر في حضارة جرمو 6000 ق.م.وانتقلت عبادة المقدس من الحيوان إلى المرأة

لقد عرف الإنسان صيغة جديدة للبقاء والعيش، فبعد أن استأنس الحيوان، انتقل إلى النباتي فأثار فضوله الديني والروحي، فصنع دمى للمرأة باعتبارها رمزاً للخصب والولادة، وهذه أول عتبة للانتقال إلى الروحي الجديد " (5)"


كانت آلهة زراعية تركز حول آلهة واحدة هي سيدة الطبيعة- الأرض ثم تربع معها ابنها على عرش الألوهية مع ازدياد الدور الاجتماعي للرجل. وسميت بأسماء مختلفة عند مختلف الشعوب فهي: أنانا عند السومريين وعشتار في بابل وعناة وعشتاروت في كنعان، وهي نوث عند المصريين وإيزيس وحاتور، وعند الإغريق ديمترات ورحيا وأرتميس وأفروديت، وهي في الجزيرة العربية اللات والعزى ومناة وفي قبرص وأسيا الصغرى سيبيل وفي روما سيريس وفينوس.

هذه الآلهة النيوليتية الأنثوية تبدأ بالتزعزع بعد عصر المدن والكتابة، حيث بدأت الآلهة الذكور تزاحم الإناث وتحتل مكانها، وقد بدأت الأمور بشكل يكاد يكون مسيطر عليه من خلال الإله الابن الذي بدأ يدخل في الصورة مع الإلهة الأم، ثم لم يلبث الابن أن قوي مركزه بعد التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي استكملت في عصر التعدين وسيادة الرجل في المجتمع وتراجع الأنثى إلى وظيفة ثانوية تابعة للرجل كزوجة ، أو جارية . وترافق ذلك مع تغييرات اجتماعية ذات نظام مركزي سلطوي وطبقي صارم.

المجتمع النيوليثي:

تميز المجتمع النيوليثي (الحجري الحديث) باكتشافات جديدة أحدثت تغييرات اجتماعية واقتصادية مهمة. وكانت المرأة هي العامل الأساس في اكتشاف الزراعة وتربية الماشية وبالتالي أساس الاستقرار وتكوين الروابط الاجتماعية التي تقوم على العلاقة الدموية بين أعضائها، فكان مجتمعاً أنثوياً أمومياً وكرس هذا ألوهية الأنثى من خلال الإلاهات المختلفات في مختلف البقاع.

"في المجتمع الأمومي أسلم الرجل قيادته للمرأة لا لقوتها الجسدية بل لتقدير أصيل وعميق لخصائصها الإنسانية وقواها الروحية وقدراتها الخالقة وإيقاع جسدها المتوافق مع إيقاع الطبيعة، فإضافة إلى عجائب جسدها الذي بدا للإنسان القديم مرتبطاً بالقدرة الإلهية، كانت بشفافية روحها أقدر على التوسط بين عالم البشر وعالم الآلهة، فكانت الكاهنة الأولى والعرافة والساحرة.بهذه الأسلحة الفتاكة مضى الجنس الأضعف قوة بدنية فتبوأ عرش الجماعة دينياً وسياسيا ًواجتماعياً. وأمام هذه الأسلحة أسلمت الجماعة قيادتها للأمهات، وقد عزز الدور الاقتصادي للمرأة هذه المكانة، فقد كانت بحق المنتج الأول للجماعة، لكونها المسئول عن حياة الأطفال وتأمين سبل العيش لهم؛ كانت المرأة مسئولة عن تحضير جلود الحيوانات وتحويلها إلى ملابس ومفارش وأغطية وكانت النساجة الأولى والخياطة وأول من صنع الأواني الفخارية. وبسبب قضائها وقتاً طويلاً في البحث عن جذور والأعشاب الصالحة للأكل تعلمت خصائص الأعشاب السحرية في شفاء الأمراض فكانت الطبيبة الأولى وكانت من يبني البيت ويصنع الأثاث وكانت تاجرة تقايض منتجاتها بمنتجات الآخرين. (6)

وأخيراً توجت المرأة دورها الاقتصادي الكبير باكتشاف الزراعة ونقل الإنسان من مجتمع الصيد والالتقاط إلى مجتمع إنتاج الغذاء، بينما حافظ الرجل على دوره التقليدي طيلة هذه المرحلة في الصيد والتنقل بحثا عن الطرائد الكبيرة.

الطب النيوليتي:

لقد تمكن الإنسان من تجريب آلاف الأعشاب عبر آلاف السنين التي مرت، ولا بد أنه حاول تجبير العظام المكسورة واخترع طرقاً بسيطة لعمل ذلك تتلائم مع مستوى معارفه المختلفة،

الشكل (1) جمجمة مثقوبة ويظهر على أطراف الثقب أنها قد شكلت ندبة عظمية مالسة(7)

كما أنه لا شك ومنذ الخليقة قد تعامل مع الولادة كشيء طبيعي، وبالتالي استطاع أن يراكم المعلومات عن الولادة والقبالة وإدخال تحسينات على الوسائل المتاحة.

كما أنه حاول بشتى الوسائل التوصل إلى وقف الألم عند اشتداده باستعمال الأعشاب، أو الطرق السحرية أو الجراحية. ومن الثابت والعجيب هو إجراء عملية فتح الجمجمة ((Trepanation، حيث وجدت جماجم في بقاع مختلفة من العالم تشهد بذلك وإن كان سبب ذلك غير معروف، وقد وجدت أنواع من المثاقب قادرة على إجراء ذلك.

ويبحث علم الباليوباثولوجي Paleopathology في أمراض قبل التاريخ ، بناء على ما يجده في الحفريات والآثار وأكثر ما يفيد حتى الآن هو مشاهدة العظام التي قد يظهر فيها آثار كسور، أو التهابات، أو تشوهات.

واختلفت المعلومات الطبية عند الشعوب باختلاف التجارب واختلاف البيئة والأمراض. ويسمى العلم الذي يبحث في طب العصور القديمة بالطب القديم Paleomedicine .




الشكل (2)سكين يظهر عليه طريقة إجراء التربنة في البيرو ، جنوب أمريكا، ويوجد على رأس الكسين تصوير لعملية التربة.ِ (8)

لقد استطاع المهتمون بالطب القديم Paleolithic medicine أن يجدوا كثيراً من الشواهد على أمراض جراحية قديمة مثل : سرطان العظام، مضاعفات الروماتيزم، سل العظام، التهابات متكررة للأسنان، أضصبع زائدة في الاقدم أو اليد، عدم التماثل في طول بعض العظام، لقد كان عمر الإنسان قصير لا يتجاوز الثلاثين عاماً، ونادراً ما وجدت جماجم أشخاص مسنين.(9)

(الشكل3) كسرفي الكعبرة(أعلى) ملتحم بشكل جيد، وكسر في الترقوة (أسفل)، من العصر الحجري الحديث. (10)

لقد استمرت الممارسات الطبية التي كانت سائدة في العصر الحجري القديم وتطورت بتطور المعارف التي أضيفت إلى معلومات الإنسان كالمعارف بالأعشاب الجديدة التي تم تجريبها إضافة إلى السحر والشعوذة. وقد كان تراكم هذه المعارف هو الذي أدى إلى التطور الذي شاهدناه في العصر السومري عصر الكتابة وعصر سيطرة الرجل، حيث نلاحظ بداية تكريس دور الرجل في المجتمع، ليس في السياسة والاقتصاد فقط ولكن أيضاً في الطب، وانزوت المرأة تدريجياً إلى أن أصبحت من متاع الرجل وممتلكاته، وحرمت من شخصيتها وإنسانيتها تلقائياً. وأهم الممارسات الطبية التي تكرست هي:

أ- الأعشاب كإنتاج للأرض الأم الكبرى.

ب- فتح الجماجم لعلاج الصداع، أو الأرواح الشريرة. لقد بدأ الاهتمام بالجماجم المفتوحة في القرن السابع عشر والثامن عشر بعد الاكتشافات الأثرية الحفرياتية في مناطق مختلفة من العالم. " لقد تبين بفحص الهياكل العظمية للمرضى-المفتوحين الجماجم-، أن الهياكل العظمية تظهر علامات مرضية ليس في منطقة الرأس فحسب، بل في إنحناءآت العمود الفقري، تغييرات في المفاصل، آثار كسور عظمية، وأشياء أخرى. ويستنتج من هذا: أن ليس عالم الأفكار الإيمانية كان هو السبب في فتح الجمجمة، ولكن على الأكثر الأحوال المرضية، أو علاماتها"(11)


" بل إن مقارنة الجماجم المفتوحة في عدة مناطق في أوروبا في العصر الحجري الحديث، تبين أن نسبة الذين عاشوا بعد العملية في جنوب فرنسا ، بلغت 80% وفي منطقة باريس 45% وفي منطقة وسط أوروبا 90%، ويمكن معرفة ذلك من تكون ندبة العظمية التي تتكون دائماً في حياة المريض فقط" (12 )

وقد نشأت هذه الممارسة في أوروبا في جنوب فرنسا ربما بتأثير شمال أفريقي، أو ربما بتأثير شمال أفريقي من شبه جزيرة إيبيريا وانتشرت من هناك إلى وسط أوروبا وشمالها.

وقد وجدت هذه الممارسة في جزر المحيط الهادي وفي جبال الأوراس في شمال أفريقيا وجنوب أمريكا وعند قبائل الأبابيري في كينيا.

ت- تكرس المرض كعقاب إلهي والشفاء برضا الإله، أي ميتافيزيقية المرض.

ث- السحر؛ علم تلك الأيام وقد انقسم إلى:

1- السحر الخارقي: ويشمل مجموعة الظواهر الباراسايكولوجية، والتي تعتمد على وجود قوة غير عادية عند إنسان تجعله قادر على التأثير في قوى الطبيعة، وقد ثبت حديثاً وجود هذه القوى عند بعض الناس.

2- السحر التعاطفي: وهو العلم البدائي الذي توصل إليه الإنسان القديم.

3- الشعوذة: وهو السحر الذي يعتمد على خداع البصر والغش ويدعي العلم بالمجهول.

وبدأ هناك نوع من التخصص لدى الأطباء كما سنرى في الطب السومري، ولكن الكاهن الساحر العالم الطبيب بدأ يترك مكانه الطبي للطبيب الذي يهتم بالمرض كشئ مادي، ويحاول أن يجد له العلاج المادي سواء من النباتات، أو الحيوانات، أو المعادن.

5- العصر الحجري النحاسيه Calcolithic Age (5000-3000 ق.م.) وفيه تم اكتشاف المعادن واستخدامها في الحياة اليومية ويمتاز هذا العصر أنه عصر رافديني جنوبي في نشأته وتطوره. (13)

6-العصرالشبيه بالتاريخي ) Protoliterate Age3100- 2900 ق.م.) اعتمدت في تقسيم التاريخ على كتاب أديان وحضارات ما قبل التاريخ ، خزعل الماجدي ,دار الشروق عمان 1997 ص.15-28

وقد بدأ بتأسيس المدن بتنظيماتها السياسية والاقتصادية المعقدة، وأول ما تظهر حضارة المدن في الهلال الخصيب؛ في وادي الرافدين وفي سوريا وفلسطين، حيث ظهرت مدن مثل أريحا ورأس شمرا في سوريا وسومر وتل حلف وأبدو وأور في العراق. وبدأ عصر المدينة بأهم التغييرات التي حدثت في ذلك الوقت، وهو بداية عصر الحديد وعصر التنظيم الشديد للجيوش وأسلحتها وللدولة والضرائب وبدأ تشكيل الطبقات وزيادة الغنى والموارد الزراعية والحيوانية، مما أدى إلى تغيير شكل العائلة وأدى إلى الانقلاب الذكوري وإلى نشوء العبودية من الجماعات المغلوبة. وفي هذه الفترة بدأت أسطورة آدم وحواء وبدأ المجتمع الذكوري يكرس لعنة المرأة ودونيتها، وتشكلت العائلة الصغيرة التي تحوي في جذورها عناصر العبودية والتبعية للرجل لأسباب اقتصادية.

وانتشرت الحضارة السومرية والبابلية، حيث احتل سرجون الأكدي جميع المناطق المعروفة في العالم في ذلك الوقت من الهند وفارس إلى الجزيرة العربية إلى كريت وشمال أفريقيا ووصل حتى المحيط الأطلسي في ايرلندا ." فتوحات سرجون الأول(العظيم) بدأت عام 2725 ق.م.(41) وهكذا انتشرت الآلهة السومرية أيضاً وخاصة الإلهة الأم التي أدخلت في جملة مجمع الآلهة برئاسة إله ذكر هو إن في سومر ومردوخ في بابل ورع في مصر، واحتفظت بكثير من صفاتها في الخير والخصب ولكن من خلال الإله الأكبر.

وحصل في بداية عصر الكتابة أن بدأ الكتاب وهم من الكهنة الذكور في تقليل صورة وحجم الإلهة الأنثى والمرأة بشكل عام بصفتهم أصحاب المصلحة الأولى في تكريس الإله الذكر، ورغم ذلك التكريس الرسمي فقد تمتعت الإلهة الأم وما زالت عند الكثير من الشعوب بأهمية خاصة ، وخاصة عند عامة الناس.


الخلاصة:

1- تطور وعي الإنسان الصحي بموازاة الظروف المادية التي عاشها الإنسان.

2- استغرق التطور حتى وصل الإنسان إلى مرحلة الإنسان العاقل حوالي مليوني سنة، ووصل إلى مرحلة الإنسان العاقل حوالي 35,000-17,000 ق.م.

3- اكتشف الإنسان ضعفه وجهله بما يحدث حوله، فحاول السيطرة على قوى الطبيعة بالمعلومات التي تمكن من اكتشافها والتعرف عليها، فنشأ السحر والسحراء ونشأ التابو.

4-بدأ التغييير الحضاري في بداية العصر الحجري الحديث (النتيوليثي)، حيث بدأ الإنسان بالإستقرار وبناء المستوطنات، بداية المدن المعروفة في التاريخ، واكتشف الزرعة وتدجين المواشي، وبدأ في إنتاج فائض من الغذاء.

5-لقد تمكن الإنسان من تجريب آلاف الأعشاب عبر آلاف السنين وحاول تجبير العظام، كما قام بإجراء التربنة (فتح الجمجمة) لأسباب روحية (طرد الأرواح الشريرة) ولأسباب علاجية كعلاج الصداع .

6-بدأ نوع من الإختصاص في الطب فإلى جانب الكهنة والسحراء زادت أهمية الأطباء العاديين الذين يستعملون الأعشاب والأدوية المعدنية والحيوانية التي أضيفت إلى قائمة الأدوية المستعملة.

7- لقد شكل الإنتقال إلى عصر الكتابة نقلة نوعية فهو يعتبر بداية التاريخ المكتوب، ولكنه أيضا استمرار للعادات والمعارف القديمة والطبية خاصة والتي نقلتها بداية الكتابة أيضاً.


المصادر:

(1) Kleine Enzyklopedie Welt Geschischte,Band I 1981 VEB Bibiliographisches Institute –Leipzig DDR ص. 11

(2) نشوء الحضارة دافيد وجوان أوتيس ، دار الشؤون الثقافية العامة ، وزارة الثاقفة والإعلام –بغداد 1988، ترجمة لطفي الخوري. ص13.

(3) خزعل الماجدي ، أديان وحضارات ما قبل التاريخ، ص.13-20 ، دار الشروق عمان1997.

(4) فراس السواح دين الإنسان ص133.،منشورات علاء الدين ،دمشق 1994.

(5) خزعل الماجدي ، بخور الآلهة، ص118.الأهلية للنشر والتوزيع-عمان1998

(6) فراس السواح لغز عشتار ، دار علاء الدين ، دمشق 1993 ص. 32،33.

(7) من كتاب Medicine an illustrated History,alberts.Leons and R.JosefPetruceli.Abradale Press New York 1978 p.28

(8)Alte chirurgie,detlef rüster,Berlin 1985 VEBVerlag Volk und Gesundheit seite.23

(9) تاريخ الطب،من فن المداواة إلى علم التشخيص، تأليف جان شارل سورنيا، ترجمة د.ابراهيم البجلاتي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، مايو2002 ص11.

(10) عن Seite15 1985ٍ VEB Verlag Volk und Gesundheit Berlin Alte Chirurgie, Detlef Rüster

Alte Chirurgie Detlef Rüster, VEB VerlagVolks und Gesundheit(11) ,Berlin 1985 p. 24

(12) Alte Chirurgie, Detlef Rüster, VEB VerlagVolks und 1985 p. 24

Gesundheit,Berlin

(13) خزعل الماجدي، أديان وحضارات ما قبل التاريخ، دار الشروق عمان1997،ص.15-24

(41) أ. وادل، الأصول السومرية للحضارة المصرية، ترجمة زهير رمضان، الأهلية للنشر والتوزيع-عمان 1999 ص.41.




شاركنا رأيك

 
التعليقات

لم يعلق احد حتى الآن .. كن اول من يعلق بالضغط هنا

أقسام شبكة بحوث وتقارير ومعلومات عملت لخدمة الزائر ليسهل عليه تصفح الموقع بسلاسة وأخذ المعلومات تصفح هذا الموضوع الطب القديم حتى نهاية العصر الحجري الحديث # اخر تحديث اليوم 2024-04-18 ويمكنك مراسلتنا في حال الملاحظات او التعديل او الإضافة او طلب حذف الموضوع ...آخر تعديل اليوم 15/10/2023


اعلانات العرب الآن